عبّر الجميع من الفلسطينيين عن فرحه وثقته وانتصاره لصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، في حين عبّر رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، نتنياهو عن رفضه للقرار، واعتبره "مشيناً ومعادياً لإسرائيل"، وأنه لن يلتزم ببنوده، كما قال، بينما وصف إسحق هرتسوغ رئيس حزب العمل الإسرائيلي رئيس المعسكر الصهيوني توقيت إصدار القرار بقوله: "هذه ليلة صعبة على إسرائيل لم يمر مثلها منذ عشرات السنين".
وأطرف ما قيل بعيداً عن المتابعة الإخبارية: إن الحرف الأول من أسماء البلدان الأربعة التي بادرت لتقديم مشروع القرار أمام مجلس الأمن تشكل كلمة "منسف"، وهي: م . ماليزيا، ن . نيوزيلندا، س . السنغال، ف . فنزويلا، ولذلك فهي تستحق الدعوة على أكلة منسف لأنهم بادروا وحققوا إنجازاً لصالح الشعب الفلسطيني وحصل القرار على تصويت 14 دولة بالموافقة وامتناع الولايات المتحدة، فقط، ومنفردة، حيث تم وصف موقفها من قبل المراقبين على أنه صفعة أميركية للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، قام بها كل من الرئيس أوباما والوزير جون كيري قبل مغادرتهما البيت الأبيض والخارجية الأميركية يوم 20/1/2017 المقبل.
قرار مجلس الأمن، قرار إيجابي على المستوى السياسي ولكنه لن يغير الوضع على الأرض، فقد سبقه القرار الأهم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، والذي اعترف بدولة فلسطين وقبل بها عضواً مراقباً لدى الأمم المتحدة، وكلاهما يُضاف إلى سلسلة القرارات الدولية المنصفة للشعب الفلسطيني على الرغم من كونها نتاج موازين القوى المنحازة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ومع ذلك تشكل مجموع هذه القرارات سلاحاً سياسياً بيد الشعب الفلسطيني وبيد حركته السياسية وقيادته الوطنية للعمل على تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع؛ لأنها منصفة للشعب الفلسطيني وتجسد حقوقه الوطنية بقرارات دولية، صاغها المجتمع الدولي عبر مؤسسات الأمم المتحدة، وأهمها قرار التقسيم 181، وقرار حق العودة للاجئين 194، إضافة إلى قرار قبول فلسطين عضواً لدى "اليونيسكو" في 31/10/2012، وما انبثق عنها من قرارات بشأن القدس.
ومع ذلك تكمن أهمية قرار مجلس الأمن 2334 في أنه جدد توجه ورفض المجتمع الدولي للسياسات الاحتلالية الاستعمارية الإسرائيلية، وقبول أغلبية الأسرة الدولية لتطلعات الشعب العربي الفلسطيني، وعدالة مطالبه، والتعاطف مع معاناته، والانحياز لحقوقه المشروعة، فحجم التصويت له دلالاته العملية التي يمكن البناء عليها والسير على هدى الطريق التي تعزز الوصول إلى مثل هذه النتائج التراكمية الضرورية، على الطريق الطويلة، طريق هزيمة إسرائيل وانتصار فلسطين.
صحيح أن مضمون القرار لم يأت بجديد، فالمضامين التي صاغها القرار 2334، تتضمن ذكر قرارات مجلس الأمن التي تحمل نفس المعايير والتوجهات بدءاً من قرار الانسحاب وعدم الضم 242 للعام 1967، ومروراً بالقرارات 338 العام 1973، والقرار 446 العام 1979، و425 العام 1979، و465 العام 1980، و476 العام 1980، و478 العام 1980، وقرار حل الدولتين 1397 العام 2002، وقرار خارطة الطريق 1515 العام 2003، و1850 العام 2008، وهي قرارات ملزمة، صدرت خلال الخمسين سنة الماضية منذ الاحتلال الثاني العام 1967، ومع ذلك لم يتم تنفيذها، وترفضها حكومات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتعاقبة، دون أن تواجه بالإجراءات الدولية المناسبة، وفي ظل تغطية وحماية وإسناد أميركي استفزازي صارخ جعل من "إسرائيل" منفردة فوق القانون الدولي، بعيداً عن المساءلة والمحاكمة والمعاقبة.
والقرار 2334 يحمل مؤشرات مهمة، فالولايات المتحدة على غير العادة لم تستعمل حق النقض (الفيتو)، وبذلك تخلت في هذا القرار عن دورها المتواصل في توفير التغطية لحماية "تل أبيب" من القرارات المتلاحقة، كما أن دولتين أوروبيتين صوتتا لصالح القرار وهما بريطانيا وفرنسا اللتان ساهمتا في قيام الدولة العبرية على أرض الشعب الفلسطيني وعلى حساب حقوقه الوطنية، وهما دولتان تتصفان بالحرص على صداقتيهما لـ "تل أبيب"، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية وقيادته السياسية، يحققون انتصارات رمزية جزئية تراكمية، مع أنها ليست حاسمة، ولن تنعكس على حياة الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال واستعادة حقوقه .
توجهات القرار تحتاج لليقظة والملاحقة، حول العديد من الملاحظات، وهي:
أولاً: يرى القرار في صياغة ديباجته أن النشاطات الاستيطانية المستمرة، تؤدي إلى "تآكل لحل الدولتين وترسخ واقع دولة واحدة" على كامل أرض فلسطين، وهي رؤية فاحصة للمشهد على أرض الواقع، وكيفية مواجهته والتعامل معه طالما أن المجتمع الدولي يصل إلى خلاصة مفادها بأن العمل على الأرض يؤدي إلى تآكل حل الدولتين وترسخ واقع الدولة الواحدة، فوفق بيان اللجنة الرباعية الصادر يوم 1 تموز 2016 الذي وضع يده على الواقع الاستيطاني على أرض الدولة الفلسطينية المحتلة وشخصه بدقة بقوله حرفياً:
"منذ بداية عملية أوسلو العام 1993، تضاعف عدد سكان المستوطنات أكثر من مرتين، وازداد بمعدل ثلاثة أضعاف في المنطقة (ج) وحدها، وهناك حالياً 370 ألف إسرائيلي على الأقل يقنطون في حوالى 130 مستوطنة في المنطقة (ج)، ومنهم ما لا يقل عن 85 ألف مستوطن في عمق الضفة الفلسطينية، بالإضافة إلى 200 ألف في القدس الشرقية، فيصبح مجموع المستوطنين الإسرائيليين 570 ألف على الأقل". هذه هي أرقام اللجنة الرباعية: أميركا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة.
ثانياً: في البند رقم 5 في قرار مجلس الأمن يقول حرفياً: "على جميع الدول عدم تقديم أي مساعدة لإسرائيل تستخدم خصيصاً في النشاطات الاستيطانية"، ما يستوجب متابعة الدول التي تتعاون مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتقدم لها يد المساعدة العسكرية أو المالية كما تفعل الولايات المتحدة تحت حجة وعنوان "بقاء التفوق الإسرائيلي على دول المنطقة"، وكذلك الدول التي تتعاون مع "تل أبيب" اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً أو أي شكل من أشكال المساعدة، ما يساعد مشاريعها الاستعمارية التوسعية ويجعل "تل أبيب" في حل من التزاماتها القانونية، وترفض انصياعها للقرارات الدولية.
ثالثاً: يطالب القرار في البند رقم 12 من الأمين العام للأمم المتحدة " أن يرفع تقريراً إلى مجلس الأمن كل 3 أشهر حول تطبيق بنود القرار الحالي"، ما يتطلب مراقبة ذلك وضرورة أن يلبي الأمين العام للأمم المتحدة هذا البند في القرار، ليشكل حالة مراقبة دائمة وصولاً إلى توفير القناعة الدولية بأن إسرائيل لا تحترم قرارات الأمم المتحدة ولا تلتزم بتوجهاتها ومواثيقها، وبالتالي فهي ليست مؤهلة لبقاء عضويتها لدى المنظمة الدولية، وأن تُعاقب كما حصل مع جنوب إفريقيا بسبب سياستها وإجراءاتها العنصرية، وكما حصل حينما تم استبدال الصين الشعبية بجمهورية الصين الوطنية التي غدت خارج المنظومة الأممية.
الشعب الفلسطيني بسبب عدالة قضيته، وابتعاد نضاله عن شبهة الإرهاب وعدم المس بالمدنيين الإسرائيليين، وبقاء سلاحه المقاوم نظيفاً من التورط بأي عمل ذات صفة يمكن أن يوصف بالإرهاب، مع ضرورة استمرارية نضاله الشعبي المقاوم وعدم الاستكانة أمام همجية الإجراءات الإسرائيلية وعدم قانونيتها وعدم شرعيتها، يوفر مناخاً صالحاً نحو المزيد من المكاسب السياسية على الصعيد الدولي، وكسب المزيد من الاختراقات الإيجابية لدى المجتمع الإسرائيلي وكسب المزيد من الانحيازات الإسرائيلية لصالح النضال الفلسطيني وعدالة حقوقه واستعادتها كاملة غير منقوصة كما حددتها قرارات الأمم المتحدة، خاصة القرارين 181 و194.