إن استزاد عبد الرؤوف أرناؤوط، مراسلنا الدبلوماسي ـ السياسي في القدس، من القنصلية الأميركية فيها، فله أجر الصحافي؛ إن اجتهد وكدّ في قراءة الفروقات بين «محدّدات» كلينتون آخر عام 2000، و»مبادئ» كيري آخر عام 2016، فله أجران كمراسل ومحرّر.
عندما طرح الرئيس كلينتون في اجتماع رئاسي محدّدات الحل، بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد 2000، فإن الرئيس عرفات قال ما يشبه «لعم» لها. لكن عندما طرح وزير الخارجية كيري مبادئ الحل قال رئيس الوزراء نتنياهو «كلا» صارخة.
تعرفون أنه في مكر التفاوض مع الفلسطينيين على المشاريع، اعتادت إسرائيل ممارسة مكر الصياغة: لنعرض نحن عليهم، وليرفضوا هم بالنيابة عنّا!
كأن هذه الحال انقلبت عاليها سافلها في حال العلاقة الاستراتيجية بين دولتي أميركا وإسرائيل، إلى خلاف بينهما حول سياسة إسرائيل في الموضوع الفلسطيني.
هناك، في رسمات التسلية: ابحث عن الفوارق بين رسمتين تبدوان متشابهتين. بدلاً من نقاط المشترك بين «محدّدات» كلينتون و»مبادئ» كيري، سأستخدم تعبيراً يبدو فلسفياً هو: «المؤتلف المختلف».
في فيديو التصويت على مشروع قرار مجلس الأمن التجميد الفوري للاستيطان، لوحظ أن مندوبي الدول الـ14 التي قالت «نعم» للمشروع صفّقوا ليس لامتناع المندوبة الأميركية، سامنتا باور، بل لأنها قارنت بين حال الاستيطان عام 2011، عندما نقضت أميركا مشروع قرار حول الاستيطان، وحاله في العام الجاري.
يقولون: لكن أميركا صوّتت لصالح مشروع قرار في العام 1980، فمن يزعم أن الاستيطان على حاله خلال 37 سنة؟
من يدّعي أن مياهاً كثيرة لم تمرّ تحت الجسر بين عامي 1980 و2016، بل خلال 16 سنة بين «المحدّدات» و»المبادئ»؟
في العام 1980 لم تكن هناك انتفاضة فلسطينية، ولا اتفاق أوسلو، ولا عضوية دولة فلسطينية مراقبة في الجمعية العامة، ولا «خارطة طريق» صارت «الحل بدولتين».. وأخيراً ليس أزمة مشروع مستوطنة «كريات شلومو» في شرقي القدس، وبها استقبلت إسرائيل زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن 2011، ولا بالذات مشروع نقل بؤرة «عمونا» من أرض خاصة فلسطينية إلى أرض خاصة فلسطينية.. إلخ!
أهم ما طرأ من مستجدات بين العامين 2000 و2016 هو أن دولة فلسطينية (تحت مسمّى «حل الدولتين») لم تكن زمن كلينتون وصارت مشروع حل دولياً.
في المقابل فإن حكومة إسرائيل لم تكن وضعت شرط اعتراف الفلسطينيين والعالم بيهوديتها، وهذه كانت من أفكار وزيرة الخارجية آنذاك، تسيفي ليفني عام 2007، التي صارت الآن في المعارضة.
هناك، كما قرأ الزميل أرناؤوط، ستة اختلافات، حول قضايا الخلاف الخمس، أبرزها لصالح إسرائيل مسألة «يهودية الدولة»، وأبرزها لصالح فلسطين مسائل «الحدود» و»القدس».
كلينتون لم يحدّد ما هو لدولة فلسطين وما هو لدولة إسرائيل، بل اقترح تبادلات جغرافية غير متكافئة أو متساوية، بينما يقول كيري بتبادلات متكافئة ومتساوية.
كلينتون في مسألة القدس، قال: ما هو، حالياً، مناطق يهودية السكان تعود لسيادة دولة إسرائيل، وما هو مناطق فلسطينية السكان تعود لسيادة فلسطينية: الحرم فلسطيني وحائط المبكى يهودي. أما كيري فتحدث عن عاصمة لدولتين.
في مسألة يهودية إسرائيل، قال كيري: إن إسرائيل دولة يهودية، ولكن شرط قيام دولة فلسطينية «على حدود 1967» والقدس «عاصمة دولتين».
في مسألة حق العودة واللاجئين كانت محدّدات كلينتون أكثر تفصيلاً، بطرحها خمسة بدائل، لكن في مبادئ كيري تحدث عن «حل عادل»، ومتفق عليه، ومنصف وواقعي لقضية اللاجئين» كما في مبادرة السلام العربية، واعتراف إسرائيل بمعاناتهم، ومساعدة دولية تتضمن التعويض.
في الأمن، كانت محدّدات كلينتون مفصّلة، وزادها كيري تفصيلاً بخطة وضعها فريق الجنرال جون ألان عن «وضع نهاية كاملة للاحتلال» وفيها مساهمة عسكرية ميدانية أميركية لضمان أمن إسرائيل، كما هو حال سيناء، وليس كحال ودور مراقبي الأمم المتحدة على خطوط الهدنة.
المؤتلف في السياسة الأميركية إزاء دولة إسرائيل هو ضمان تفوقها العسكري، وإدارة أوباما فعلت ما لم تفعله إدارة سابقة من تقديم «خيل ومال» أو 38 ملياراً طيلة عشر سنوات، وطائرات F35.
المختلف في السياسة الأميركية هو مع سياسة دولة إسرائيل في الاستيطان والدولة الفلسطينية، التي يجب أن تكون «متواصلة ومتصلة» جغرافياً مع الدول العربية المجاورة ومع إسرائيل، كما اقترحت ذلك كوندوليزا رايس، بينما تتحدث إسرائيل عن دولة اسمية فلسطينية مقمّطة بالمستوطنات والجيش الإسرائيلي.
***
في الخلاصة، تلقت إسرائيل «مفاجأة» كانت متوقعة من امتناع أميركا عن التصويت، ثم «مفاجأة»، كانت، بدورها، متوقعة من «مبادئ» كيري بعد فشله في نيسان 2014، وقد تتلقى ثالثة من مؤتمر باريس الدولي، إذا اعتمدها مجلس الأمن.
لا يستطيع الرئيس المنتخب ترامب أن يقدم لأمن إسرائيل المزيد، لكن ميله إلى تنسيق مع السياسة الروسية قد يمنعه من الانحياز لصالح الاستيطان، والتنصُُّل من مشروع «الحل بدولتين».
تحدث ترامب عن «صفقة» لا عن تسوية أو حل نهائي، وفي الصفقات القضائية الأميركية أو الاندماج التجاري يجب أن يوافق الطرفان «أعلى من خيلك شدّ واركب».