نحو استراتيجية إسرائيلية لمواجهة القرار 2334

medium_2016-12-24-743a08d0b1
حجم الخط

سُجل في نهاية السنوات الثماني من الجمود في المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين قرار لاذع؛ هو قرار مجلس الامن 2334.
وكان الوصول إلى هذا الأمر نتيجة استراتيجية فلسطينية، تفضل التصدي لاسرائيل في المؤسسات الدولية على المفاوضات، وسياسة وسلوكا إشكاليا من إدارة أوباما وحكومات نتنياهو.
يدفع هذا القرار المسيرة السلمية الساعية إلى حل الدولتين نحو النقطة الأدنى لها منذ 2008.
فالرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو قادا إسرائيل إلى هزيمة سياسية شنيعة، وإلى اتخاذ قرار إشكالي للغاية لإسرائيل وللمسيرة السلمية على حد سواء.
أوباما، في خطوة مناهضة لإسرائيل قاسية وفظة حيث مسّ بحليفته الواضحة في الشرق الأوسط، ونتنياهو، بقصر نظره وبالشكل الذي أدار فيه السياسة الخارجية الاسرائيلية، منحا في نهاية العام 2016 هدية دبلوماسية للفلسطينيين، الذين طُهروا من المسؤولية عن الجمود في المسيرة السلمية، وتلقوا مردودا سياسياً مهماً من الأسرة الدولية.
تدفع إسرائيل ثمن القراءة الاشكالية والمغلوطة من جانب نتنياهو للساحة الأميركية والعالمية في السنوات الاخيرة.
فقد علق نتنياهو آماله على الكونغرس – الكونغرس ذاته الذي حسب الدستور الأميركي ما كان يمكنه أن يمنع اتفاقا نوويا مع ايران أو أن يستخدم الفيتو في مجلس الامن، فقد خاف نتنياهو من جهته من أن يمد خطا فاصلا بين الكتل الاستيطانية والاحياء اليهودية في شرق القدس وبين المستوطنات المنعزلة في «يهودا» و»السامرة».
فتفاهم هادئ على تجميد البناء في المستوطنات خلف الجدار الامني كان سيجعل من الصعب على اوباما الامتناع عن التصويت في مشروع قرار يمس باسرائيل.
وسلوك حكومة اسرائيل في مسائل «قانون التسوية»، التأخير في اخلاء عامونا، والدعوات لصالح ضم المناطق ج – كل هذه كانت العوامل الاساسية التي دفعت إدارة اوباما الى الامتناع عن استخدام الفيتو على مشروع القرار الاشكالي. الفجوة بين خطاب رئيس الوزراء نتنياهو في الامم المتحدة، حيث تنبأ من أعماق قلبه بنهاية الاغلبية التلقائية ضد اسرائيل في هذه المؤسسة، وبين التصويت الجارف ضدها في 23 كانون الاول، تشير الى قراءة اشكالية للواقع الدولي.
كصورة مرآة لقراءة الواقع الاشكالية من جانب نتنياهو فان إدارة اوباما هي الاخرى لم تنجح في قراءة الرأي العام والساحة السياسية الاسرائيلية، ولم تدرس فاعلية فرضياتها حول تقدم الحل للنزاع.
فعدم القدرة على الملاحظة بأنه يوجد في مواضيع الامن، الكتل الاستيطانية، والاحياء اليهودية في شرق القدس اجماع واسع للغاية في اسرائيل، وان الجمهور الاسرائيلي لن يكون مستعدا للأخذ بمخاطر أمنية مثلما تم في الماضي، كانت في قلب المحاولة للمس بنتنياهو، والتي حققت نتيجة معاكسة. اضافة الى ذلك، فان تجاهل ادارة اوباما لكتاب بوش الى شارون في نيسان 2004، وكذا مبادئ التسوية التي طرحها الرئيس بيل كلينتون والتي تعترف بأن الكتل الاستيطانية ستكون في الاراضي الاسرائيلية، اثار في إسرائيل شبهات كبيرة تجاه إدارة اوباما ونواياها، والقاء معظم التهم عن عدم التقدم نحو حل الدولتين على اسرائيل وعلى مسألة المستوطنات، إلى جانب تجاهل المساهمة الحاسمة للفلسطينيين في وقف المسيرة السياسية (الفلسطينيون هم الذين لم يقبلوا مبادئ الاطار للاتفاق التي صاغها وزير الخارجية جون كيري) كل هذه مست بشدة بامكانية الادارة للتقدم في المسيرة السلمية.
في هذه الخطوة الاخيرة في مجلس الامن «استكملت» ادارة اوباما تراثا اشكاليا من الاخفاقات في الشرق الاوسط: الوقوف جانبا حيال ما يجري في سورية؛ عدم القدرة على الانتصار على «داعش»؛ خلق فراغ في المنطقة، دخلت اليه روسيا وايران؛ سلسلة أزمات ثقة بين الادارة وبين كل حلفائها في المنطقة.
بعدم استخدام الفيتو، منحت الادارة جائزة أغلى من الذهب للفلسطينيين لقاء رفضهم الوصول إلى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، وأضعفت جدا احتمال استئناف المفاوضات الثنائية بين الطرفين وتقدمها في المستقبل المنظور.
فالفلسطينيون لا يمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم بأن يعرضوا موقفا اكثر اعتدالا من موقف مجلس الامن والاستنتاج – بالخطأ – بأن تلبية مطالبهم ستأتي من الامم المتحدة، وليس عبر المفاوضات مع اسرائيل.
اما اسرائيل، بالمقابل، فيمكنها أن تأتي إلى المفاوضات بشروط قول مسبق وأولي يتعلق بالحدود بينها وبين الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وبدلا من «الانسحاب من المناطق إلى حدود أمنية ومعترف بها»، كما ينص قرار 242 ستلتقي إسرائيل كنقطة انطلاق حدود 67، بما في ذلك شرق القدس.
مرة أخرى، كصورة مرآة لقطيعة حكومة إسرائيل عن البيت الابيض، من المهم التشديد على ان إدارة اوباما لم تبذل أي جهد لتنسيق مواقفها مع اسرائيل ولمحاولة تلطيف حدة القرار، وهكذا تعطل مفعول الالغام الكامنة فيه لمواصلة المفاوضات ولاكمال الوصول الى حل الدولتين.

قرار إشكالي
القرار إشكالي في سبعة أبعاد:
1. من ناحية إسرائيل، النهج الكامن في أساس قرار 2334، والذي يقول ان «حكم الحائط الغربي كحكم مستوطنة يتسهار» أو «حكم حي راموت في القدس كحكم مستوطنة الون موريه»، يبدد كل أمل في إدارة مفاوضات تكون غايتها التقدم بتسوية الدولتين.
2. يعزز القرار الرفض الفلسطيني واستراتيجية الامتناع عن المفاوضات مع اسرائيل، انتظارا لاملاء دولي لمبادئ التسوية، وعليه، فان القرار سيشجعهم على التمسك برفض العودة إلى المفاوضات والمرونة.
3. يزيد القرار خطر الدعاوى ضد اسرائيليين على المستوى السياسي والعسكري في المحكمة الدولية في لاهاي.
وفي أجواء «الصيد القضائي» للزعماء والقادة الاسرائيليين سيكون من الصعب خوض مفاوضات سلام.
4. حركة نزع الشرعية ومقاطعة اسرائيل ستتعزز وتلقى تشجيعا معنويا وسياسيا قابلا للترجمة الى خطوات قانونية، سياسية، جماهيرية واقتصادية.
5. يضع القرار المسألة الاسرائيلية كصخرة خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في الجمهور الأميركي ويهدد التأييد من الحزبين طويل السنين لاسرائيل.
6. ثمة في القرار أيضا مس بالردع الاسرائيلي، الذي قسم مهم منه يقوم على أساس الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودعمها لاسرائيل.
7. تقرير في المواضيع التي يتناولها القرار، والذي سيكون الامين العام مطالبا باعطائه كل ثلاثة اشهر، سيضمن اهتماما مواظبا بالمسألة على حساب مواضيع أهم ويغذي حملة مستمرة لمناهضة إسرائيل.
ومع ذلك، من المهم التشديد على أن القرار لم يتخذ تحت الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة وبالتالي فانه لا يسمح باتخاذ عقوبات وخطوات عملية اخرى ضد اسرائيل من الامم المتحدة، دون قرار آخر.
يمكن التقدير بأن الادارة الجديدة في الولايات المتحدة، والتي هي اكثر عطفا لاسرائيل من إدارة اوباما، ستستخدم الفيتو على كل محاولة للانتقال الى قرارات على اساس هذا الفصل.

ما يجب أن تفعله إسرائيل
في ختام العام 2016 من المهم توجيه النظر إلى المستقبل من الانشغال في تحليل الماضي للطريق التي أدت إلى قرار 2334.
ينبغي الاستعداد بهدف حصر الآثار السلبية لهذا القرار وبلورة سياسة مناسبة أكثر لاسرائيل، في ضوء الوضع السياسي الاشكالي الذي يخلقه.
في المدى القصير – احساس الغضب، الاهانة والخيانة، حتى لو كان ممكنا تفهمه، ليس أساسا سليما لسياسة متوازنة وناجعة.
حتى لو كان مهما جباية ثمن من السلطة الفلسطينية، التي بادرت الى الخطوة، يجب تأجيل الرد حتى 20 كانون الثاني 2017 – موعد دخول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض.
اما خطوات الضم الواسعة فلن تكون صحيحة بأي حال، وستكون خطأ يؤدي إلى تعميق عزلة اسرائيل او حتى إلى خطوات أخطر ضدها.
وبالمقابل، فان تعزيز الاستيطان في القدس وفي الكتل الاستيطانية تشجيع نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمكانة الحالية للجولان قد تكون خطوات تنسقها اسرائيل مع الادارة الوافدة.
في اساس الاستراتيجية الاسرائيلية طويلة المدى يجب أن تكون ثلاث فرضيات:
1.إدارة ترامب ستكون أكثر ودا لاسرائيل، وسيكون ممكنا التوصل معها إلى تفاهمات رفضتها إدارة اوباما بثبات.
2.  العودة إلى المفاوضات ليست ممكنة عقب الرفض الفلسطيني – فما بالك أن وضع اتفاق شامل ونهائي لم يكن قابلا للتنفيذ حتى قبل اتخاذ قرار 2334 (ليس مع السلطة الفلسطينية، وبالتأكيد ليس مع «حماس») – وسيكون اصعب من ذلك بعد اتخاذ القرار، الذي من المتوقع أن يدفع مواقف الفلسطينيين نحو التطرف ويرص صفوف الجمهور الاسرائيلي خلف الحاجة إلى تعزيز الاستيطان في القدس وفي الكتل.
3. ولكن الوضع الراهن ليس جيدا لاسرائيل، ويجب المبادرة إلى تغيير يحفظ أفق حل الدولتين، ولكنه يؤدي الى هناك بطريقة ممكنة في الظروف الحالية. يجب التقدم نحو الانفصال عن الفلسطينيين بطريقة منضبطة، حذرة وصبورة، تحمي المصلحة الاسرائيلية في أن تكون دولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وعادلة، ترمم مكانتها السياسية والأخلاقية في العالم.
على اساس هذه الفرضيات من الصحيح ان نعرض على إدارة اوباما اقتراحا اسرائيليا لخطوات عملية في أساسها مبادرة اسرائيلية فاعلة لتصميم واقع محسن، في ظل التصدي للادعاءات بأن المستوطنات هي عائق للسلام.
سيكون من الصحيح لاسرائيل أن تتبنى استراتيجية فاعلة، في مركزها توافقات مع الولايات المتحدة حول التمييز بين الاستيطان في الكتل والمستوطنات المنعزلة، حيث تجمد اسرائيل البناء.
وفي نظرة أوسع، أن تثبت اسرائيل التزامها بأفق الدولتين في المستقبل، من خلال سلسلة أعمال غايتها احداث تغيير في الميول الحالية، تبادر اليها هي نفسها.
في هذا الاطار يجب أن تبادر اسرائيل إلى خطوات لتشجيع بناء المؤسسات الفلسطينية الفاعلة وتوسيع حكمها الذاتي، تثبيت منظومة اقتصادية فلسطينية مستقرة، واقامة بنى تحتية تسمح بتواصل مواصلاتي – كل هذ كأساس لدولة فلسطينية عند نشوء الظروف لاقامتها. من المهم اشراك الدول العربية البرغماتية في تحقيق هذه السياسة، باسناد من ادارة ترامب وبقيادتها. من المفهوم أن مثل هذا التغيير في السياسة ستكون له مضاعفات في الساحة الحزبية في اسرائيل، وفي هذه الساحة يجدر برئيس الوزراء أن يلجم الخطوات المتطرفة لهوامش اليمين، التي تملي مؤخرا خطوات حكومته من خلال السياسة والتشريع اللذين يسيئان لمكانة اسرائيل في الساحة الدولية.
الولايات المتحدة هي الحليف الاهم لاسرائيل، واحيانا الوحيد. من المهم ألا تنجر اسرائيل الى المواجهة الجمهورية –الديمقراطية وأن تعود لتكون مدعومة من الحزبين. كما من المهم أن تعود لتثبت الثقة بين الدولتين، ولا سيما بين زعيميهما – الثقة التي انتهكها الطرفان في فترة الرئيس اوباما وحكومات نتنياهو. من المهم العودة لبناء أسس اللعلاقات الخاصة والقوية بين الدولتين،معا ، والتي ستضمن المصالح الحيوية لكلتيهما.