صراع الأذرع الأمنية يحبط تشكيل قيادة موحدة لـ"حرب السايبر" في الجيش الإسرائيلي

20150615233941
حجم الخط

بعد نقاشات استمرت بضعة اشهر، تقرر، هذا الاسبوع، في الجيش الاسرائيلي عدم إقامة ذراع أو قيادة للسايبر. وبشكل أدق تم تأجيل القرار النهائي حتى العام 2020. وبهذا يكون رئيس الاركان، غادي آيزنكوت، بعد عامين على وجوده في منصبه قرر عدم اتخاذ قرار. وفي الوقت الحالي سيستمر في متابعة هذا الموضوع طاقم خاص في قسم التخطيط برئاسة الجنرال عميكام نوركين. مصدر عسكري رفيع قال إنه حتى نهاية منصبه سيضطر آيزنكوت الى اتخاذ قرار.
على مدى عقد تحدثوا في الجيش الاسرائيلي وفي جيوش اخرى في العالم عن "البُعد الرابع" في الحرب الحديثة. وحتى القرن العشرين كانت للجيوش ذراعان، في اليابسة وفي البحر. والقرن الماضي جلب معه الذراع الثالثة – سلاح الجو. ومنذ أواخر الخمسينيات دخل الفضاء ايضا. المجال التكنولوجي المعلوماتي هو ساحة الحرب الاخرى لـ"البعد الرابع".
في العقد الماضي، اثناء وجود عاموس يادلين رئيسا لقسم الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي ومئير دغان رئيسا لـ"الموساد"، صعدت اسرائيل درجة في تحسين قدراتها في المجال التكنولوجي المعلوماتي. والى جانبهم عمل ايضا العقيد نداف تسفرير قائدا لوحدة 8200 التي كانت وما زالت العمود الفقري في جهود جمع المعلومات والتجسس التكنولوجي الذي تقوم به اسرائيل تجاه أعدائها، ومن بينهم سورية وايران و"حزب الله" و"حماس".
وقد تم ذلك عن طريق التنصت والتشويش على البث وتحليل الشيفرات. وحسب مصادر أجنبية، اختراق الحواسيب ايضا. وفي "الموساد" وفي جهاز الامن العام توجد وحدات تعنى بذلك، لكن قدرتها أقل من قدرة الوحدة 8200. وفي الاستخبارات ومحيطها تم انشاء وحدات من اجل حرب السايبر.
هناك ثلاثة استخدامات اساسية لحرب السايبر. الاول استخدام دفاعي والآخران هجوميان. الدفاعي يختص في مجال أمن المعلومات – منع العدو من اختراق الحواسيب في اسرائيل بشكل عام، وحواسيب المؤسسات الحكومية بشكل خاص، سواء أكانت عسكرية، أمنية، أو مدنية. دفاع السايبر موجه لحماية الحواسيب والاتصالات بين الاجهزة الاستخبارية في الجيش والمواقع الاستراتيجية والحساسة: محطات الطاقة، المفاعلات النووية، المطارات، المستشفيات، خزانات المياه، حقول النفط والغاز، المؤسسات المالية وما أشبه. إن اختراق هذه الحواسيب قد يؤدي الى كوارث كبيرة وموت اشخاص كثيرين.
الترتيب الجديد
سعت اسرائيل بشكل دائم الى أن تكون في مقدمة العلوم التكنولوجية في العالم. ومنذ بداية الخمسينيات كان يوجد لديها حاسوب أقيم في معهد وايزمان. وبشكل سريع دخلت الحواسيب ايضا الى الجيش والاستخبارات، وقامت بوضع خطة نووية حسب المصادر الاجنبية، تشمل السلاح النووي. وايضا في مجال حماية المعلومات كانت اسرائيل في المقدمة حيث بدأت تعمل على ذلك منذ التسعينيات.
الى ما قبل سنوات قليلة كانت المسؤولية عن الدفاع عن شبكات الاتصال والحواسيب ملقاة على "الشاباك". وفي العام 2002 أقيمت "السلطة الحكومية لحماية المعلومات"، التي عملت في اطار "الشاباك". وبعد أكثر من عقد، في كانون الثاني 2012، بدأت تعمل في مكتب رئيس الحكومة "هيئة السايبر القومية"، التي يترأسها د. افيتار متانيا. ومهمة هذه الهيئة الخاضعة لرئيس الحكومة هي تطوير مجال التكنولوجيا المعلوماتية والتنسيق بين الجهات المختلفة وتوسيع الدفاع عن الشبكات القومية في وجه هجمات السايبر وتشجيع تقدم الموضوع في الصناعة. وبالتوازي، أقيمت قبل 8 اشهر "السلطة الوطنية لدفاع السايبر" التي تعمل في مكتب رئيس الحكومة ايضا، ويقوم بادارتها باروخ كرميلي وهو خريج الوحدة 8200، الذي كان مسؤولا عن السايبر في وزارة الدفاع وأدار في السابق شركة للسايبر.
لقد رافقت اقامة السلطة صعوبات كثيرة وصدامات مع "الشاباك" والجيش. ولأن الاسماء قد تُحدث البلبلة فقد تقرر أن المسؤولية الشاملة ستكون للدكتور متانيا الذي سيكون "رئيس جهاز السايبر القومي".
حسب الترتيب الجديد ستكون السلطة والهيئة مسؤولتين فقط عن المجال المدني، بما في ذلك الشبكات الحساسة مثل شركة الكهرباء والبنوك أو حواسيب الخدمات الحكومية وغيرها. وستكون مهمتها توجيه وتقديم التوجيهات المهنية للجهات المدنية حول كيفية الدفاع عن الاجهزة فيها ومنحها التقديرات والمعلومات ومساعدتها في وقت الحاجة. وستستمر وزارة الدفاع في كونها مسؤولة عن نفسها، ولن تكون خاضعة للسلطة الجديدة، مع الرغبة في أن يكون هناك تعاون.
"أقيمت السلطة كجسم مدني، وهي لا تقوم بجمع المعلومات عن الأعداء"، قال لي مصدر رفيع المستوى يعنى بالأمر. أي أن مهمتها هي العمل في القطاع المدني في مجال حرب السايبر الدفاعية.
في مجال الهجوم يرتبط السايبر عادة بالتجسس – من خلاله يتم الدخول بشكل سري الى حواسيب الأعداء وجمع المعلومات. هذا هو عمل تجسسي أصبح اليوم أمرا روتينيا يتم بوساطة وسائل تكنولوجية. فبدل تجنيد عميل في اوساط العدو وتشغيله من اجل الحصول على المعلومات، يمكن فعل ذلك من خلال اختراق الحواسيب، حيث يتم ادخال "حصان طروادة" الى الحواسيب وجمع المعلومات عن بعد. ويمكن تسمية هذه العملية تجسس ضد البرامج.
الاستخدام الثاني الاكثر دقة واكثر خطرا والذي لا يعرف الجمهور عنه هو الدخول الى الحواسيب وزرع فيروس فيها لاعطاء أوامر تلحق الضرر بها وبالأدوات التي تشغلها هذه الحواسيب. ويمكن أن يتم ذلك لشل اجهزة العدو مثل الرادارات كي لا تكشف عن نشاط الطائرات، كما هو منسوب لاسرائيل التي عملت ضد اجهزة الدفاع السورية قبل تدمير المفاعل النووي في دير الزور في أيلول 2007. ويمكن أن يكون الهدف هو التسبب بالضرر أو تدمير اجهزة العدو. وهذا العمل يُنسب الى المؤامرة الاسرائيلية - الاميركية في النصف الثاني من العقد الماضي ضد موقع تخصيب اليورانيوم في ايران في نتناز.
وحسب المصادر الاجنبية، تعاونت وحدة 8200 التي كان يترأسها في حينه نداف تسفرير، مع الوكالة القومية للأمن التابعة للولايات المتحدة برئاسة الجنرال كيت الكسندر، على تطوير عدد من الفيروسات التي ألحقت الضرر بثلث اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. في العملية شاركت وكالة الاستخبارات الاميركية و"الموساد" بشكل ناجع، وسميت هذه العملية في الاستخبارات الاميركية بـ"الالعاب الاولمبية"، وكانت جزءًا من خطة أوسع في اطار اتفاق التعاون بين وحدة 8200 ووكالة الامن القومي، الذي كشف عنه ادوارد سنودان.
كانت للولايات المتحدة خطة سايبر أوسع تسمى "نيتروز اوس"، أقيمت من اجل الحرب بين الدولتين وهدفها شل كل الشبكات العسكرية والمدنية الايرانية. في العام 2016 تم الكشف عن الخطة وعن اسمها من خلال فيلم وثائقي للمخرج الاميركي اليكس غفني.
حتى الآن يوجد جدل في الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية حول نجاح العملية أو فشلها في كبح المشروع النووي الايراني، أو أن ذلك حسن من قدرتها في حرب السايبر، سواء في مجال الدفاع أو الهجوم.
يمكن القول الآن ايضا إن قدرة ايران العسكرية والنووية (رغم الاتفاق الذي تم توقيعه بينها وبين القوى العظمى لتقليص المشروع النووي)، اضافة الى "حزب الله"، هي ضمن الاولويات الاستخبارية في اسرائيل.

النموذج الإسرائيلي
على هذه الخلفية يمكن رؤية قرار رئيس الاركان عدم اقامة هيئة للسايبر كتصوير للوضع أو الحفاظ عليه. مسؤولية الدفاع عن الحواسيب وشركات الاتصال في الجيش ستبقى في أيدي قسم المتابعة، أما السايبر الهجومي فسيبقى في أيدي وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية.
لقد سبق هذا القرار نقاشات شديدة خرج في اطارها ممثلو الجيش للالتقاء مع رؤساء اجهزة السايبر في دول صديقة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها. وفي اللقاءات تم القيام بألعاب الحرب. في الولايات المتحدة توجد هيئة للسايبر، أما في بريطانيا فالاستخبارات هي المسؤولة عن السايبر، وهي توازي الوحدة 8200. وعندما سألت في هذا الاسبوع ضابطا رفيع المستوى عن النموذج الذي رآه الجيش عند اتخاذ القرار أجاب "النموذج الاسرائيلي". وحسب اقواله "هذا شيء لا نريد الاضرار به لأنه يوجد لنا تفوق في مجال السايبر الهجومي الذي يخدمنا ويعود بالفائدة على دولة اسرائيل".
إن قرار عدم اقامة هيئة للسايبر تنظيمي في جوهره، لكنه مهم لأن الانطباع الذي كان سائدا في السنة والنصف الماضيين ومنذ بدء النقاش في هذا الموضوع في الجيش، هو أن رئيس الاركان آيزنكوت يؤيد اقامتها. يحتمل أنه اقتنع بضرورة عدم توحيد اجهزة السايبر، الهجومية والدفاعية، تحت سقف واحد من اجل عدم الحاق الضرر بالقدرة الممتازة للسايبر الهجومي الذي قامت بتطويره الاستخبارات العسكرية. ولكن من الواضح أن معارضة رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسي ليفي، وقائد الوحدة 8200 اللذين وجدا صعوبة في التنازل عما يوجد لديهما، كان لها وزن في القرار.
هذا ايضا تقدير د. هرئيل منشاري، رئيس مجال السايبر في معهد التكنولوجيا في حولون. "إن قرار عدم اقامة هيئة السايبر هو خطأ ينبع من مشكلات "الأنا" وصراع الأيدي بين الاستخبارات العسكرية وقسم المتابعة".
عمل منشاري، قبل أن يصبح اكاديميا، في هذا الموضوع لسنوات طويلة اثناء عمله في "الشاباك". وقد أجرى مؤخرا بحثا حول حرب السايبر بين روسيا والولايات المتحدة التي كانت ذروتها، الشهر الماضي. الـ "اف.بي.آي" والـ"سي.آي.ايه" توصلتا الى استنتاج بأن روسيا قد استخدمت حرب السايبر الهجومية اثناء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، التي وجهت ضد المرشحة هيلاري كلينتون من الحزب الديمقراطي. والمستفيد الرئيس من ذلك هو دونالد ترامب، حيث هناك استغراب في وسائل الاعلام العالمية والاجهزة الاستخبارية الدولية حول سر العلاقة بينه وبين بوتين. على هذه الخلفية اتخذ الرئيس باراك اوباما قرارا طرد 35 دبلوماسيا روسيا واغلاق مؤسستين في واشنطن استخدمتهما السفارة الروسية من اجل تجسس السايبر.
استعرض د. منشاري في بحثه بنية وحدات السايبر في روسيا واستخدامها في الحرب في جورجيا في العام 2008 وعند الدخول الى اوكرانيا في العام 2014، وبين الفينة والاخرى ضد دول البلطيق.
ويؤكد البحث على أن الولايات المتحدة لم تضع يدها في الصحن. في تموز 2016 نشرت الاستخبارات الروسية أن حواسيب 20 منظمة روسية، بما في ذلك الحواسيب الحكومية والامنية، تم اقتحامها من قبل حكومة اجنبية، والتلميح هو الى الاستخبارات الأميركية.
في خلاصة البحث يقول منشاري: "من تجارب الماضي فان عملية السايبر تخلق المقلدين. سواء أكان هدف روسيا هو المساعدة على انتخاب ترامب أو الحاق الضرر بمصداقية كلينتون أو اذا كان الهجوم موجها مباشرة من قبل بوتين أم لا – يجب علينا الاخذ في الحسبان أن هذه الجهات أو تلك ستحاول التأثير عبر السايبر على الانتخابات الديمقراطية وعلى الرأي العام في دول اخرى، ومن ضمنها اسرائيل".
ويوصي منشاري بوضع "خطة شاملة من اجل الدفاع عن المعلومات والتصويت في الانتخابات القادمة"، والبحث عن طرق تُمكن الديمقراطية في اسرائيل من مواجهة محاولة ضعضعتها عن طريق الاعمال التي تهدف الى التأثير في الرأي العام أو الحرب النفسية.