صلاح صبحية " المحبة "

صلاح صبحية  " المحبة "
حجم الخط

يوم دخلت قلبه دون استئذان منه أحبها لما وجد في عينيها من جرأة التحدي للواقع المؤلم الذي يعيشه، قرأ تعابير وجهها التي تكشف ما في داخلها. أنثى تتمرد على واقع ينظر إليها نظرة الريب والحذر، ليست فاتنة الجمال حتى يفتن بها بقدر ما تملك القدرة في التعبير عن واقع مجتمعها المأساوي، هذا التعبير الذي جعله أسير هواها، فالتقى معها على إرادة التغيير لإنماط الحياة التي ألفها الناس فصبغتهم بالضعف والاستكانة وإن أرادوا استمداد القوة من غيرهم فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

كان لهيب الحب بينهما كفيلا بأن يجمعهما تحت سقف واحد ليشيدا معا أسرة قوامها المحبة والمودة والاحترام المتبادل بين أفرادها، والمسؤولية فيها للجميع، لا قهر ولا استبداد ولا تسلط لأحد على أحد، فكل فرد في الأسرة هو في موقع المسؤولية ومحل مساءلة، والمساءلة انطلاقاً من المحافظة على كيونة الأسرة بلغة الحب التي أصبحت أبجديتها ترانيم عشق تعزف على أوتار العمل اليومي.

ومضت السنون ترمي بثقلها على صفاء الروح وبريق العيون، هي الغيوم التي عبرت دون أن تلقي بحملها لتطهرهم من بعض أدران علقت بهم دون أن يلقوا لها بالا، فجعلت صورهم باهتة، وكلماتهم فقدت قدرة التعبير عن حقيقة الحياة التي يعيشونها، نسوا واقعهم فأنساهم ماضيهم، نظر في عينيها، لا لمعان تتقد به شعلة الحياة، ولا أفق يبعث الأمال في النفس، وافتقد الأبناء عاطفة أمهم التي كانت تؤجج نفوسهم لمزيد من التفوق والنجاح.

يجتمع مجلس الأسرة بكامل أفراده ليناقش الوهن والضعف الذي أصابهم، وبكل المسؤولية والمساءلة التي اعتادوها وجدوا أنفسهم أمام حقيقة لا يمكن نكرانها، الأم تعاني من مرض خبيث جعلها غير قادرة على العطاء الذي ما كان يزيدها إلا إبداعا ونجاحا وتفوقا، فما العمل أيها الأبناء وقد وقف الأب عاجزا عما يفعل، شخصت عيون الأبناء وهم ينظرون بعضهم البعض، وكأن حالهم يقول لن تخمد جذوة العطاء فيك يا أمنا، تشاوروا فيما بينهم، أعادوا لأمهم ذاكرة السنين الماضية وكيف بنت لهم أحلام مستقبلهم، فقد غرست لهم ما كان لهم سندا الآن، فأخذوا أمهم تحت ظلال الأشجار الباسقة التي غرستها لترى الثمار التي حان قطافها، لن نقطف يا أمي سوى الثمار اليانعة التي وهبت عمرك لنا من أجلها، وسندع الثمار الفجة تتساقط وحدها يدرسها تراب الأرض لأنها آثرت نفسها على أخواتها، ابتسم الأب في وجه حبيبة عمره ولسان حاله يقول لها مبارك غرسك الذي أتى أكله الآن.