2016: صحوة الإدارة الأميركية وفيدرالية «حماس»

أشرف العجرمي
حجم الخط

العام 2016 المنصرم كان عاماً صعباً بكل المقاييس علينا وعلى المنطقة بأسرها، فقد ازداد فيه التغول الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية مصادرة وتهويداً واستيطاناً، وتعرض الشعب لعمليات تنكيل شملت اغتيالات ميدانية واعتقالات وقمعا وهدم بيوت ومنشآت، وتراجعت خلاله فكرة التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين على أساس حدود العام 1967 في ظل القضم الممنهج لأراضي الدولة الفلسطينية وإصرار أركان الحكومة الإسرائيلية على قتل حل الدولتين ومحاولة فرض دولة غزة والحكم الذاتي في الضفة الغربية.
وكان عاماً دموياً بامتياز في سورية والعراق واليمن وليبيا وبعض الدول الأخرى التي شهدت أعمالاً إرهابية قتل فيها العشرات، ومنها دول عربية وإقليمية وخاصة تركيا.
وربما الإيجابية الوحيدة على مستوى الحروب الأهلية والصراعات المحلية التي هي في الجوهر صراعات إقليمية تتمثل في تراجع قوى الإرهاب الإسلامية في سورية والعراق وليبيا بعد التدخل الدولي الفاعل وخاصة تدخل روسيا في سورية وتدخل التحالف الدولي في ليبيا والعراق.
ومثل حسم معركة حلب في سورية نهاية العام 2016 إحدى بشائر ومؤشرات قرب التوصل إلى تسوية سياسية في الملف السوري وخاصة في ظل التنسيق الروسي – التركي.
ويبقى من المبكر التنبؤ بنهاية هذه الحروب حتى لو برز أمل كبير في إنجاز تسويات ومهدت الطريق أمامها.
ولعل أبرز ما حصل من تطورات إيجابية على مستوى ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو صدور قرار تاريخي عن مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان وكل محاولات إسرائيل تغيير الأمر الواقع، ويضع حداً فاصلاً بين إسرائيل في حدود العام 1967 وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة ويحدد مرجعيات العملية السياسية بالتأكيد على كل قرارات مجلس الأمن السابقة ومضمون المبادرة العربية للسلام. وشكل القرار 2334 ضربة قوية لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية - العنصرية التي استهترت بكل المواقف والقرارات الدولية الخاصة بالأراضي المحتلة بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة من العام 1949، ووصفه بعض الإسرائيليين بأنه بداية النهاية لحلم أرض إسرائيل الكبرى والمشروع الاستيطاني الذي يمتد على مساحات واسعة من الضفة الغربية وفي القلب منها القدس الشرقية المحتلة، وعودة القضية الفلسطينية إلى موقف الإجماع الدولي وموقع الصدارة في الاهتمامات الأممية.
وانتهى العام إيجاباً كذلك بخطاب وزير الخارجية الأميركي جون كيري الشهير الذي مثل حساباً لحصاد ثماني سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما ومراجعة لموقف الولايات المتحدة من ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ليس فقط بتبيان حجم الدعم غير المسبوق الذي قدمته إدارة أوباما لإسرائيل وتغطيتها على سياساتها وتدليلها لها على كل المستويات، بل وكذلك إظهار المخاطر المحدقة بإسرائيل جراء مشروعها الاستيطاني الذي يشكل خطراً عليها وعلى الفلسطينيين والمنطقة، ومقتلاً لحل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة ودول العالم جميعها وقسم كبير من الإسرائيليين خلافاً لموقف حكومة إسرائيل التي وصفها كيري بالأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخها.
ولقد شكل الخطاب، بالرغم من تحامله على الفلسطينيين في موضوع التحريض والعنف، وثيقة سياسية مهمة تحدد أسس العملية السياسية وتنسجم مع قرار مجلس الأمن الأخير، ومكملة له، وأكثر من ذلك يمكنها أن تكون مرشداً للإدارة الأميركية القادمة برئاسة دونالد ترامب لو رغب الأخير في لعب دور في العملية السياسية، خاصة وأن الخطاب يشدد على الموقف الأميركي التقليدي من ملف الصراع والعملية السياسية ويوضحه بصورة لا تقبل الشك والغموض.
وستظل تداعيات هذا الخطاب، كما هي الحال مع قرار 2334، ماثلة في الحلبة السياسية الدولية حتى لو غيرت إدارة ترامب القادمة مواقفها وانسحبت من التدخل في ملف الشرق الأوسط، على الأقل لدى الاتحاد الأوروبي والمجموعات الدولية الأخرى، وسيعزز فرص الضغط على إسرائيل في موضوع الاستيطان.
ولا شك في أن المبادرة الفرنسية التي سبقت القرار الأممي 2334 وخطاب كيري والمؤتمر المزمع عقده في باريس في منتصف هذا الشهر يمثلان رافعة دولية مهمة للحفاظ على زخم الفعل السياسي وقد يترجم إلى اعترافات متلاحقة بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ولا ينبغي التقليل من حجم هذه التطورات التي دفعت قطاعات واسعة من الإسرائيليين إلى التحرك لدعم الحراك الدولي فكثفوا زياراتهم للمقاطعة ووقعوا على عريضة سترسل لفرنسا عشية انعقاد مؤتمر باريس تأييداً للمؤتمر الدولي ولحل الدولتين على أساس حدود العام 1967، وللاعتراف بدولة فلسطين على هذه القاعدة.
ولكن في كل مرة يحدث فيها تقدم للقضية على المستوى الخارجي تأتي المنغصات الداخلية، فلا يكفي الانقسام البغيض كواقع يضر تماماً بمشروعنا الوطني، بل جاءت تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» بطرح فكرة الفدرالية بين الضفة والقطاع كحل للانقسام لتقول لنا لا تحلموا بدولة مستقلة كاملة السيادة حتى لو اعترف بكم العالم، فحماس لن تتخلى عن غزة الإمارة الإسلامية التي تشكل حلم حركة «الإخوان المسلمين» في السلطة.
فالموضوع كان ولا يزال الصراع على السلطة، وكل الشعارات الأخرى مجرد أكاذيب لتبرير الوصول إلى الكراسي.
والكعكة الآن مقسمة جيداً بين جهتين وكل جهة راضية بحصتها.
و»حماس» لن تتخلى عن دولتها، تلك التي تحدث عنها رئيس البيت اليهودي نفتالي بينت، والمشروع الوطني غير مهم. فماذا يحمل لنا العام 2017؟.