كل شيء .. ولا شيء عن «ترامب»!!

هاني حبيب
حجم الخط

توقفت قليلاً أمام اتخاذ الرئيس الروسي قراراً بعدم الرد على القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي أوباما بطرد ٣٥ دبلوماسيا روسياً بدعوى تدخل روسي في اختراق حواسيب الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، لم أتوقف فحسب عند ذكاء هذا القرار الروسي الهادف إلى تفويت الفرصة على إدارة أوباما، لزرع عقبات أمام التسويات السياسية المرتقبة بين إدارتي بوتين وترامب، بل لاحظت ان هناك هدفاً موارباً، ربما بغير قصد مباشر، عندما تبين ان معظم نواب الكونغرس من الحزب الجمهوري، حزب الرئيس المنتخب، انتقدوا خطوة الرئيس أوباما بطرد الدبلوماسيين الروس. ليس لأنه اتخذ القرار، ولكن كونه تأخر في اتخاذ هذا القرار (!) وهو الموقف المخالف تماما لموقف رئيسهم الجديد إزاء هذه الخطوة، ما أردت قوله إزاء وقفتي هذه، ان تصورات ترامب إزاء العديد من المواقف، لا يمكن وضعها موضع التنفيذ الفعلي حتى لو شاء ورغب في ذلك، قرار الرئيس بوتين، أدى الى ان تعلن الأغلبية في الحزب الجمهوري، حذرها من الخطوات المحتملة على الصعيد السياسي من قبل الرئيس ترامب، وان هذه الأغلبية، لن تمرر بسهولة إرادات رئيسها، ليس فقط لأن الرئيس الذي يتطلع الى العالم من نوافذ وشرفات البيت الأبيض، ليس هو الرئيس المرشح للرئاسة، فحسب ولكن حسابات الحزب الحاكم، خاصة في ظل شواهد عديدة أثناء الحملة الانتخابية لترامب تشير الى مواقف متناثرة تشككك بقدراته كرئيس من قبل محازبيه، حسابات الحزب الحاكم تختلف بدرجات متفاوتة وأكثر وضوحا مما قد علق برأس الرئيس أثناء الحملة الانتخابية وحتى بعد فوزه وقبل تسلمه مفاتيح البيت الأبيض.
ومشكلة التحليل السياسي لتوقعات ترامب، ان هذا الأخير صاحب اكثر تصريحات ومواقف متغيرة ومتخالفة ومتناقضة في العديد من الأحيان، ورغم اتهامه من قبل محازبيه في الحزب الجمهوري من انه عديم الكفاءة ويفتقر الى الحنكة والتجربة السياسية، الا انه تخلص وبسهولة مدهشة من كل منافسيه أثناء الحملة الانتخابية الداخلية للحزب الجمهوري، هذا الفوز أربك حزبه كما أربك تحليلات المحللين المتابعين والمتخصصين بهذا الشأن، ناهيك عن أنه أودى باستطلاعات الرأي المعروفة بمهنيتها إلى أرشيف الفشل، مع ذلك، فإن ترامب نفسه قال في احد المواضع على حسابه في تويتر أنه «يصعب توقع ما سيفعله» وربما هذا التصريح المنسوب له، هو التصريح الوحيد الذي لا يبدو أنه أخطأ في الاعتراف به!!
أمام رئيس، لا يعرف هو نفسه ما يريد القيام به فعلاً، وأمام قوة مسيطرة قادرة على وقفه عندما تفرض الضرورة ذلك، لا يمكن ان يمنح المحللين السخاء المطلوب كي يمارسوا رسم السيناريوهات والتوقعات والاحتمالات المبنية على مقدمات تسمح بالتوصل إلى تحليل أقرب إلى الصواب والصحة، لذلك تبقى اجتهادات اي تحليل قابعة في مواقع الشك الواسعة، أكثر منها قرباً الى احتمالات متوقعة، وسيظل هذا الرجل، الرئيس المنتخب عصياً على الفهم، كونه هو ذاته عصياً على أن يفهم نفسه!
ويضع العديد من المتابعين، العديد من التساؤلات حول مقدرة ترامب على قيادة فريقه الخاص من المعاونين الذين سيحيطون به في البيت الأبيض ويبلغ عددهم 470 معاوناً، صحيح أن هناك مسؤولين ومدراء لهؤلاء، لكن عليه هو نفسه في كثير من الأحيان الوصول اليهم ووصولهم إليه، فهو لم يعتد على هذا الأمر رغم اتساع أملاكه وعقاراته وشركاته، فرعاية المال، ليس كرعاية البشر.
بعض المتابعين يرى ان هناك مبالغة في توصيف حالة ترامب، ذلك انه رجل تمكن من بناء امبراطورية مالية ضخمة، وأدارها بنجاح كبير، الأمر الذي أهله لخوض الانتخابات الرئاسية، من دون اعتماد كبير على التبرعات، ومكنه - أكثر من ذلك- من عدم الخضوع للممولين المتبرعين وظل فكره وموقفه نابعاً من داخله دون الارتباط بمصالح ومواقف الممولين.
إلا أن السلطة ليست مجرد مشروع مالي وعقاري، إدارة الأموال تختلف كثيراً عن إدارة مصالح البلاد والبشر، حسابات العقارات والملايين تتم من خلال لعبة الرياضيات، الجمع والطرح والتقسيم..الخ، اما حساب مصالح البلاد فلا يخضع للرياضيات وجمع واحد زائد واحد، ليس بالضرورة اثنين، والمشاريع التي أدارها ترامب أشرفت عليها العائلة، أما السياسة التي يبنيها البيت الأبيض، فتديرها مصالح الاحتكارات النفطية وتجارة السلاح وصناعته والتطلع الى ريادة العالم والتدخل في شؤونه ورسم خرائطه.
السؤال الأهم، والذي يبحث عن إجابة دون جدوى، كيف سيصيغ ترامب تحالفات أميركا مع العالم، من خلال تصريحاته، ابتعد عن أوروبا، ابتعد عن «الناتو»، ابتعد عن الصين، ابتعد عن الخليج العربي، اقترب من روسيا، ومن تايوان، ويقترب من الشرق الأوسط بقدر ابتعاده عنه، والثابت الوحيد، مواقفه المنافقة إزاء إسرائيل، مع أن الدولة العبرية ظلت تشكك في مستوى دعمه لها خلال حملته الانتخابية، إلا أن علاقة منافقة ربطت فيما بعد بين نفاق ترامب ونفاق نتنياهو!!