الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عند مفترق طرق باريس!

رجب أبو سرية
حجم الخط

منذ أن «تنازل» الوزير بالحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، في الصراع على وزارة الدفاع، عند ضم أفيغدور ليبرمان لحكومة تحالف اليمين / اليمين المتطرف الإسرائيلية، وكلما واجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مشاكل قضائية أو شخصية، والرجل يظهر كما لو كان رئيس الحكومة الفعلي، أو على الأقل الشريك المقرر فيها، وبذلك يكون قد حقق جوهر ما كان قد طالب به للموافقة على ضم ليبرمان للحكومة، بعد أشهر من تشكيلها، على إثر آخر انتخابات كنيست إسرائيلية، ونقصد بذلك تعزيز نفوذه في «الكابينيت» الإسرائيلي.
على عكس لغة نتنياهو الضبابية، وليبرمان العنترية، يبدو خطاب بينيت واضحاً وصريحاً، فإذا كان نتنياهو طوال فترة توليه مقاليد الحكومة الإسرائيلية عبر السنوات الماضية قد وضع العراقيل على طريق حل الدولتين الذي كان قد أعلنه الرئيس الجمهوري الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، فإن بينيت الآن يقول علناً وبصريح العبارة: إن حل الدولتين لم يعد قائماً، بل إن من يؤمن به، لا مكان له في الحكومة، وإن موقفه هذا إنما هو موقف الحكومة وليس موقفه الشخصي أو موقف حزبه «البيت اليهودي» فقط.
في لقائه مع موقع «يديعوت أحرونوت» المباشر، أعلن بينيت رفض الحكومة الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية، معتبراً أنها موجودة في «قطاع غزة» وهي دولة «حماستان» وأن حكومته التي تعتبر أكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، ستمنح فلسطيني الضفة الغربية الحكم الذاتي فقط، وأنها ستقوم بضم تدريجي للمستوطنات، يبدأ بـ»معاليه أدوميم»، ثم «أرئيل»، فـ»عوفرا»، فغور الأردن، وأن إسرائيل ستقوم بضم تدريجي للأرض الفلسطينية المحتلة والمصنفة حسب «أوسلو» بمناطق (ج)، وذلك عبر تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات الإسرائيلية.
هكذا بكل وضوح وصراحة، صلافة وصفاقة، يعلن أحد ركني الحكومة الإسرائيلية برنامجها خلال الفترة القادمة، دون لبس أو تردد، وحيث إن كلام الرجل لم يعد كلاماً فقط، بعد أن شرع الكنيست فعلاً بإقرار ما سمي «بقانون المستوطنات» بالقراءة الأولى، في الوقت الذي شرع فيه الكونغرس الأميركي بسن قانون نقل السفارة الأميركية في إسرائيل للقدس، يبدو أن الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي على أبواب معركة «كسر عظم» خلال ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب القادمة.
هذا ما يعلنه المذكور أعلاه بينيت على الأقل، فهو قد صرح بأقواله تلك للصحيفة الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه سيتم إسقاط اسم فلسطين من جدول الأعمال منذ العشرين من الجاري، أي منذ اليوم الأول الذي يتولى فيه ترامب مقاليد البيت الأبيض.
في الحقيقة، إن هذه السياسة كانت متوقعة منذ أن أعلن فوز ترامب بالانتخابات الأميركية، قبل نحو شهرين من الآن، لذا فقد سارعت القيادة الفلسطينية لانتزاع قرار من مجلس الأمن ضد الاستيطان، وعشية انعقاد مؤتمر باريس الذي طال انتظاره.
يتمحور الصراع بين الجانبين إذن على ملف الاستيطان، حيث يمتلك الجانب الفلسطيني، القانون الدولي والموقف الأممي باعتباره غير شرعي، فيما تستند إسرائيل، على عدم التوصل إلى حل سياسي واستمرار الواقع الاحتلالي من جهة، ومن جهة أخرى على الغطاء الأميركي الذي لم يتوقف يوماً عن دعم دولة الاحتلال طوال 50 سنة مضت.
حتى امتناع واشنطن عن التصويت ضد القرار 2334، نظرت إليه «تل أبيب» على أنه موقف إدارة راحلة، سرعان ما ستقوم الإدارة القادمة، بتصحيح وتغيير البوصلة بما يدعم ويعزز من قدرة إسرائيل على تنفيذ ما أعلنه بوضوح نفتالي بينيت من سياسية تنوي «تل أبيب» تنفيذها.
المفصل إذن هو موقف إدارة ترامب القادم، كذلك مدى ما سيظهر من هامش افتراق بين الأوروبيين والأميركيين، فقد فتح التناقض بين موقف إدارتين أميركيتين الباب لمؤتمر باريس لشق طريقه بعد تعثر ربما كان مقصوداً، لسد خانة الفراغ في الرعاية الأميركية للملف الفلسطيني / الإسرائيلي وقطع الطريق على الطموح الروسي بملئه؛ ذلك أن المسافة بين باريس وواشنطن تبدو أقصر منها بين باريس وموسكو!
على كل حال، وبتقديرنا فإن إسرائيل سترد على مجلس الأمن وباريس، بالذهاب بعيداً في تشريع الاستيطان، وإصدار قرارات بضم المستوطنات، كما قال بينيت، حينها يمكن للمجتمع الدولي أن يرفض تلك القرارات، كما فعل أو كما كان رد فعله تجاه قرار ضم القدس والجولان، أي أن المجتمع الدولي، طالما اكتفى بإصدار القرارات وحتى من مجلس الأمن من خارج البند السابع، فإنه لن يغير شيئاً ولن يردع إسرائيل عن مواصلة طريق ضمها للأرض الفلسطينية المحتلة، والضرب عرض الحائط بكل المواقف والقرارات الدولية، وهذا يعني استمرار المعاناة الفلسطينية الناجمة عن وقوع نحو خمسة ملايين إنسان في الضفة الفلسطينية والقدس وقطاع غزة لاحتلال عسكري بغيض منذ 50 سنة بالتمام والكمال، وإن كسر جدار الحالة لن يكون إلا بفعل فلسطيني صريح وواضح، غير متردد وغير متلعثم، مثل وضوح موقف بينيت، بشق طريق المقاومة الشعبية / السلمية المتواصلة، وتحويل الشعار المضاد لسياسة الضم، ومضمونه العام 2017 عام إنهاء الاحتلال إلى برنامج كفاح، واضح البنود، ومحدد الفعاليات، بدءاً من اليوم الأول في العام 2017 وصولاً للذروة يوم الخامس من حزيران القادم!