أثارت نتائج انتخابات جامعة بيرزيت ضجّة كبيرة إثر فوز «كتلة الوفاء الإسلامية» بأغلبية مقاعد مجلس الطلبة البالغة 51 مقعدًا، إذ حصلت على 26 مقعدًا، مقابل 19 مقعدًا لحركة «الشبيبة»، و5 مقاعد لـ «القطب الديمقراطي»، ومقعد واحد لـ «تحالف بيرزيت» المكون من الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب و»فدا».
وتباينت الاجتهادات بين من اعتبر هذه النتائج انعطافة تعكس تغييرًا نوعيًا لا ينحصر في بيرزيت، كونها تحوي مختلف الأطياف، إضافة إلى ما تمثله من تاريخ وخصائص وتعددية ورسوخ مبادئ وتقاليد العمل النقابي والديمقراطي؛ ما يعطي نتائج الانتخابات فيها مؤشرًا يعكس الحالة العامة.
وبين من اعتبرها مجرد حالة عابرة تعود إلى أسباب خاصة تتعلق بالكتل الطلابية بالجامعة، وليس لها أي أبعاد سياسية أو عامة. وسيحاول هذا المقال أن يبرهن أن ما جرى أكثر من حالة عابرة وأقل من انعطافة.
في العادة لا يمكن الحديث عن تغييرات نوعية من نتيجة انتخابات لمرة واحدة، حتى لو كانت على المستوى الوطني العام، وليس في جامعة وحدها مهما بلغت أهميتها. التغييرات الشاملة تحدث إذا جرت انتخابات مرات عدة (ما معدله ثلاث مرات)، وحصل حزب أو كتلة على أغلبية أو نسبة كبيرة ثابتة ومستقرة.
إذا استعرضنا نتائج جامعة بيرزيت خلال السنوات العشرين الماضية، فسنلاحظ أن نتيجة هذا العام لا تغيّر جوهريًا أوزان الكتل الثلاث المتنافسة في الانتخابات خلال السنوات الماضية، فكانت النتائج متحركة، ولكن يحكمها بالإجمال نوع من الاستقطاب الشديد المستمر بين «الوفاء» و»الشبيبة»، والتذبذب والحفاظ على النواة الرئيسية من الأعضاء والأنصار لكل منهما.
فمنذ العام 1996 فازت «الوفاء» 8 مرات في أعوام (1996، 1998، 1999، 2000، 2004، 2006، 2007، 2015) مقابل 7 مرات للشبيبة في أعوام (1997، 2005، 2008، 2009، 2012، 2013، 2014)، مع استثناء سنوات الانتفاضة 2001-2003 التي لم تعقد فيها الانتخابات، وعامي 2010 و2011 التي قاطعت فيها «الوفاء» الانتخابات بسبب الاعتقالات والملاحقات.
على سبيل المثال، سنذكر نتائج الانتخابات للكتل الثلاث المتنافسة في أعوام متباعدة لنظهر أن الفوارق ليست ثابتة ولا نادرة، ففي العام 1996 حصلت «الوفاء» على 23 مقعدًا مقابل 17 للشبيبة و7 للقطب، وفي العام 2004 حصلت «الوفاء» على 25 مقعدًا مقابل 20 للشبيبة و6 للقطب، بينما في العام الذي يليه حصلت «الشبيبة» على 23 مقعدًا مقابل 22 للوفاء و3 للقطب، أما في العام 2006 الذي شهد فوز «حماس» بانتخابات المجلس التشريعي، فحصلت «الوفاء» على 23 مقعدًا مقابل 18 للشبيبة و6 للقطب، بينما في العام 2008 حصدت «الشبيبة 25» مقعدًا مقابل 19 للوفاء و5 للقطب. وشهد العام 2012 نتيجة متقاربة لنتائج هذا العام مع تبادل عدد المقاعد للطرفين المتنافسين، ففازت الشبيبة بأغلبية مقاعد المجلس بواقع 26 مقعدًا، بينما حصلت «الوفاء» على 19 مقعدًا والقطب على 5 مقاعد، وأخيرًا كانت نتائج الانتخابات العام الماضي بفوز «الشبيبة» بـ 23 مقعدًا مقابل 20 للوفاء و7 للقطب.
الجديد هذا العام أن «الوفاء» تستطيع لأول مرة تشكيل المجلس وحدها بعد حصولها على مقاعد أكثر من مجموع ما حصلت عليه الكتل الأخرى، وهذا لا يمكن أن يُفسّر بسبب واحد، وإنما يرجع إلى مجموعة كبيرة من الأسباب المتعلقة بالكتل المنافسة وفصائلها، وإلى أسباب أخرى سياسية ونقابية، وإلى الوضع في جامعة بيرزيت.
هناك مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن أن تساعد على تفسير نتائج انتخابات جامعة بيرزيت:
*تميّزت «كتلة الوفاء» طوال هذا العام بنشاطها المتواصل وتقديم خدمات للطلبة، إضافة إلى انفتاحها أكثر من السابق عليهم. فالطالبة غير المحجبة لم تكن حالة فريدة. كما أن ممثل الوفاء في المناظرة أجاد في عرض أخطاء وعيوب خصمه مستخدمًا الحركة والصور ورموز فتح المناضلين لصالحه، وموظفًا صمود غزة ومقاومتها وصواريخها، والتنسيق الأمني، ودعوات محمود الهباش، خصوصًا لعاصفة حزم ضد غزة، وعدم رفع الشبيبة لصور الرئيس، وأحاديثه عن عدم العودة إلى صفد، وعن التنسيق الأمني المقدس، وتدخلات الأجهزة الأمنية بالاعتقالات والملاحقات، التي بلغت خلال الفترة القريبة الماضية حدًا يدفع الطلاب حتى غير المحسوبين على «حماس» إلى التصويت لصالحها احتجاجًا على هذه الانتهاكات وانتصارًا للواقعين تحت الظلم من الاحتلال وذوي القربى، ما استدعى إلى اعتصامهم مرات عدة، كان آخرها اعتصامًا لمدة 70 يومًا.
كما وظّف مناظر «الوفاء» سوء أداء السلطة، خاصة في المفاوضات والتطبيع والتعامل مع الجرحى والمعتقلين، إضافة إلى تعامل الشبيبة مع الطلبة لجهة عدم الاهتمام باحتياجاتهم ومطالبهم، لدرجة أن مجلس الطلبة لم يعقد سوى اجتماعًا واحدًا طوال العام.
**ساهم في نتائج الانتخابات صمود غزة ومقاومتها وصواريخها التي وصلت إلى حيفا وما بعد حيفا، التي عطلت الحياة في مناطق واسعة في إسرائيل، والخسائر التي منيت بها إسرائيل، وتعطيل مطار «بن غوريون»، إضافة إلى شعبية أبو عبيدة بين الفلسطينيين، والحديث المتصاعد بشدة قبل أيام من الانتخابات عن صفقة تبادل أسرى جديدة، وفي ظل فشل عملية التسوية، وتعنت إسرائيل واتجاهها نحو المزيد من التطرّف والعنصرية. وهذا يفسر لماذا استمرت «حماس» قوية في وقت شهدت فيه جماعة الإخوان المسلمين تراجعًا يكاد يكون في مختلف البلدان العربية.
ومن الخطأ اعتبار فوز «كتلة الوفاء» انتصارًا للمقاومة، ما يعني أن هزيمتها في السابق واحتمال هزيمتها في الانتخابات القادمة في بيرزيت وغيرها هزيمة للمقاومة، وهذا يجعل المقاومة سلعة للاستهلاك في يدي فصيل، وهي أكبر من ذلك بكثير.
لا يمكن أن يقوم فصيل باحتكار المقاومة، فالتاريخ القريب والبعيد، وعشرات آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، والمعتقلات الإسرائيليه التي دخلها أكثر من 800 ألف فلسطيني منذ العام 1967، ووجود أكثر من 6000 أسير حاليًا؛ تدل دلالة قاطعة على أن المقاومة يمارسها الشعب بأسره، ولا يمكن أن يحتكرها فصيل مهما كان دوره الحالي، مع أنه يمكن أن يكون فصيلًا أكثر قدرة على توظيفها لصالحه من فصائل أخرى.
***إن «كتلة الشبيبة» رغم كل ما بين يدها من عناصر قوة وما تمثله في الماضي والحاضر لم تستطع أن توظف عناصر قوتها، ولا أن تظهر عناصر ضعف خصمها، بل ظهرت تدافع عن السلطة وتداخلها مع الأجهزة الأمنية التي داومت في جامعة بيرزيت في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، وهي نقطة ضعفها الأساسية، لأنه لا يستطيع أي محام كسب القضية إذا دافع عن مثل هذه السلطة، وظهرت الخلافات بين المحاور الفتحاوية المختلفة، سواء على مستوى اللجنة المركزية، أو تداعيات موقف مروان البرغوثي من جهة، وجماعة دحلان من جهة أخرى، أو على مستوى محاور الشبيبة ما بين الشمال والوسط والجنوب.
مثلًا كان بمقدور «الشبيبة» أن تبعد نفسها عن برنامج المفاوضات والسلطة والأجهزة الأمنية ومساوئهما، وأن تقدم برنامجًا وطنيًا تحرريًا جامعًا منفتحًا استمرارًا لما مثّلته «فتح» منذ انطلاقتها.
كما كان بمقدور «الشبيبة» وممثلها في المناظرة إظهار نقاط ضعف «حماس»، خصوصًا كونها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين»، ما يعني أنها جزء من حركة سياسية عالمية تخضع لها ولأولوياتها ويطغى على طابعها الآخر المتمثل بكونها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا كان له انعكاساته السلبية جدًا على الفلسطينيين و»حماس»، لا سيما بعد تراجع الجماعة، وما جرى ويجري في مصر، والعداء ما بينها وبين النظام الذي راحت غزة والمصالحة بجريرته. وما يجري في سوريا بعد الموقف الملتبس من «حماس»، وانعكاسه على الفلسطينيين هناك، وتحديدًا في مخيم اليرموك، وعلى موقف «حماس» وتحالفاتها العربية والإقليمية والدولية.
كما لم يوظف مناظر «الشبيبة» فشل نموذج السلطة الذي أقامته «حماس» في غزة، لجهة تقييد الحريات وفرض الضرائب والانفراد في السلطة، ومحاولته فرض نموذج معين على المجتمع، وتخليها عن الحكومة، وموافقتها على أن تكون حكومة الرئيس وبرنامجها برنامجه، الأمر الذي يتناقض مع برنامجها السياسي ومواقفها السابقة، على أمل أن تتولى صرف رواتب الموظفين وفتح المعابر وتصحيح العلاقة مع مصر وإعادة الإعمار، مع استمرار تحكمها في السلطة، وذلك بعد عدم نجاح حكومتها في فتح المعابر ورفع الحصار وإعادة الإعمار في ظل حجم الدمار والمجازر وخسائر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
كما كان بمقدوره إظهار أن المقاومة أصبحت في ظل الجمع بينها وبين السلطة المقيدة باتفاقات ظالمة ومجحفة، وكأنها وسلية للدفاع عن سلطة «حماس» أكثر ما هي إستراتيجية للتحرير، بدليل أن التهدئة هي السياسة الممارسة معظم الوقت منذ أول تهدئة جرت في العام 2003 من أجل مساعدة حكومة أبو مازن آنذاك. فتحدث المقاومة إما دفاعًا عن النفس في وجه عدوان إسرائيلي، أو كوسيلة لرفع الحصار، أو لتصدير مشاكل وأزمات ناجمة عن التحكم لسلطة من دون القدرة على الوفاء بالمسؤوليات المترتبة على ذلك، بينما لا يتم التركيز على المقاومة في التجمعات الأخرى، مع أن القمع والتنسيق الأمني لا يمكن أن يكون تفسيرًا لعدم الاستثمار في هذا المجال.
*لم يتطرق هذا المقال إلى سبب تراجع «القطب الديمقراطي» لأنه بحاجة إلى معالجة منفصلة.
وتباينت الاجتهادات بين من اعتبر هذه النتائج انعطافة تعكس تغييرًا نوعيًا لا ينحصر في بيرزيت، كونها تحوي مختلف الأطياف، إضافة إلى ما تمثله من تاريخ وخصائص وتعددية ورسوخ مبادئ وتقاليد العمل النقابي والديمقراطي؛ ما يعطي نتائج الانتخابات فيها مؤشرًا يعكس الحالة العامة.
وبين من اعتبرها مجرد حالة عابرة تعود إلى أسباب خاصة تتعلق بالكتل الطلابية بالجامعة، وليس لها أي أبعاد سياسية أو عامة. وسيحاول هذا المقال أن يبرهن أن ما جرى أكثر من حالة عابرة وأقل من انعطافة.
في العادة لا يمكن الحديث عن تغييرات نوعية من نتيجة انتخابات لمرة واحدة، حتى لو كانت على المستوى الوطني العام، وليس في جامعة وحدها مهما بلغت أهميتها. التغييرات الشاملة تحدث إذا جرت انتخابات مرات عدة (ما معدله ثلاث مرات)، وحصل حزب أو كتلة على أغلبية أو نسبة كبيرة ثابتة ومستقرة.
إذا استعرضنا نتائج جامعة بيرزيت خلال السنوات العشرين الماضية، فسنلاحظ أن نتيجة هذا العام لا تغيّر جوهريًا أوزان الكتل الثلاث المتنافسة في الانتخابات خلال السنوات الماضية، فكانت النتائج متحركة، ولكن يحكمها بالإجمال نوع من الاستقطاب الشديد المستمر بين «الوفاء» و»الشبيبة»، والتذبذب والحفاظ على النواة الرئيسية من الأعضاء والأنصار لكل منهما.
فمنذ العام 1996 فازت «الوفاء» 8 مرات في أعوام (1996، 1998، 1999، 2000، 2004، 2006، 2007، 2015) مقابل 7 مرات للشبيبة في أعوام (1997، 2005، 2008، 2009، 2012، 2013، 2014)، مع استثناء سنوات الانتفاضة 2001-2003 التي لم تعقد فيها الانتخابات، وعامي 2010 و2011 التي قاطعت فيها «الوفاء» الانتخابات بسبب الاعتقالات والملاحقات.
على سبيل المثال، سنذكر نتائج الانتخابات للكتل الثلاث المتنافسة في أعوام متباعدة لنظهر أن الفوارق ليست ثابتة ولا نادرة، ففي العام 1996 حصلت «الوفاء» على 23 مقعدًا مقابل 17 للشبيبة و7 للقطب، وفي العام 2004 حصلت «الوفاء» على 25 مقعدًا مقابل 20 للشبيبة و6 للقطب، بينما في العام الذي يليه حصلت «الشبيبة» على 23 مقعدًا مقابل 22 للوفاء و3 للقطب، أما في العام 2006 الذي شهد فوز «حماس» بانتخابات المجلس التشريعي، فحصلت «الوفاء» على 23 مقعدًا مقابل 18 للشبيبة و6 للقطب، بينما في العام 2008 حصدت «الشبيبة 25» مقعدًا مقابل 19 للوفاء و5 للقطب. وشهد العام 2012 نتيجة متقاربة لنتائج هذا العام مع تبادل عدد المقاعد للطرفين المتنافسين، ففازت الشبيبة بأغلبية مقاعد المجلس بواقع 26 مقعدًا، بينما حصلت «الوفاء» على 19 مقعدًا والقطب على 5 مقاعد، وأخيرًا كانت نتائج الانتخابات العام الماضي بفوز «الشبيبة» بـ 23 مقعدًا مقابل 20 للوفاء و7 للقطب.
الجديد هذا العام أن «الوفاء» تستطيع لأول مرة تشكيل المجلس وحدها بعد حصولها على مقاعد أكثر من مجموع ما حصلت عليه الكتل الأخرى، وهذا لا يمكن أن يُفسّر بسبب واحد، وإنما يرجع إلى مجموعة كبيرة من الأسباب المتعلقة بالكتل المنافسة وفصائلها، وإلى أسباب أخرى سياسية ونقابية، وإلى الوضع في جامعة بيرزيت.
هناك مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن أن تساعد على تفسير نتائج انتخابات جامعة بيرزيت:
*تميّزت «كتلة الوفاء» طوال هذا العام بنشاطها المتواصل وتقديم خدمات للطلبة، إضافة إلى انفتاحها أكثر من السابق عليهم. فالطالبة غير المحجبة لم تكن حالة فريدة. كما أن ممثل الوفاء في المناظرة أجاد في عرض أخطاء وعيوب خصمه مستخدمًا الحركة والصور ورموز فتح المناضلين لصالحه، وموظفًا صمود غزة ومقاومتها وصواريخها، والتنسيق الأمني، ودعوات محمود الهباش، خصوصًا لعاصفة حزم ضد غزة، وعدم رفع الشبيبة لصور الرئيس، وأحاديثه عن عدم العودة إلى صفد، وعن التنسيق الأمني المقدس، وتدخلات الأجهزة الأمنية بالاعتقالات والملاحقات، التي بلغت خلال الفترة القريبة الماضية حدًا يدفع الطلاب حتى غير المحسوبين على «حماس» إلى التصويت لصالحها احتجاجًا على هذه الانتهاكات وانتصارًا للواقعين تحت الظلم من الاحتلال وذوي القربى، ما استدعى إلى اعتصامهم مرات عدة، كان آخرها اعتصامًا لمدة 70 يومًا.
كما وظّف مناظر «الوفاء» سوء أداء السلطة، خاصة في المفاوضات والتطبيع والتعامل مع الجرحى والمعتقلين، إضافة إلى تعامل الشبيبة مع الطلبة لجهة عدم الاهتمام باحتياجاتهم ومطالبهم، لدرجة أن مجلس الطلبة لم يعقد سوى اجتماعًا واحدًا طوال العام.
**ساهم في نتائج الانتخابات صمود غزة ومقاومتها وصواريخها التي وصلت إلى حيفا وما بعد حيفا، التي عطلت الحياة في مناطق واسعة في إسرائيل، والخسائر التي منيت بها إسرائيل، وتعطيل مطار «بن غوريون»، إضافة إلى شعبية أبو عبيدة بين الفلسطينيين، والحديث المتصاعد بشدة قبل أيام من الانتخابات عن صفقة تبادل أسرى جديدة، وفي ظل فشل عملية التسوية، وتعنت إسرائيل واتجاهها نحو المزيد من التطرّف والعنصرية. وهذا يفسر لماذا استمرت «حماس» قوية في وقت شهدت فيه جماعة الإخوان المسلمين تراجعًا يكاد يكون في مختلف البلدان العربية.
ومن الخطأ اعتبار فوز «كتلة الوفاء» انتصارًا للمقاومة، ما يعني أن هزيمتها في السابق واحتمال هزيمتها في الانتخابات القادمة في بيرزيت وغيرها هزيمة للمقاومة، وهذا يجعل المقاومة سلعة للاستهلاك في يدي فصيل، وهي أكبر من ذلك بكثير.
لا يمكن أن يقوم فصيل باحتكار المقاومة، فالتاريخ القريب والبعيد، وعشرات آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، والمعتقلات الإسرائيليه التي دخلها أكثر من 800 ألف فلسطيني منذ العام 1967، ووجود أكثر من 6000 أسير حاليًا؛ تدل دلالة قاطعة على أن المقاومة يمارسها الشعب بأسره، ولا يمكن أن يحتكرها فصيل مهما كان دوره الحالي، مع أنه يمكن أن يكون فصيلًا أكثر قدرة على توظيفها لصالحه من فصائل أخرى.
***إن «كتلة الشبيبة» رغم كل ما بين يدها من عناصر قوة وما تمثله في الماضي والحاضر لم تستطع أن توظف عناصر قوتها، ولا أن تظهر عناصر ضعف خصمها، بل ظهرت تدافع عن السلطة وتداخلها مع الأجهزة الأمنية التي داومت في جامعة بيرزيت في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، وهي نقطة ضعفها الأساسية، لأنه لا يستطيع أي محام كسب القضية إذا دافع عن مثل هذه السلطة، وظهرت الخلافات بين المحاور الفتحاوية المختلفة، سواء على مستوى اللجنة المركزية، أو تداعيات موقف مروان البرغوثي من جهة، وجماعة دحلان من جهة أخرى، أو على مستوى محاور الشبيبة ما بين الشمال والوسط والجنوب.
مثلًا كان بمقدور «الشبيبة» أن تبعد نفسها عن برنامج المفاوضات والسلطة والأجهزة الأمنية ومساوئهما، وأن تقدم برنامجًا وطنيًا تحرريًا جامعًا منفتحًا استمرارًا لما مثّلته «فتح» منذ انطلاقتها.
كما كان بمقدور «الشبيبة» وممثلها في المناظرة إظهار نقاط ضعف «حماس»، خصوصًا كونها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين»، ما يعني أنها جزء من حركة سياسية عالمية تخضع لها ولأولوياتها ويطغى على طابعها الآخر المتمثل بكونها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا كان له انعكاساته السلبية جدًا على الفلسطينيين و»حماس»، لا سيما بعد تراجع الجماعة، وما جرى ويجري في مصر، والعداء ما بينها وبين النظام الذي راحت غزة والمصالحة بجريرته. وما يجري في سوريا بعد الموقف الملتبس من «حماس»، وانعكاسه على الفلسطينيين هناك، وتحديدًا في مخيم اليرموك، وعلى موقف «حماس» وتحالفاتها العربية والإقليمية والدولية.
كما لم يوظف مناظر «الشبيبة» فشل نموذج السلطة الذي أقامته «حماس» في غزة، لجهة تقييد الحريات وفرض الضرائب والانفراد في السلطة، ومحاولته فرض نموذج معين على المجتمع، وتخليها عن الحكومة، وموافقتها على أن تكون حكومة الرئيس وبرنامجها برنامجه، الأمر الذي يتناقض مع برنامجها السياسي ومواقفها السابقة، على أمل أن تتولى صرف رواتب الموظفين وفتح المعابر وتصحيح العلاقة مع مصر وإعادة الإعمار، مع استمرار تحكمها في السلطة، وذلك بعد عدم نجاح حكومتها في فتح المعابر ورفع الحصار وإعادة الإعمار في ظل حجم الدمار والمجازر وخسائر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
كما كان بمقدوره إظهار أن المقاومة أصبحت في ظل الجمع بينها وبين السلطة المقيدة باتفاقات ظالمة ومجحفة، وكأنها وسلية للدفاع عن سلطة «حماس» أكثر ما هي إستراتيجية للتحرير، بدليل أن التهدئة هي السياسة الممارسة معظم الوقت منذ أول تهدئة جرت في العام 2003 من أجل مساعدة حكومة أبو مازن آنذاك. فتحدث المقاومة إما دفاعًا عن النفس في وجه عدوان إسرائيلي، أو كوسيلة لرفع الحصار، أو لتصدير مشاكل وأزمات ناجمة عن التحكم لسلطة من دون القدرة على الوفاء بالمسؤوليات المترتبة على ذلك، بينما لا يتم التركيز على المقاومة في التجمعات الأخرى، مع أن القمع والتنسيق الأمني لا يمكن أن يكون تفسيرًا لعدم الاستثمار في هذا المجال.
*لم يتطرق هذا المقال إلى سبب تراجع «القطب الديمقراطي» لأنه بحاجة إلى معالجة منفصلة.