من شفيق التلولي إلى ناصر عطا الله..
قل لي أيها الغريب كيف للسماء أن تغطي مساحة الظلام المتكدسة بكل هذا الألم الجاثي فوق صدر الوطن؟!
وهل تكفي لوحة بَرَدى للكتابة عن ربوة الروح وعبق أشجار السرو والإثل والكينياء وعن سحره الممتد من فيجته حتى قنوات الشادروان؟!
هل جربت أن تقف بين الرافدين بشوق غزي وترسم من ماء العاصي لوحة حلم عربي عُلِقت بين دجلة والفرات؟!
- أظنك مثلي عشقت بردى والعاصي ودجلة والفرات-
أي غريب أنت يا صديقي المعذب بشهقات الحسرة على وطن كان بعيدا وصار بعيدا؟!
بُح لنا بما وشوشت لك عصافير الصباح على شرفات الندى.. قَلِب هذا الرمل الطري.. عمد قصيدتك العتيقة بحبر من عبق.. أقم الصلوات بما يليق من تلاوات الروح وعَلِقها على جدار البوح؛ فأنت صاحب الديار المطرزة بذاكرة دمشقية من صفصاف..
في الحرب أذكر بأنك وقفت على باب الجرح وقد أدمعتك ثلاجات الموتى؛ فجدت بما يوجع من أبيات القصيد.. كان عليك أن تغلق النوافذ قبل مرور أسراب الليل إلى الأرواح الهائمة وتلقي بمقاليد السماء في الجب؛ فلا ينام الأطفال تحت التراب.. كنت أتمنى ذلك؛ فلا تدمع لك عين يوم حرب شعواء.. لكنني أعرفك أعرف الغريب الذي أودع البيبان مشرعة؛ كي يمر القلم إلى جوف المكان..
لا خيبة لتغريبة أخرى في وطن الأنبياء.. وطن ينضح بهذا الغريب الذي لا ينام قبل أن يقرأ السلام على أضرحة الشهداء.. يسافر مع المطر.. يبحث في المساحات البيضاء عن بقعة ضوء من شمس منسية.. تلون هذا الدجير الغزي الطويل..
دهشة فارقة أصابتني بما قلت أيها الناصر الغريب قوامها الوجع والعطش في زمن الخراب وأبواب الحديد الموغلة في لحمنا ووهج الحصار اللعين.. قَلَبت أوراقك كلها بما جدت في سفر الغريب؛ لعلي أقف على عتبة من عتبات قيسارية غزة في انتظار فرس هيلانة كي أصل بك إلى شاطئ ليس ببعيد.. عبث انتظرت؛ فقد ملأت الفراغات بما هو أجمل من فرس تائهة لملكة غابرة مرت من هنا ولم يبق غير المسجد الذي يحاكي الكنيسة..
في سفر الغريب قال ناصر ما قال أمسك بإبرة حاك بخيوطها حكايا الشعراء وترحالهم بين غزة ورام الله ومد جسرا إلى يافا؛ كي تمر من فوقه رواية عاشق لحاراتها القديمة وبحرها وكل ما أودعه هذا الميناء اليافاوي من ذكريات جدة ماتت قبل أن تكتمل دوائر الضوء في زمن التيه والغربة والظلام وورث عنها ناصر حكاية هذا العشق الذي لا ينتهي..
تُرى ماذا يخبئ الغريب بين الدهشة والدهشة؟!
ننتظر حفل اشهار المجموعة الشعرية "ما قاله الغريب" للشاعر ناصر عطالله؛ علهُ يكشف لنا ما يطيب من هذه الخوابئ المدهشة.