فتحوا النار عشرات المرات على فلسطينيين: جندي واحد مدان!

20170701091212
حجم الخط

منذ بدء "موجة الارهاب" في تشرين الاول 2015، فتح الجيش الاسرائيلي التحقيق في أكثر من 20 حالة إطلاق نار على الفلسطينيين. وفي اطار هذه التحقيقات أُخذت شهادات من الجنود، جمعت افلام وتوثيقات اخرى، وفي بضع حالات ايضا توجه الجيش الى منظمات حقوق الانسان، بما فيها "بتسيلم" كي يسلط الضوء على الحدث. لم يصل أي من هذه الملفات الى لائحة اتهام صحيح حتى اليوم، باستثناء اليئور أزاريا. ولم يعتقل في أي من التحقيقات أي جندي مشبوه، ولم تلتقط له الصور مصفداً بالقيود الى المحكمة.
فما الذي جعل ملف تحقيق اليئور أزاريا مهماً بهذا القدر؟ أولا وقبل كل شيء توثيق الحدث. فالشريط من كاميرا عماد ابو شمسية، المتطوع في "بتسيلم"، والذي يوثق ثانية بثانية سلوك القوات العسكرية، المستوطنين، وبالطبع اطلاق النار من أزاريا، هو على ما يبدو الدليل الافضل الذي يمكن أن يكون تحت تصرف المحققين أو القضاة. توثيق فيديو، غير محرر، حتى مع الصوت. وهو على نحو اذا ما استمع اليه جيدا يمكن أن تسمع فيه صرخة احد المستوطنين في المكان، "قد تكون عليه عبوة" – تلك الصرخة التي بزعم ازاريا أقامت لديه الاشتباه بـ"المخرب" عبد الفتاح الشريف.
لدى أودي بن اليعازر، العقيد احتياط في النيابة العسكرية العامة والذي شغل منصب المحامي العسكري الرئيس وبعد ذلك المدعي العام الرئيس حتى العام 2015، جواب آخر. "كل هذا السيرك، الذي قاده شارون غال ألحق به الضرر فقط وسيواصل الحاق الضرر به – وفي هذا الجانب أحزن عليه وعلى العائلة. اذا ما ارسل الى السجن لفترة حبس طويلة، فان الابوين البيولوجيين وحدهما سيزورانه في السجن وليس الآباء الافتراضيين لـ"ابننا جميعنا"، يقول. "الحقائق لا تعني أحد. فقد قررت المحكمة بانه أطلق النار بدافع الانتقام. ألا تفهموا بان عليه أن يعاقب على أنه اطلق النار على "مخرب" بدافع الانتقام؟ لقد اعتبر الكثير ممن شاهدوا الشريط بأن هذا كان اعداما. هذا اشتباه قائم ويبرر التحقيق والاعتقال".
قادة أزاريا بلغوا منذ تلك الحادثة الشاذة مندوبي النيابة العسكرية العامة، الذين اتصلوا بالشرطة العسكرية من أجل التحقيق. ويقول قرار الحكم ان التحقيق في قضية ازاريا فتح قبل نشر الشريط الذي يوثق الحدث. عمليا، في الساعة 13:30 تلقى محقق قديم من الشرطة العسكرية من قيادة المنطقة الجنوبية، الرائد ران كينان – تقريرا عن الحدث من قائده، بعد أن أُطلع هذا على فتح التحقيق. وبعد ذلك أُرسل اليه الشريط أيضا. والتوثيق ذاته بالفيديو ارسلته الى وسائل الاعلام الناطقة بلسان "بتسيلم" في الساعة 13:50. وقرر القضاة في قرارهم ان هذا "دليل موضوعي ومستقل يسمح للمحكمة بالعودة الى ساحة الحدث وفحص تسلسل الامور مثلما وثقت "في الزمن الحقيقي"" .
وبسبب الفتح السريع للتحقيق، أخذ محققو الشرطة إفادات من أزاريا، من جنود آخرين، وحتى من قائد السرية، الرائد توم نعمان، في يوم الحدث أو في غداته. وهكذا توفر دليل آخر تلقى وزنا ثقيلا في إدانة أزاريا – قوله بعد اطلاق النار "طعنوا رفيقي، ارادوا قتله، وهو أيضا (المخرب) يستحق الموت".
في قسم لا بأس به من تحقيقات الشرطة العسكرية، كان السلوك مغايرا: القادة يطلبون من الشرطة العسكرية الانتظار في جمع الشهادات حتى انتهاء التحقيق العملياتي. ويؤدي الامر غير مرة الى إطالة التحقيقات، وتطلب النيابة العامة من محققي الشرطة العسكرية العودة لاستيضاح المزيد من المعطيات. توصية لجنة تشخنوفر، التي عنيت لهذه المواضيع بحصر مدة التحقيقات التي تعنى بامور انتهاك القانون الدولي بتسعة اشهر، لم تطبق بعد في الجيش الاسرائيلي، فالموضوع لا يزال قيد الدراسة.
في حالة أزاريا، تداخلت أوقات جمع الشهادات واجراء التحقيق الواحد بالآخر. فمحامو أزاريا يدعون أكثر من ذلك: أن التحقيق الشرطي سبق التحقيق العسكري، ولما كان أزاريا لم يشارك فيه فلم تسمع حجته بشأن الخوف من العبوة. أما القضاة فاعتقدوا خلاف ذلك، لأن أزاريا نقل الى مقر عصيون للمشاركة في التحقيق العسكري. ويقول بن اليعازر: "دوما يوجد صراع بين القادة الذين يريدون استكمال التحقيق العسكري وبين الشرطة العسكرية التي تريد الدخول بسرعة أكبر. هذا توتر موجود منذ سنين. اما هنا فكان تحقيق عسكري، ونقل القادة نتائجه الى الشرطة العسكرية، لفهمهم أن هذا لم يكن سليما. هناك حالات غير قليلة يتم فيها التحقيق مع الجنود فورا، ولكني اتفق مع أن حقيقة أنه اعتقل هي أمر لا يتكرر كثيرا. ولكننا هنا في وضعية يعتبرها غير قليل من الناس عملية اعدام – وبالتالي كيف لا يمكن الاعتقال؟
أحيانا، رغم اشرطة الفيديو التي توثيق الحالة، فان ملفات التحقيق تطول لدرجة أن المشاركين يكونون قد خرجوا من نطاق قانون القضاء العسكري. هكذا حصل في حالة موت سمير عواد في قرية بدرس في كانون الثاني 2013. فشريط الفيديو الذي وثق الحالة – والذي مصدره كاميرات المراقبة العسكرية – وثق فقط جزءا مما حدث. وتحقيق الشرطة العسكرية ارسل لمزيد من استكمال التحقيق ومرة تلو الاخرى، الى أن تسرح الجنديان المشاركان في اطلاق النار. بعد ثلاث سنوات من بدء التحقيق اتهما، في محكمة مدنية، بانهما عملا "بتهور واهمال". قضاة المحكمة العليا، في أعقاب التماس رفعه ابو سمير مع "بتسيلم"، أمروا النيابة العسكرية العامة والنيابة العامة للدولة باتخاذ القرار في ملف التحقيق.
حسب لائحة الاتهام ضد الاثنين، اثناء كمين وصل عواد الى منطقة الجدار عبر ثغرة قائمة. طارده الجنود، اطلقوا النار في الهواء، وبعد ذلك اطلقوا النار نحو عواد بخلاف تعليمات فتح النار. ولم ينجح تحقيق الشرطة العسكرية عمليا في القول مَن بين الجنديين مسؤول عن النار التي قتلت عواد.
في حالة اخرى هي قتل مصطفى التميمي في العام 2011، في قرية النبي صالح، كان التوثيق للحدث: باب الجيب يفتح، ومن خلفه فلسطينيان يحملان حجارة في أيديهما. قنبلة غاز تطلق الى الخارج، وتصيب التميمي. بداية ادعى الجنود بانهم تعرضوا للحجارة في الوقت الذي كان فيه الجيب ذاته مفتوحا، ولهذا فقد فتحوا النار. غير أن توثيق الفيديو أظهر صورة مختلفة. فالتعليمات العسكرية تمنع اطلاق قنابل الغاز بالتصويب المباشر، ولكن فقط بعد أن اظهر توثيق الحدث، غير الجندي المطلق، أبيرام، روايته، واعترف بانه اطلقها هكذا – ولكنه اشار الى أنه لم يرَ احدا في المنطقة. ورغم التوثيق، في العام 2013 اغلق الملف. واستأنفت منظمة "بتسيلم" على ذلك، ولكن استئنافها رد. وكانت الحجة هي أنه نشأ "شك معقول" حول مسألة اذا كان الجندي مطلق القنبلة قد رأى التميمي. وفي رد الناطق العسكري على تقرير في "هآرتس" عني بهذا الملف في تموز، جاء انه "حسب مادة الادلة تم اطلاق النار وفقا للقواعد والتعليمات وملف التحقيق اغلق دون اتخاذ اجراءات تجاه الجندي".
شريط آخر صورته منظمة "بتسيلم" أدى الى فتح تحقيق لدى الشرطة العسكرية في 2008. في حينه، وثق الجندي، ليوناردو كوريا، مطلق الرصاصة المطاطية على أشرف أبو رحمة، معتقل فلسطيني كان مكبلا ومعصوب العينين. وقد تم اطلاق الرصاصة عندما كان قائد كتيبة المدرعات، المقدم عُمري بوربرغ، يمسك بذراع ابو رحمة. وفقط بعد نشر الشريط، فتح التحقيق، في حينه ايضا، مثلما في حالة أزاريا، اعتقل الجندي مطلق النار.
قائد الكتيبة بوربرغ هو الآخر خضع للتحقيق في الشرطة العسكرية، والاثنان قدما روايتين متضاربتين: كوريا ادعى بان قائده أمره باطلاق النار على ابو رحمة ثلاث مرات. بينما قائد الكتيبة شرح بانه قال للجندي فقط ان يخيف الفلسطيني. ورفعت ضد الاثنين لائحة اتهام على تصرف غير مناسب. ولكن التماسا من "العليا" أدى الى أن تغير النيابة العامة التهمة. بداية، اعتقد النائب العسكري الرئيس في حينه، افيحاي مندلبليت، ان لا مكان لتغيير لائحة الاتهام ولكن في أعقاب قرار "العليا"، تغيرت البنود. في العام 2009 اتهم المقدم بوربرغ بمخالفات التهديد والسلوك غير المناسب، وكوريا باستخدام غير قانوني للسلاح، وبالسلوك غير المناسب وادينا في 2010.
بن اليعيزر يشدد على أنه يوجد اختلاف بين حدث وحدث. وبالفعل، فان الحالات غير متشابهة، وفي كل ملف توجد قاعدة ادلة مختلفة، مادة اتهام مختلفة وشبهات مختلفة. شيء واحد يبرز أزاريا: التأييد الجماهيري. "في قضية نعلين كان ايضا شريط "بتسيلم" والكثير من الضجيج الاعلامي، ولكن لم يتجند الجمهور لصالح أي منهما (الجندي او قائد الكتيبة)"، قال. "اشك أن يكون أحد يتذكر اليوم اسم قائد الكتيبة. أما أزاريا فسيذكر دوما كمن أطلق النار على مخرب".