كان دخان النار، ستره ثم كشفه بحركات متوالية غير متزامنة، هو وسيلة تخاطب قبائل «الهنود الحمر» في أميركا. كانت إشارات «السيمافور» الكشفية لقطة تخاطب بتحريك الأعلام إلى لغة إشارات. كانت حروف S. O. S لغة اللاسلكي في طلب النجدة إبان الكوارث البحرية خصوصاً.
هل قوارب اللاجئين عبر المتوسط المهددة بالغرق في لجّة البحر المتلاطمة ترسل إشارات الاستغاثة S.O.S، أو صارت الأقمار الصناعية تتولى هذه المهمة؟
يذكرني «حل الدولتين»، ثم إنقاذ هذا الحل؛ ثم «إنقاذ إسرائيل من نفسها» حسب عبارة كيسنجر، عندما كان وسيطاً في اتفاقية الفصل الثاني للقوات في سيناء؛ ثم إنقاذ ديمقراطية إسرائيل من يهوديتها، فإنقاذ حكومة إسرائيل من نفتالي بينت ..الخ.
بماذا؟ ربما باستخدام حروف S. O. S لتغدو بدل انقذوا أرواحنا Save our sools على النحو التالي Save our State أي إنقاذ دولة فلسطين من «الشهية التي تأتي مع الأكل» او الضم الذي يأتي مع استفحال الاستيطان .. بعد ان «جاوز المستوطنون المدى ..»؟.
في إحدى ادعاءاته، بعد صدور القرار الأخير من مجلس الأمن، قال نتنياهو، إن المسألة الفلسطينية هامشية نسبياً إزاء مشاكل الاحتراب والإرهاب التي تضرب دول المنطقة وتفككها وانهيارها.
لكن، لو قارنا ردود الفعل الاسرائيلية بعد اتفاقية نووية (1 + 6) وخذلانها لأمن إسرائيل بردود فعلها إزاء القرار الأخير لمجلس الأمن وخذلان إدارة أوباما المزدوجة لاسرائيل، بالامتناع عن نقض مشروع القرار، ثم بـ«مبادئ كيري» لوجدنا أن المسألة الفلسطينية ليست، أبداً، هامشية لاسرائيل والعالم .. وفلسطين أولاً.
يدعي الزميل سعيد عريقات، مراسل صحيفة فلسطينية من واشنطن، ان قرارات مجلس الأمن عامي ١٩٧٩ و١٩٨٠ اكثر جذرية وأهمية من القرار الجديد.
لكن، تلك القرارات القديمة الجذرية والمهمة، لم تصدر في زمن «الحل بدولتين» ولا تأسيس السلطة الفلسطينية، ولا كان التغوّل الاستيطاني يذكرنا بـ«جاوز الظالمون المدى».. او جاوز الاستيطان إنقاذ فلسطين من إسرائيل، وإنقاذ إسرائيل من «الابارتهايد» .. وإنقاذ حكومة نتنياهو من بينت!
ان السجال الإسرائيلي الراهن بعد صدور القرار، يذكرنا بأن صعود اليمين التدريجي الى حكم إسرائيل، على مدى ٤٠ عاماً متقطعة منذ انقلاب بيغن ١٩٧٧، كان سببه العميق هو المسألة الفلسطينية.
مثلاً، ما عرف بـ«المؤرخون الجدد» في إسرائيل كان نتيجة من نتائج الانتفاضة الأولى، وأما تيار «ما بعد الصهيونية» فكان نتيجة من نتائج اتفاقية أوسلو، وبين هذه الاتفاقية الثنائية - الدولية وزلزال قرار مجلس الأمن ومبادئ كيري، وصل الاستيطان الى «الخط الأحمر» في تهديده للحل الدولي بالدولتين، أي إنقاذ فلسطين الدولة Save our State ومعها إنقاذ إسرائيل وحكومتها من وزير العلوم والتربية نفتالي بينت الذي استولى على حزب «المفدال» الديني واحرز في آخر انتخابات ٦،٧٪ من الأصوات (٢٨٠ ألف صوت)، الى ان قال آخر استطلاع رأي إسرائيلي، ان ثلث المستطلعين تقريباً مع ضم الضفة والثلث الثاني تقريبا مع ضم المنطقة (ج) والثالث الأصغر مع «حل الدولتين».
بعد الانتفاضة الثانية، تراجع عميد المؤرخين الجدد، بيني موريس عن مواقفه، وتحسّر لأن التطهير العرقي «زمن النكبة لم يكن شاملاً على طريقة «ضربة واحدة وانتهينا»!
قبل صدور القرار الأخير لمجلس الأمن، و«مبادئ كيري» تراجع احد ابرز المثقفين الإسرائيليين «اليساريين» أبرهام بولي يهوشواع، واقترح ضم إسرائيل للمنطقة (ج) وإعطاء ١٠٠ - ١٥٠ ألف من سكانها الفلسطينيين وضع ساكن مقيم كما في القدس الشرقية؟
الآن، هذا السؤال: لماذا تشكلت في إسرائيل، بعد العام ٢٠٠٩ أعتى حكومة يمينية إسرائيلية، برئاسة «الليكود» وجراء الليكود (اليمين اليهودي - إسرائيل بيتنا - كولانو)؟
كان السبب غير المباشر انسحاب شارون من غزة، وانطواءه عن اربع مستوطنات في جنين، وتصريحه الشهير: هذا احتلال .. نعم احتلال» في احد مؤتمرات هرتسيليا للأمن.
أما السبب المباشر، فكان مشروع ايهود اولمرت، غير الرسمي، المقترح على ابو مازن، في مفاوضات مباشرة بعد رعاية بوش الابن قمة انابوليس، ثم ولاية اوباما الأولى والثانية، ومحاولة كيري في جولة الشهور التسعة حتى نيسان ٢٠١٤ الوصول الى اتفاق نهائي، وقبل ذلك جملة قالها نتنياهو موجهة لمسايرة إدارة اوباما عن قبوله مبدأ «الحل بدولتين» في خطاب بجامعة بار - ايلان.
في محصلة كل ما سبق، فإن المسار السياسي والأيديولوجي في إسرائيل يتأثر بحق تقرير المصير الفلسطيني و«الحل بدولتين» .. تأثر كوكب القمر بحركة الأرض، والأرض بحركة الشمس .. وهذه بالمجرة ..الخ!
سيكون العام الجديد صعباً على فلسطين إزاء إسرائيل؛ وإسرائيل إزاء العالم. ليس لمرور نصف قرن على الاحتلال، لكن لرهان إسرائيلي على إدارة برئاسة ترامب.
* * *
بدأ العام ٢٠١٧ بألعاب نارية في استراليا، وانتهى بألعاب نارية في أميركا، وبينهما ضربات الإرهاب.
لا أعرف كم ثانية تأخرت وتيرة دوران كوكب الأرض خلال نصف قرن من الاحتلال، لكنها تأخرت ثانية واحدة عن العام ٢٠١٦، ويتطلب الأمر ألف عام ليكون مجموع الثواني ساعة زمنية واحدة، فإذا ادعى الإسرائيليون ان القدس عاصمة لهم منذ ٣٠٠ عام فهذا يعني ان الأرض أبطأت دورانها ثلاث ساعات .. هذه ارض الديانات الثلاث.. الخ؟
لكن، خلال نصف قرن من الاحتلال تمادى الاستيطان من صفر الى ٦٠٠ ألف مستوطن، وحانت ساعة ويوم وشهر وسنة إنقاذ فلسطين من إسرائيل اليهودية؟ وإنقاذها من العزلة الدولية.
اعيدوا قراءة آخر قصيدة لمحمود درويش «اثنان في حفرة»!