ما بعد القرار ليس كما قبله

طلال عوكل
حجم الخط

تبدو أبعد من المستحيل المراهنة على أن يشكل قرار مجلس الأمن بشأن الاستيطان الذي يحمل الرقم 2334 فرصة لفتح باب المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعادة تجديد الحيوية لخطاب البحث عن السلام في الشرق الأوسط.
نعلم أن التفاؤل أو الدعوة لبدء هذه المفاوضات وكأنها متابعة للخطاب ذاته الذي لا يتوقع حدوث ذلك، لكنه جزء من خطاب سحب الذرائع، وحشر إسرائيل في زاوية خطابها وسياستها، التي تدير ظهرها للإجماع الدولي.
في الحقيقة واستناداً إلى قراءة موضوعية للوقائع الملموسة الحاضرة والمتوقعة، فإن قرار مجلس الأمن هو إعلان عن فتح الصراع، وإنقاذه من طابعه الثنائي، والمحكوم لآليات الرباعية الدولية والاحتكار الأميركي، وتحويله ليتعرف على طبيعته الأساسية بما أنه صراع دولي، لقضية دولية من أولها حتى وقتنا الراهن. ليس فقط بسبب ردود الفعل الإسرائيلية المجنونة، التي صدرت رداً على القرار، وإنما بسبب المرحلة المتقدمة التي دخلتها السياسة الإسرائيلية التوسعية العنصرية، فإن الأمور لن تعود إلى الوراء لا بالنسبة للسياسة الإسرائيلية ولا بالنسبة للسياسة الفلسطينية.
إسرائيل ستواصل مخططاتها، محكومة برؤية وأدوات يمينية عنصرية انعزالية ومتطرفة، تدير ظهرها للعالم بما في ذلك حلفاؤها التاريخيون وصانعو وضامنو قوتها وتفوقها، وسيرتب على الفلسطينيين أيضاً أن يبحثوا عن استراتيجيات جديدة تتناسب ونهاية مرحلة الرهان على المفاوضات لانتزاع حقوقهم أو بعض حقوقهم الوطنية.
تتصرف إسرائيل بعنجهية استفزازية وكأنها دولة عظمى تستطيع معاقبة كل من ينتصر للقانون الدولي، وتتخذ مواقف وسياسات لا تتوافق مع السياسة الأميركية، حتى لو كان هؤلاء أكثر حرصاً على وجود إسرائيل واستمرار تفوقها من الإدارة الإسرائيلية التي تجر إسرائيل نحو الجحيم.
إسرائيل لن تتغير ولكن الذي سيتغير وعليه ألا يتردد في التغير هو الطرف الفلسطيني، مستفيداً من المناخات الدولية الإيجابية التي يعكسها قرار مجلس الأمن. في هذا السياق أعتقد أن خطاب سحب الذرائع قد استنفد إمكانيته في تحقيق المزيد من الإنجازات، إن كان استمرار هذا الخطاب يستدعي الموافقة والترحيب بأية مبادرة تنتقص من حقوق الفلسطينيين أو تفرض عليهم شروطاً كموضوع الاعتراف بيهودية الدولة، والتنازل عن حق العودة، أو تتضمن أن القدس عاصمة لدولتين.
إذا كان انعقاد المؤتمر الدولي في باريس أو أي مدينة أخرى، مع حضور دولي واسع، أمرا مهما للغاية، فإن هذه الأهمية لا يمكن أن تغطي أو تعوض عن القصور الفادح الذي تضمنته مشاريع القرارات أو المبادرات التي تسبق انعقاد المؤتمر، أو تطرح في جلساته أو على هامشه.
وبصراحة، فإن التصويت الجماعي الذي حصل عليه قرار مجلس الأمن رقم 2334، لا يعني أن الدول الغربية الضامنة لوجود وتفوق إسرائيل، قد غيرت سياساتها، وتحولت في اتجاه دعم الحقوق الفلسطينية. هذه الدول ما تزال تعمل بذرائع البحث عن حلول بل أفضل الحلول للحفاظ على إسرائيل وتفوقها، وضمان تخديمها على المصالح الغربية.
الحقوق الفلسطينية بحسب قرارات الأمم المتحدة ليست فقط دولة على الأراضي المحتلة العام 1967، فقرار حق عودة اللاجئين الذي يحمل رقم 194، هو أيضاً قرار دولي، وقرار التقسيم رقم 181، هو الآخر قرار دولي شاركت كل الدول في إقرارها والموافقة عليها.
في كل الأحوال مخطئ من يعتقد أن أية مبادرة من الولايات المتحدة أو من غيرها من الدول الأوروبية، تتضمن فقط ضرورة إقامة الدولة على الأراضي المحتلة العام 1967، ستكون كافية أو منصفة، والموافقة على مثل هذه المبادرات تعني التخلي عن بقية الحقوق دون الحصول على الدولة. على المعنيين بالأمر أن يستنجدوا باللغة العربية الملأى بالمفردات القابلة للتغير، أو التي تضمن التهرب من استحقاقات غير مرغوبة.
باختصار فإن قرار مجلس الأمن يفتح على حتمية الصراع، ولا ينطوي على مؤشر واحد ولو ضعيفا في اتجاه إمكانية فتح أبواب التفاوض ولذلك يترتب على الفلسطينيين أن يتحضروا لذلك عملياً ودون إعلانات صاخبة أو استفزازية يمكن أن تفسد المناخات الإيجابية التي يتوجها القرار.
لا ندعو إلى إعلان الحرب على إسرائيل، لكن القرار يعطي دفعة قوية جداً لتصعيد حملات المقاطعة، ليس للمستوطنات ومنتجاتها والشركات التي تتعامل معها وإنما يتسع الأمر ليشمل إسرائيل بكل مؤسساتها، فالمستوطنات تعمل كجزء من آلة الاقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك البنوك والشركات والسوق والتجارة الداخلية والخارجية، وهي جزء من الميزانية العامة لإسرائيل، ما يعني أن القرار ينطبق على كل هذه المؤسسات.
حركة المقاطعة ينبغي أن تصبح عنوانا للسياسة الرسمية والشعبية الفلسطينية، وربما كانت أهم وأكثر وسائل المقاومة الشعبية السلمية تأثيراً أو خطراً على الاحتلال. الآن لم يعد مبرراً التردد بشأن تقديم العديد من الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية ولاستكمال الانضمام لبقية المؤسسات الدولية، والأرجح أن مقبل السياسة الأميركية بإدارة ترامب سيوفر كل الأسباب المنطقية لتصعيد هذه المجابهة دون انتظار.
ومرة أخرى وأخرى، فإن الانتقال الموضوعي نحو استراتيجية المجابهة والمقاومة، لابد أن يستند إلى قاعدة صلبة. والقاعدة الصلبة هي في إعادة ترتيب وبناء البيت الفلسطيني والنظام السياسي الواحد الموحد.
لا يمكن مواصلة الرهان على إمكانية تحقيق المزيد من الإنجازات ومراكمة المزيد من عناصر القوة عربياً ودولياً، دون تحصين القلعة الفلسطينية حتى لا تظل إسرائيل تتغذى على التناقضات الفلسطينية والفلسطينية العربية.