عام 2017 ... الحفاظ على القضية وإحباط الحل الإسرائيلي (1-2)

هاني المصري
حجم الخط

بالرغم من بعض الإنجازات التي تحققت في العام الماضي، والتي كان أهمها استمرار الصمود والمقاومة والمقاطعة، وبقاء القضية حية رغم كل التهميش الذي تعرضت له، والإنجازات على المستوى الدولي التي كان آخرها قرار مجلس الأمن حول الاستيطان (2334)، إلا أنّ حصيلة العام كانت سيئة، بل سيئة جدًا، فيكفي ما حصل بخصوص التوسع الاستيطاني وشرعنته إسرائيليًا بصورة لم تحدث من قبل (قانون التسوية)، إذ بلغ عدد المستوطنين في الضفة الفلسطينية حوالي 800 ألف مستوطن، إضافة إلى عمليات تهويد القدس وأسرلتها والاعتداءات على المسجد الأقصى، عدا عن ارتقاء 126 شهيدًا واعتقال 6635 مواطنًا، منهم 1384 طفلًا و170 امرأة.
كما كان العام الماضي عام القضاء على «القضاء» بدليل تشكيل المحكمة الدستورية ومنحها للرئيس صلاحية رفع الحصانة، وقد تم بالفعل رفع الحصانة عن خمسة نواب، وقضية توقيع رئيس المحكمة العليا على استقالته عند تعيينه التي تكررت مرات عدة، إضافة إلى استخدام القضاء لتأجيل الانتخابات المحلية.
وشهد العام 2016 أيضًا استمرار الانقسام وتعمقه أفقيًا وعموديًا، لدرجة أن موسى أبو مرزوق تحدث في مقابلته مع فضائية «الغد» في نهاية العام الماضي عن خيار الفدرالية بذريعة أنها أفضل من الانقسام. كما فشلت جهود إنهاء الانقسام وانتهت إلى الفجوة التي باتت أوسع كما دلت عليها جولات الحوار في الدوحة، فبعد التقارب والاقتراب من الاتفاق عدنا إلى المربع الأول، إلى ما قبل توقيع «اتفاق القاهرة»، حيث طرح الرئيس محمود عباس على أمير قطر خطته لإنهاء الانقسام التي تمثل استدارة عن كل ما سبق، وتقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم ببرنامج المنظمة وبالتزاماتها والذهاب إلى انتخابات (يمكن أن تشكل فيها قوائم مشتركة!)، أو الذهاب إلى الانتخابات من دون تشكيل حكومة وحدة وطنية وعدم عقد المجلس التشريعي. في المقابل، تريد «حماس» تطبيق «اتفاق القاهرة» كرزمة واحدة، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فتكتفي «حماس» بحل رواتب موظفيها، وتشكيل حكومة وحدة تستعد للانتخابات، إضافة إلى تفعيل المجلس التشريعي والإطار القيادي المؤقت للمنظمة إذا كان ذلك متاحًا، أي أن كل طرف من طرفي الانقسام يريد الاحتفاظ بما لديه ويسعى للحصول على مكاسب جديدة، وإذا تعذر ذلك فلا بأس من التعايش مع الانقسام وإدارته إلى  أن يقضي الله أمرًا مفعولًا.
وفِي العام الفائت، تم التراجع عن التهديدات السابقة بحل السلطة وتسليم مفاتيحها للاحتلال باعتبار أنها غدت سلطةً بلا سلطة كما كرر الرئيس مرارًا، بعدما اكتُشف مجددًا بأنها إنجاز وطني يجب المحافظة عليه كما صرح الرئيس في بداية العام المنصرم، كما تم الاستمرار في تغييب المنظمة رغم التغني المتواصل بأنها الإنجاز الأهم للشعب الفلسطيني والممثل الشرعي الوحيد.
والدلائل على تغييب المنظمة كثيرة لا تقتصر على عدم عقد مجلس وطني عادي أو جديد طوال أكثر من عشرين عامًا، بل تضمنت «لحس» قرارات المجلس المركزي التي ستمر في آذار المقبل الذكرى الثانية على اتخاذها، من دون توضيح لماذا حدث هذا التراجع، ولماذا لم يعقد المجلس المركزي مرة أُخرى، ويرى كيف أصبح التنسيق الأمني مصلحة فلسطينية، ولينظر في الأمر ويغير قراراته السابقة إذا اقتنع بما يراه الرئيس بأنها لم تكن عملية، أو ربما أدت أغراضها؟
صحيح أنه لم يكن بالإمكان تطبيق قرارات المجلس المركزي فورًا، وإنما هذه عملية تدرّجية يتم توفير متطلباتها رويدًا رويدًا وليس إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بما يرسخ أن السلطة مجرد وكيل عند الاحتلال بدلًا من إعادة النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها، بحيث تصبح أداةً بيد المنظمة وتخدم البرنامج الوطني.
كما شمل تغييب المنظمة أيضًا عدم انتظام اجتماعات اللجنة التنفيذية، ولا تكون مصدر القرار إذا اجتمعت، ما يحول اجتماعاتها إلى ندوات لتبادل وجهات النظر، كما يظهر ذلك بعدم إحاطتها علمًا بنص مشروع القرار حول الاستيطان قبل إقراره، إضافة إلى أنها سمعت عن المخططات لعقد المجلس الوطني من وسائل الإعلام عشية وغداة انعقاد مؤتمر «فتح» السابع، وقررت بعد ذلك عقده من دون الالتزام بالشروط الضرورية الكفيلة بجعله خطوةً كبرى إلى الأمام.
وشهد العام الماضي عقد مؤتمر «فتح» الذي جاء مخيّبًاً للآمال لأنه واصل تحوّل الحركة من حركة تحرر وطني إلى حزب موظفي السلطة في الضفة المقيدة بالتزامات أوسلو المجحفة، بدلًا من أن يكون فرصةً لإقرار إستراتيجية قادرة على التخلص من هذه الالتزامات، وليس كما قام به المؤتمر من تثبيت البرنامج المعتمد منذ اتفاق أوسلو، مع أن ما انتهى إليه هذا الاتفاق من كارثة يستوجب تبني برنامج جديد قادر على إنقاذ القضية الفلسطينية من الطريق التي تدفع دفعًا لمواصلة السير فيه، وهو طريق التصفية.
وإذا أضفنا إلى ما سبق، ما حصل عشية وغداة عقد مؤتمر «فتح» من تردٍ للعلاقات الفلسطينية مع أطراف الرباعية العربية بعد طرح خطتها، وما أدى إليه ذلك من غضب المئات من الفتحاويين الذين هالهم عدم مشاركتهم في المؤتمر بما يؤجج الصراعات الداخلية ويجعلها تطغى على الصراع الأساسي مع الاحتلال.
أما على صعيد إسرائيل، فشهد العام المنصرم مضيها أكثر في سياسة ابتلاع الأرض وتهويدها، وطرد أكبر عدد ممكن من السكان، وتجميع الأغلبية في معازل، وشن أوسع حملة عنصرية ضد فلسطينيي الداخل لكبح دورهم في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني. كما شهد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، الأمر الذي ينذر بتشجيع إسرائيل على التطرّف أكثر، خصوصًا إذا نفذ تعهداته بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وتشجيع الاستيطان، وتطبيق ما دعا إليه من مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون تدخل خارجي، ما يعني أن إسرائيل ستمضي في فرض الشروط والإملاءات على القيادة الفلسطينية، وفي الشروع في ضم الكتل الاستيطانية تمهيدًا لضم جميع مناطق (ج) على أساس رفض قيام دولة فلسطينية، وإذا كان لا بد منها فلتقم في غزة مع مساحة من سيناء أو من دون ذلك أو في الأردن، مع أن المفضل إسرائيليًا ضم قطاع غزة لمصر، بينما ضم معازل الضفة للأردن. كما نادى جون بولتون، أحد كبار الجمهوريين المؤيدين لترامب الذي طالب في مقال أخير له بما سماه بأنه لا مكان إلا لحل «الثلاث دول» مصر والأردن وإسرائيل.