أهمية قرار مجلس الأمن آجلة

طلال عوكل
حجم الخط

القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي ويعكس موقفاً جماعياً دولياً إزاء الاستيطان في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، ينطوي على أهمية قصوى بل أهمية تاريخية عبّرت عنها بشكل أولي الردود الجماعية الإيجابية التي صدرت عن كل فصائل العمل الوطني.
هذا القرار ليس الأول من نوعه الذي يصدر بشأن الاستيطان، فلقد سبق للمؤسسة الدولية أن اتخذت أربعة قرارات حصرية في هذا العنوان.
صدر عن مجلس الأمن قرار رقم 446 في 22 آذار 1979، وقرار 452 في 22 تموز من العام ذاته، والقرار 465 في الأول من آذار 1980، والقرار رقم 478 في العشرين من آب 1980.
لا أجد عذراً لمن سيقول إن القرار الجديد الأخير لا يختلف عما سبقه من قرارات، لكن النتيجة هي أن إسرائيل لم تتوقف عن سياسة التوسع الاستيطاني وتهويد القدس وهدم مساكن الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم.
قد لا تكون هناك فروقات جوهرية في الصياغة، فكل القرارات سجّلت إدانة لهذه السياسة، ووصفتها بغير الشرعية وتخالف القانون الدولي، وبأن تكرار الصياغة ذاتها أكثر وأقل، لن تحدث فرقاً لدى إسرائيل التي ترفض كل الوقت كل ما يصدر عن المؤسسات الدولية من قرارات تحاول أو تقترب من إنصاف الفلسطينيين وبأن إسرائيل التي يقودها اليمين المتطرف مرتاحة بكونها أصبحت معروفة على أنها دولة فوق القانون الدولي وخارجة عنه، وأنها قادرة بعلاقاتها على تجنب العقاب.
وقد لا تتعرض إسرائيل فعلاً هذه المرة لعقاب مباشر لا تسمح الولايات المتحدة وآخرون بأن تتعرض له ربيبتها، لكن العقاب يتكفل به التاريخ وهو ما تحذر منه أطراف إسرائيلية كثيرة.
تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تعاود اتهامها لرئيس الحكومة نتنياهو بأنه يعمل على عزل إسرائيل دولياً لصالح مستوطنات معزولة.
اتهامات ليفني جاءت بعد ردود الفعل الغاضبة من حكومة نتنياهو وبعد أن ألغى نتنياهو زيارةً كانت ستتم خلال أيام لرئيس الوزراء الأوكراني إلى تل أبيب، والسبب هو أن بلاده صوتت لصالح قرار مجلس الأمن وبعد التهديد الإسرائيلي لدولة السنغال وتابعت كأنها تشير إلى خطورة نهجه فتساءلت إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يقطع نتنياهو علاقته مع بريطانيا وفرنسا وروسيا؟.
وربما كان الكاتب الإسرائيلي ياريف أوبنهايمر أكثر وضوحاً في انتقاد السياسة الإسرائيلية، حين كتب مقالاً لـ"يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "شكراً أوباما لأنك مررت القرار".
ويضيف الكاتب إن أوباما اتخذ قراره في الدقيقة التسعين وفي الوقت الضائع من أجل منع اصطدام العربة الإسرائيلية بالفلسطينية بقمة جبل جليدي، وبأن هذا التصويت هو آخر محاولة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، والحفاظ على آفاق الانفصال عن الفلسطينيين بسلام.
البعض يحيل أسباب خروج الولايات المتحدة عما اعتادت عليه من حماية لإسرائيل إلى التوتر في العلاقة بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة نتنياهو، لكن المصادر الرسمية الأميركية تقول إن هذا القرار يساعد على الدخول في مفاوضات جادة، وأن امتناع المندوب الأميركي عن التصويت "يعد امتثالاً لتاريخ أميركا ومواقفها الثابتة من الاستيطان منذ عهد الرئيس السابق رونالد ريغان".
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرى هو الآخر أن هذا القرار سيسمح بالعودة إلى المفاوضات، خاصةً وأنه يلبي شرطاً فلسطينياً لطالما تم التمسك به قبل العودة بأية مفاوضات، هذا إذا التزمت إسرائيل به، لكن من المشكوك فيه أن تلتزم طالما أنها لا تتوقع عقاباً في حال عدم الالتزام.
من الواضح أن إسرائيل تراهن بثقة راسخة على أن الولايات المتحدة ستعود إلى سابق عهدها قبل صدور القرار، ذلك أن الرئيس الأميركي المقبل ترامب قال إن الوضع سيختلف بعد العشرين من كانون الثاني، أي بعد ثلاثة أسابيع، خاصةً وأنه أدلى بتصريحات مخيبة للآمال بالنسبة للفلسطينيين.
من حيث المبدأ لا أرى أهمية كبيرة ولا أراهن على أن هذا القرار سيؤدي إلى العودة لمفاوضات جادة، ومجدية، كما لا أتوقع أن تلتزم إسرائيل بما جاء فيه، أو حتى أن تبطئ على الأقل مخططاتها الاستيطانية والتهويدية، فيما الدعوات من وزراء الحكومة الإسرائيلية وكتلها البرلمانية يرتفع صوتها أكثر فأكثر مطالبةً بضم الضفة الغربية واستباحة كل أرضها بالمصادرة لصالح الاستيطان.
كما لا أعتقد بوجود احتمال ولو بسيطا بأن تجرؤ المؤسسة الدولية على اتخاذ إجراءات عقابية بحق إسرائيل، لكن تأثيراته واسعة على مستوى تطور واتساع نطاق الوعي الدولي إزاء قضايا الصراع ونحو تعميق عزلة إسرائيل.
من المهم أن نلاحظ بأن قراراً كهذا يشكل عاملاً قوياً نحو توسيع دائرة المقاطعة للمستوطنات ومنتجاتها والمستثمرين فيها، ودافعاً لتوسيع دائرة التضامن مع القضية الفلسطينية وتفهم الحقوق الوطنية للفلسطينيين.
ومن المهم أن نلاحظ أيضاً بأن هذا القرار يشكل إضافة تراكمية نوعية للإنجازات التي سبقت ويشكل حصانةً قانونية تاريخية لحقوق الفلسطينيين على جزء من أرضهم التاريخية. القراءة التفصيلية للقرار قد تشير إلى بعض المآخذ غير المحقة بخصوص الفلسطينيين، غير أن هذه المآخذ لا تستحق أن تضفي سلبيةً على القرار، فإن حصل ذلك فسيكون من باب البحث عن عظام في الكرشة.
الأساس هو إدانة السياسة الاستيطانية الإسرائيلية ورفع الغطاء الشرعي والقانوني عنها، وتوجيه الاتهام بتعطيل عملية السلام إلى الطرف الإسرائيلي حصرياً، أما ما يتعلق بالمآخذ أو المطالب فإن أحداً عليه أن لا يتوقع إنصافاً كاملاً من قبل المجتمع الدولي للفلسطينيين في ضوء استمرار الدعم الأميركي والأوروبي لإسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك فإن السياسة الإسرائيلية كفيلة بأن تبرر للفلسطينيين ما أشير إليهم بصدده في القرار، وإقناع العالم في كل مرة أن هذه الدولة لا تستحق الحياة طالما أنها تتمسك بالاحتلال والتوسع والعدوان وتغرق نفسها يوماً بعد الآخر في وحل العنصرية والأبارتهايد.
وبقدر ما أن القرار يلقي على إسرائيل استحقاقات قد تدفعها نحو المزيد من الجنون والانتحار الذاتي، فإنه يلقي على الفلسطينيين مسؤولية الإسراع في ترتيب البيت وتحصينه، ومضاعفة قوته كأساس لإعادة ترتيب ما تبقى من البيت العربي، على أساس استعادة القضية الفلسطينية لمركزيتها حتى يمكن إنضاج وعي المجتمع الدولي إزاء حقائق الصراع.