أمنيات للعام الجديد بنكهة فلسطينية

صادق الشافعي
حجم الخط

هي أمنيات بالصحة والتوفيق والنجاح يتبادلها الناس عادة بمناسبة قدوم عام جديد.

 

الأعوام الأخيرة فرضت إضافة أمنيات الأمن والسلام والاستقرار.
هل يمكن أن تكون هناك أمنيات بنكهة فلسطينية خالصة؟ وهل كانت النكهة الفلسطينية يوماً خالصة دونما امتزاج بالنكهة العربية؟ هل يمكن تذوق النكهة الفلسطينية خالصة من النكهة المصرية وروح الوطنية والمسؤولية القومية العميقة، على غنى المجتمع وروح فكاهته الحرّاقة؟
وهل يمكن تذوق النكهة الفلسطينية دون عبق النكهة الشامية، وبؤرتها سورية، المرتوية بالمجد والتاريخ والحضارة العربية؟
وهل يمكن تذوقها دون المذاق العراقي ورايات المجد والحضارة العربيين ترفرف في ساحات الرشيد.
 وهل يمكن تذوقها خالصة من عطر القهوة اليمانية ورحابة وغنى صحارى السعودية والخليج العربي وبحارها والمواقع المقدسة فيها؟ وبدون المغرب العربي ونضاله ضد الاحتلال ورجال دين كالخطّابي والجزائري والمختار يتصدرون المشهد النضالي بأفق وطني يتناغم مع رايات دين تنويري.
إذن، فلتكن أولى الأمنيات الفلسطينية، هي استعادة دفء الاحتضان العربي في أوصال القضية الوطنية الفلسطينية الى درجة حرارته الطبيعية. وما يفرضه ذلك، علينا أولاً، من إزالة كل مسببات انخفاض الحرارة من على مدافئ العلاقة الأزلية بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي. وللحفاظ على الاحتضان العربي عفيّا، في تلازم مع أصولية العداء للكيان الصهيوني واحتلاله وكل مشاريعه وسياساته.
في الأمنيات بالنكهة الفلسطينية، يتحقق الإجماع الوطني على أمنية إنهاء الاحتلال وتحرير كامل التراب الوطني وإقامة الدولة الوطنية كاملة الاستقلال والسيادة، بعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين...
هذه أمنية هذا العام والأعوام التي سبقته، وتبقى أمنية كل الأعوام القادمة حتى تتحقق.      
 لكن هذه الأمنية تتداخل فيها عوامل كثيرة فاعلة ومؤثرة وتواجه تحققها صعوبات عديدة، دون أن يقلل كل ذلك من استمرار النضال بكل أشكاله لتحقيقها.
أما عن أمنيات هذا العام بالنكهة الفلسطينية، فهي كثيرة وحقيقية ومشروعة كلها، وتختلف من طرف لطرف، وربما من شخص لآخر، فقد يراها البعض في تحقق أمنية/هدف الرئيس الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وقد يراها بعض آخر في إنهاء الانقسام وبعض ثالث بتحرر الأسرى، وغير ذلك.
لكن يمكن التجرؤ بالادعاء أن الأمنيات التالية هي الأكثر شيوعاً والأكثر أولوية بين أغلبية الناس.
 يعطي هذه الأمنيات الأولوية، أن العامل الأهم والأول بامتياز لتحققها هو العامل الذاتي الفلسطيني، الذي يكمن بالذات الوطنية الفلسطينية سواء عبرت عن نفسها بالتنظيمات السياسية أو بالمنظمة والسلطة ومؤسساتهما او بالجماهير وبالمجتمع المدني وتعبيراته المتنوعة، ويؤكد أوليتها أنها تكمل بعضها بعضاً.
وهذا ما يجعل هذه الأمنيات الأقرب إلى متناول أيدينا وفي مدى قدرتنا على تحقيقها.
الأمنية الأولى، استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام المميت. تحقيق هذه الأمنية لم يعد يحتمل التأجيل: سواء لمواجهة الاعتداءات والتهديدات عالية الجدية والخطورة او للتعامل بتوحد وتخطيط جماعي مع الآفاق المشجعة على المستوى الدولي.
تحقيق هذه الأمنية يتطلب مشاركة حقيقية وجهد كل التنظيمات السياسية، وأوسع إطار من المجتمع المدني وتعبيراته المنظمة والشخصية الاعتبارية. فلم يعد مقبولاً التعامل بمنطق القطبية، والقطبان يقتسمان السيطرة على الوطن، ولم يعد مقبولاً ان يستمر تمثيل التنظيمات الأُخرى وتعبيرات المجتمع المدني بشكل هامشي وديكوري، أو ملحق بهذا القطب او ذاك.
تحقيق هذه الأمنية يفرض ضرورة الوصول الى اتفاق برنامجي يحسم في أمور مفصلية ويحدد مفاهيم برنامجية مشتركة حول عناوين استراتيجية مثل:
 - وحدة النظام السياسي العام ووحدة أدواته وتشريعه وقراراته، ووحدة التمثيل السياسي.  
 - تنوع وتكامل أشكال المقاومة الوطنية.
- فهم برنامجي موحد يزيل الالتباس بين طبيعة نضالنا كحركة تحرر وطني لم تنجز برنامجها بعد، وبين السلطة وتعبيراتها وأدواتها كحقيقة قائمة.
 - وبالطبع تأكيد الالتزام ببرنامج الإجماع الوطني. وعناوين أُخرى
الأمنية الثانية، أن تستعيد هيئات ومؤسسات وأجهزة منظمة التحرير والسلطة الوطنية الجامعة شرعيتها ودورها وفاعليتها( مجلس وطني، هيئة تنفيذية، مجلس تشريعي، حكومة وحدة وطنية...... ). هنا تتراجع أهمية الجدولة الزمنية اذا ما توفر الاتفاق الوطني وسارت الجدولة في طريق الالتزام بتحقيق الأمنية الأولى.
الأمنية الثالثة، أن تستعيد الجماهير دورها الطبيعي المقرر، وتستعيد معها تعبيراتها النقابية والجماهيرية والمجتمعية وحيويتها ودورها الفاعل والمستقل. وان يقوم ذلك على قاعدة الالتزام بالانتخابات الديمقراطية الدورية العامة والمحلية والمتخصصة.
الأمنية الرابعة، أن يشهد الانتماء الى الوطن والتشبث بالبقاء فوق أرضه والنضال من أجل تحريره مزيداً من القوة والمنعة والتجذر، خصوصاً بين الأجيال الجديدة.
الأمنية الخامسة، أن تشهد المقاومة ضد الاحتلال مزيداً من التصعيد، ومن التنظيم والتخطيط. وان يشمل ذلك كل أشكال المقاومة: من مقاومة أسرانا لسجانيهم بكل الوسائل المتاحة، الى أشكال المقاومة التي تبتدعها الإرادة الشعبية، إلى المقاومة السياسية والدبلوماسية والتضامنية بكل ما تتيحه منظمات وهيئات المجتمع الدولي، رسمية كانت او شعبية، الى المقاومة بسلاح المقاطعة المحلية والدولية ضد المحتل في كل المجالات المتاحة وعلى كافة المستويات.
هي أمنيات تبدو في مجال القدرة على التحقيق اذا ما توفرت لها الإرادة السياسية ومعها إخلاص النية. أما اذا فشلت أو تعثرت ففتش عن سوء النية وربما عن ارتباطات وأهداف بعينها، ومعها يستمر الانقسام ويتعمق، وتتواصل هواية التلاوم والتراشق الممجوجة.
وكل عام وانتم على وطن.