(1)
النظم الديمقراطية والملكية لديها تصورعن كيفية وصول شخص لسدة الحكم، بالنسبة للنظم الديمقراطية يحدث ذلك من خلال مشاركة سياسية ومعارك انتخابية، وبالنسب للنظم الملكية يتم تأهيل ولى العهد للحكم منذ نعومة أظافرة بتعليم جيد وأساليب وبرامج تدريب متخصصة، في كلتا الحالتين يتم تأهيل المرشح للحكم ليتحمل العبء النفسى لذلك وأصول التعامل السياسى في الداخل والدبلوماسية في الخارج، كما أنهاحماية للمرشح من لسعة الضوء الباهر المفاجئة، فكل تحرك يصبح مراقبا وكل كلمة يحاسب عليها، العفوية كلمة يتم استخدامها بحساب ولأسباب.
(2)
الإنسان يدرك عامل الزمن وأهمية التأهيل منذ نعومة أظافره، الطفل لا يقف مستقيما ويمشى فجأة، لكنه يحتاج لشهور من الحبو لتقوية ساقيه والتعود على الوقوف باستقامة ليخطو دون مساعدة، يتعثر ثم يقوم، يكرر المحاولة حتى يثق في نفسه وقدراته ويبدأ المشى، ثم يهرول ثم يجرى إلى أقصى سرعة يستطيعها. هناك اختلافات بين طفل وآخر في الزمن الذي يحتاجه لإجادة المشى، هناك طفل لا يحبو لكنه يقف ويمشى مرة واحدة، وهناك أطفال يطول معهم فترة التأهيل، وربما يعجزون عن المشى لمرض أو خلل عضوى يستدعى من الوالدين العرض على إخصائى. هذه الاختلافات نجدها بين الأشخاص المتنافسين على السلطة، فهناك من يولد بموهبة القيادة، وهناك من يتأهل بالتدريب الطويل وهناك من يعجز رغم التدريب لافتقاره لمقوم أساسى من مقومات القيادة مثل الشجاعة أو الحكمة.
(3)
عدم التأهيل والتدريب الذي يسبق الصعود للقمة، قد يؤدى لكوارث، فيلم The Neon Demon «الأضواء الشيطانية»، يقدم لنا جايسى فتاة شابة رائعة الجمال (16سنة) تقتحم عالم «التوب موديلز»، ومن أول مقابلة تحوذ على عرض لا تحصل عليه نظيراتها إلا بعد سنوات من التنقل بين عروض متواضعة حتى يصلن إلى عروض بيوت الأزياء العالمية الكبرى، وهو ما حصلت عليه جايسى لجمالها المبهر من أول مقابلة، جايسى تدرك أنها لا تمتلك أي ميزة غير جمالها وقررت أن يكون وسيلتها للثراء دون عناء، فكانت نهايتها سريعة ومأسوية، قُتلت بمعرفة 3 نساء أكلت الغيرة قلوبهن من جمالها الذي أدى لصعودها الصاروخى للقمة التي زحفن طويلا للوصول إليها، كما ساهم سلوك جايسى في ذلك، فالصغيرة لم تكن تملك خبرة التعامل مع هذا المجال الجديد الذي لا يرحم، ولا معرفة بكيفية تفادى سم الأفاعى الذين يعملون فيه، كانت تفتقر للمكر الفطرى الذي كان من الممكن أن يسمح لها باستغلال يتمها لتكون محل عطف وشفقة لا حسد، لكن غرورها قتلها.. والأضواء التهمتها بلا رحمة.
(4)
أزمة الحكم في مصر وفى دولة كثيرة تشبهنا، أساسها أنه ليس لدينا مسار يمكن من خلاله أن يحقق شخص حلمه في الوصول لسدة الحكم لو أثبت كفاءة ومنحه الناخبون أصواتهم، تاريخ مصر الحديثة بدأ مع محمد على الذي أسس لحكم ملكى وراثى، وبعد الثورة لم يكن هناك مجال لاختيار الشعب لرئيسه فبعد ثورة 23 يوليو ونجاح حركة الضباط الأحرار، حكم مجلس قيادة الثورة لفترة حتى تم اختيار اللواء محمد نجيب ليكون رئيسا، حدث خلاف بين نجيب ومجلس قيادة الثورة، فتم عزله وتحديد إقامته، وأدار المجلس البلد لفترة حتى تم ترشيح ناصر للرئاسة في استفتاء شعبى عام 1956، اختار ناصر السادات ليكون نائبا له قبل وفاته بعام تقريبا، وتولى الحكم بعد وفاته، واختار السادات مبارك نائبا، بعد اغتياله تولى صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب حينذاك رئاسة الجمهورية لأيام معدودة حتى تم الاستفتاء الشعبى على مبارك، الذي لم يعين نائبا له طوال فترة حكمه الطويلة.. ثلاثة عقود بدون نائب لرئيس الجمهورية جعلت فكرة عدم وجود بديل لمبارك حاضره دوما، وهو ما جعله يقول عن قناعة: أنا أو الفوضى.
(5)
بعد ثورة يناير وتنحى مبارك، تولى المجلس العسكرى الحكم، حتى سلم السلطة للرئيس المنتخب محمد مرسى الذي كان أول رئيس مدنى للبلاد منذ ثورة 52، لكنه لم يكن مؤهلا للحكم ولم يدرب على ذلك، وكان يوصف بأنه احتياطى خيرت الشاطر.
بعد 30 يونيو وعزل مرسى، تم تنصيب رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصوررئيسا مؤقتا خلال المرحلة الانتقالية، في أثناء حكم المستشار منصور كان يشاع أن الرئيس الفعلى هو وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى، أي أن هذه الفترة كانت تدريب عملى على رئاسة البلاد، وتأهيل السيسى للتعامل مع الشارع والمعارضة ومواجهة الصعوبات الداخلية والمؤامرات الخارجية. بعد مرور عامين ونصف على حكم السيسى نجده كثيرا ما يتحدث عن ضخامة المسؤولية، كما نلاحظ ارتباكا في السياسة الخارجية ورغبة في اسكات المعارضة لأنها تشوش أفكار الناس وتبعدهم عن الإحساس بعظمة الإنجازات التي تمت في عهده وكأن مصر كانت فراغا من قبل، أو أنها لم تدخل في حروب وتعرضت لمؤامرات دول عظمى كما تعرضت لموجات إرهاب عنيفة وخرجت سالمة بعون لله وفضل شعبها الصبور الذي لم ينعم في أي عهد بالدعة والرفاهية، بل كان يطلب منه دائما الصبر وربط الأحزمة على البطون.
(6)
كان انتخاب السيسى في 2014 أشبه بالاستفتاء الشعبى الذي تعودنا عليه مع رؤوساء الجمهورية السابقين على ثورة يناير، رغم وجود حمدين صباحى منافسا، فلقد فاز بأغلبية ساحقة لا يوجد مثيل لها في الدول الديمقراطية، تنتهى ولاية السيسى الأولى في يونيو 2018، ولم يظهر حتى الآن منافس للسيسى، الكثيرون يخافون من مواجهة سؤال البديل، وانا أعذر هؤلاء، فالبديل الجيد لا يصنع في لحظة لكن لابد أن يكون له تاريخ، وهو ما سبق ان كتبت عنه من قبل، لكن في مصر بلد المفاجآت التي لا نعرف عما يدور فيها غير القليل المسموح لنا به، فربما يكون هناك مفاجأة.. لكن عن نفسى فلم أعد أسترح للمفاجآت .
عن المصري اليوم