تأثير سقوط حلب على الحرب في سورية

441
حجم الخط

انتهت معركة السيطرة على حلب، المدينة الثانية من حيث أهميتها في سورية، بانتصار قوات الأسد بدعم تحالف روسيا – ايران – "حزب الله" والقوات الشيعية التي تقوم ايران بتحريكها.
بالنسبة للمعركة، يسود شعور لدى القوات المناهضة للأسد بـ "الخيانة الكبرى" التي تعني الحصار والتجويع وقصف المناطق المأهولة وقتل مئات المواطنين الأبرياء واستخدام قنابل الكلور ضد التجمعات السكنية في ظل صمت العالم.
إن كل الذين وعدوا بالتغيير في سورية لم يقفوا في ساعة الاختبار – الولايات المتحدة التي تعهدت بالحل السياسي الذي ينهي حكم الاسد لا تحرك ساكنا.
والقوات السنية التي تسيطر في المنطقة، السعودية وتركيا، التي تعهدت بأن تكون هناك سلطة للأغلبية السنية، رفعت أيديها أمام الصراع الذي تديره روسيا وإيران لإنقاذ النظام العلوي برئاسة الأسد.
والمجتمع الدولي الذي ترك الشعب السوري ولم يعمل على وقف سفك الدماء الذي تسبب بقتل حوالى نصف مليون إنسان حتى الآن ولم يقم بمنع الكارثة الإنسانية الكبيرة.
والأهم من كل ذلك، فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية. ففي الوقت الذي يتحدث فيه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، فان الطائرات الروسية وراجمات الأسد كانت تهز المنطقة المحاصرة وتصيب بدون تمييز المدنيين.
اختارت الولايات المتحدة تقييد تدخلها في سورية لأنها لا تريد الغرق في مغامرة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط، تؤدي بها إلى إرسال قوات برية.
وقد رفعت يديها عندما خاب أملها من قدرة المتمردين "المعتدلين" على الاتحاد.
إن سقوط حلب في أيدي الأسد يشكل فشلا للقوى العظمى السنية أيضا، وتركيا، بسبب تقلب رئيسها اردوغان، غير مواظبة في سياستها، باستثناء كبح جهود الأكراد في سورية لتوسيع مناطق سيطرتهم وإقامة حكم ذاتي.
وقد أهملت تركيا منظمات المتمردين السنة الأخرى، لا سيما التي تنتمي للجيش الحر، أثناء الاختبار الأكبر في حلب. وبالنسبة للسعودية فإنها لا تنجح في إيجاد مسار آمن ودائم لتقديم المساعدة والسلاح للمتمردين.
وبالنسبة للمعارضة في سورية، هذا فشل ذريع لأنها لم تنجح في بلورة قيادة لها وتوحيد القوات التي تحارب ضد النظام وإيقاظ العالم من أجل إنقاذ الشعب السوري الذي يعاني.
إضافة إلى ذلك فإن سقوط حلب عمّق الخلافات والفجوات بين المتمردين فيما بينهم، وبينهم وبين قيادة المعارضة السياسية.
ولم يقم المتمردون بتشكيل جهاز للقيادة والسيطرة المشتركة في الحرب.
وهنا يطرح سؤالا: ما هي الأهداف التي ستضعها المعارضة والمتمردون؟ هل سيتبنون النموذج الأفغاني للقوات الموزعة والمتحركة التي تشوش قدرة النظام على خلق الاستقرار في سورية؟ هناك إشارات في الميدان تشير إلى أن المتمردين يريدون مرحلة أخرى من المقاومة المتواصلة.
الأسد، في المقابل، لا يعتبر انتصار حلب نهاية لصراع البقاء الخاص به.
في مقابلة مع صحيفة "الوطن" السورية قال إن السيطرة على حلب هي سحب للأوراق من أيدي المتمردين، لكنها ليست نهاية الحرب ضد الإرهابيين.
وحسب رأيه فان المتمردين تمسكوا بشرق حلب بعد فشلهم في دمشق وحمص، وقد حصلوا هناك على المساعدة التركية بسبب قربهم من الحدود.
إن تحرير حلب يعزز سيطرتنا مرورا بحماة وحمص وحتى دمشق، بما في ذلك المناطق العلوية على الشاطئ الغربي. وحسب تقديره فان منظمات المتمردين التابعة لـ "الإخوان المسلمين" لن تتخلى عن الإرهاب.
استنفدت روسيا من ناحيتها التكتيك الذي يميز عملها في سورية منذ أيلول 2015: استخدام القوة العسكرية الكثيفة، أيضا ضد المدنيين بلا رحمة، وفرض حقائق على الأرض قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة.
ومن أجل زيادة الضغط على المتمردين قامت روسيا بتحييد قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في حلب لأهداف إنسانية.
وبالتوازي مع المعارك تجري روسيا نقاشات سرية في اسطنبول مع ممثلي المتمردين لفرض شروطها عليهم.
وأحد الأمور الجوهرية هو الفصل بين المتمردين وبين "جبهة فتح الشام".
وقد وعد مبعوثو روسيا بأنهم سيسمحون للمتمردين الذين لم ينضموا لـ "جبهة فتح الشام" بالخروج الآمن إلى ادلب.
ولكن يبدو أن المتمردين يعرفون أن مصير ادلب لا يختلف عن مصير حلب، وأن التحالف المؤيد للأسد سيطاردهم هناك ايضا.
وتهتم روسيا في محادثاتها مع المتمردين بالمرحلة القادمة وبكيفية السماح للجاليات المحلية بأن تعمل دون ضعضعة السلطة المركزية.
ومن أجل ذلك تجري نقاشات مع القادة المحليين، وفي الوقت ذاته تسعى إلى التوصل إلى تفاهمات مع المتمردين في جنوب سورية انطلاقا من مبدأ أنهم إذا تنازلوا عن سلاحهم فلن يصابوا بأي أذى.
يبذل رئيس روسيا، فلادمير بوتين، قصارى جهده لإنهاء المعركة في حلب قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، وجعل سيطرة الأسد في الأماكن الحيوية حقيقة قائمة.
وبنظرة واسعة، تأخرت الولايات المتحدة عن القطار، ولذلك يجب على الرئيس الأميركي أن يقرر إما الاستمرار في السياسة الحالية وعدم فعل أي شيء، أو تغيير الاتجاه:
1- السعي إلى إنشاء تحالف مع روسيا استنادا إلى محاربة الدولة الإسلامية والإرهاب.
ويبدو أن ترامب يميل لهذا الاتجاه، حيث أشار إلى أنه مستعد لاعطاء بوتين الملف السوري.
 2- تأييد نظام الاسد والاعلان عنه كمنتصر في الحرب ضد الارهاب السلفي الجهادي. هذه الامكانية سيتم طرحها اذا تعهد الاسد بالامتناع عن تطهير معارضيه في اليوم التالي ودمج الجيش الحر في الجيش السوري.
 3- من ناحية المساعدات العسكرية سيكون على ترامب تقرير اذا كان سيتوقف عن مساعدة 80 منظمة للمتمردين تدربت على أيدي الـ "سي.آي.ايه" (50 ألف مقاتل) وحصلت على السلاح، لكن النتائج لم تكن كما هو متوقع. اذا قرر وقف أو تقليص المساعدات، فما الذي سيحدث لهذه المنظمات وهؤلاء المقاتلين، هل سيعودون الى بيوتهم؟ بالتأكيد لن يتنازلوا عن سلاحهم، ومن المتوقع ان تستمر تركيا والسعودية بدعمهم.
4- في السياق التركي الكردي، اذا تم ايجاد لغة مشتركة بين ترامب واردوغان، فهو لن يعارض وجود حزام أمني تركي على طول الحدود السورية التركية في غرب الفرات فوق الاراضي السورية.
 5- بالنسبة لشمال شرق سورية – جنرالات جيش الولايات المتحدة ستوصي الرئيس بالاستمرار في محاربة "الدولة الاسلامية" ومساعدة الاكراد في السيطرة على الحسكة. فهناك تستطيع الولايات المتحدة وضع قوات وقواعد جوية حيوية لمحاربة "داعش"، حيث أشار الى أنه لا زال قائما وعلى قيد الحياة، حيث استغل تركيز الجميع على المعركة في حلب من اجل اعادة السيطرة على مناطق في تدمر التاريخية.
إن الاختبار الفوري للرئيس ترامب سيكون المعركة على الرقة، عاصمة "الدولة الاسلامية" في سورية، حيث سيقرر اذا كانت الولايات المتحدة ستدفع القوات الكردية والقوات الديمقراطية السورية التي أقامتها الولايات المتحدة من اجل السيطرة على المدينة قبل أن تفعل ذلك قوات الاسد، أم ستسمح بسيطرة قوات الاسد على الرقة وتعزيز صورة الاسد كمحرر لسورية من تنظيم الدولة الاسلامية وكمنتصر على الارهاب السلفي الجهادي. في هذا السياق من المهم القول إنه في المرحلة الحالية فإن الاتجاهات الاستراتيجية السياسية لادارة ترامب غير واضحة، رغم أنها ستمنح كما يبدو الوزن الكبير للاستراتيجية العسكرية.
بالنسبة لاسرائيل، يحتمل أنه بعد سقوط حلب، ستحاول قوات الاسد وبتشجيع من ايران و"حزب الله"، نقل الجهود الى جنوب سورية للسيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وفي هذه الحالة ستدور الحرب قرب هضبة الجولان بمشاركة ايران و"حزب الله". وهناك خطر بأن تتسلل الاحداث الى داخل اسرائيل. وتقوم اسرائيل بفحص ما يحدث في سورية في السياق الايراني الواسع كجهة رئيسية تهدد اسرائيل. ولم ترتدع ايران عن ارسال قوات ايرانية ومليشيات شيعية للقتال الى جانب الاسد. وهي تقوم بالتطهير العرقي للسنة في بعض المناطق في سورية لتعزيز الجسر الشيعي من طهران الى بيروت مرورا بسورية. لذلك مطلوب من اسرائيل اعادة النظر في سياسة عدم التدخل في الحرب السورية لأنها ستجد صعوبة في التسليم بوجود ايران في هضبة الجولان. وسيكون عليها وضع خطوط حمر واضحة مثلما فعلت في السابق. وبدون تطبيق هذه الخطوط لن تستطيع التأثير في المحيط المليء بالتحولات.
على اسرائيل أن تستمر في تقديم المساعدة للمواطنين السوريين في مجال الصحة والغذاء والوقود شريطة أن لا تسمح هضبة الجولان لأي جهة ارهابية بالعمل ضد اسرائيل. وعلى خلفية غياب حل للحرب الاهلية السورية، يجب أن يتم البناء من أسفل الى أعلى كما فهمت روسيا، وهي تطبق ذلك في اتصالاتها مع رؤساء الجاليات المحلية. هكذا يجب على إسرائيل أن تفعل في جنوب سورية، ولا سيما في هضبة الجولان، أي أن تؤيد اقامة مناطق مستقرة حتى لو لم يكن واضحا كيف سيكون الوضع النهائي.