قصيدة تِيكُوبْ
********
تِيكُوبْ ؛
يكتبُ أسماءَ النُّوبةِ بالذَّهَبِ الخالِصِ،
وينامُ ببابِ الخَلْقِ،
ويُطْلِقُ ليلتَهُ في البحرِ ..
ويعرفُ أنَّ الأهرامَ نهايةُ مَن حلموا ،
ليظَلّوا في الضوءِ،
ويهزأُ مِن رِفْعةِ تمثالِ الفرعونِ،
فقد كانَ من الناسِ !
ولولا الكتّانُ وأوراقُ البُردى والتاجُ الّلامِعُ
لمضى مثلَ الباقينَ..
وكانَ شبيهاً برجالٍ جاءوا من كلِّ الأصقاعِ ،
عبيداً ، لتكونَ الأضرحةُ وإصَبعهُ الحجريةُ،
أو ما يُعْرَفُ بِمَسَلّتِه العلياءِ الشاهدةِ على
أنَّ الواحدَ ، لا ثاني في الكونِ لهُ ،
فهو الخالقُ والحاكِمُ والمخفيُّ وراءَ الأمْرِ ..
وتيكوب يعشقُ سيّدةً من طَميِ الفَيْضِ،
ويشربُ مِن شفتيها الّلبنَ،
وَيدْعكُ فانوسَ العتمةِ حين تجيءُ ،
فيزْدَهِرُ اللّوتُسُ فوقَ الأحجارِ ،
ويهدلُ مثلَ حَمامِ البُرجِ على التَّلّيْنِ ،
ويمضي ، والليلُ نديمٌ حَرّاقٌ ، للصَّحْوِ وللسُّكْرِ..
وتيكوب يكتبُ سيرتَهُ الرمليّةَ في الريحِ ،
ويضحكُ مِمَّنْ نقشَ الأسماءَ على الألواحِ
ومَن رَسَمَ التيجانَ على الحيطانِ ..
يقول : سيأخذُها النسيانُ أو الزلزالُ أو الأزمانُ ،
ويضحكُ للنيلِ وللصيّادِ ولابنتِهِ النهريّةِ،
ويحبّ الشايَ مع النعناعِ الصيفيِّ ،
وينفثُ مثلَ التنّينِ عَجاجَ الطرقاتِ ،
ويمشي ، ثم يقولُ : توقف!
ماذا يا تيكوب؟
نَسِيَ!!
ويمشي ثانيةً بالصمتِ ، ليكسِرَهُ بالقهقهةِ،
كأنَّ رعودَ الصيفِ تُفَرقِعُ في فَمِهِ،
وسنعرفُ أنَّ النكتةَ قد وصلته أخيراً !
قد تدمعُ عيناهُ من الضحكِ أو القهْرِ ..
وتيكوب يتأجّجُ إذْ يبتهجُ،
قليلاً ما ابتهجَ !
فقد ألْقَتْهُ الدُّنيا في النارِ قُبيلَ الحَشْرِ ..
وتيكوب يؤمنُ أنَّ أباهُ هو الكاهنُ ،
ولهذا يرجو الوالدةَ لأنْ تترفّقَ بالوالدِ،
فلقد أَعْيَتْهُ الأيامُ،
وسافرَ بين النيرانِ كثيراً ،
وأنكسرَ مِراراً قُدّامَ الحاجِبِ والشُرَطيِّ،
إلى أنْ ماتَ الصَّبْرُ من الصبرِ ..
وتيكوب وَلدٌ مصريٌ جاءَ من الموجِ
على الموجِ،
وينتفضُ إذا اسوَدَّ الخبزُ
أو انكسرت سُخريةُ
المذبوحِ من الفخذين الى النَّحْر ..
وتيكوب أوّاهٌ، ويصلّي
يومَ العيدِ وأيامَ الجمعةِ،
ويصومُ الشَهرَ ،
ويبكي إنْ مَرّ على دربِ الفقراءِ الآوينَ
إلى النومِ على الجسرِ
وتحتَ الجسرِ
وفوقَ الجسرِ ..
وتيكوب يسكنُ في أعشاشِ النَّحلِ ،
يصاحبُ كلَّ فَراشاتِ البَرِّ المفرودِ
بغاباتِ المانجو والسُّكَّرِ،
ويرى مثلَ الفلّاِح الدهريِّ بأنَّ الحقلَ هو
الجنّةُ والبَعْثُ وريشُ الطَّيرِ ..
وتيكوب بَحَّارُ اليابسةِ التائهِ ،
يحملُ طَبْلَتَهُ المَفْخوتَةَ ويدورُ نهاراً
يوقظُ مَن ناموا أو غفلوا ..
لا يؤمنُ أنَّ محمدَ أو عيسى أو موسى
قد وصلوا الأرضَ !
فأصنامُ الساحةِ ما زالت في الساحةِ !!
أو مَن ركبوا السَّفّودَ فما زالوا
في السَّفّودِ ، من الدَّهْرِ إلى الدَّهْرِ..
وتيكوب لا يقرأُ إذْ أتعَبَهُ الإبْهامُ ،
ويكرهُ إنْ غابَ الإيقاعُ عن النَّثْرِ ..
ولا يعرفُ غيرَ قصائدَ شوقي والمُتنبّي
وقليلٍ مِمَّا عَلِقَ مِن المنْهاجِ ،
ويذْكرُ أنَّ قصيدةَ عِشْقٍ قد بعثَتْها الجارةُ
فاحتارَ !! ولم يعرف ما يفعلُ ..
فالتزمَ الصمتَ ، وراحَ يدورُ على الشعراءِ ،
ليبحثَ ما كتبوا في العشقِ ،
فلم يَجِد الوردةَ والشُرْفةَ !
وَجَدَ الدمعَ وكُثبانَ الصحراءِ وليلى ،
أمّا المجنونُ فقد تاهَ على السَطْرِ ..
حاولَ أنْ يتتَبَّعَ خَطواتِ المجنونِ،
فلم تُعجبهُ الفكرةَ ،
حاولَ أنْ يكتبَ شِعراً ، فرأى
أن ابنَ الفارضِ والحلّاجَ ورابعةَ العدويةَ
والخوّاصَ هم الشعراءُ الأمثالُ،
فراحَ يُدَبِّجُ ما يصلحُ للعشقِ ،
ومنذُ سنينَ وتِيكُوبْ يكتبُ في النُّورِ
قصائدَهُ العصماءَ ،
ومنها، صارَ السالكَ في دربِ الكَشْفِ،
وأضحى بين مُريديهِ العارفَ
وإمامَ الأسرارِ الفوّاحةِ بالذِّكْرِ ..
وتيكوب ذو ألفِ بُروزٍ ؛ في الشامِ
وتِمْبِكْتو والمغربِ ،
أو في المَرْكِبِ إذْ يتهجَّدُ بالماءِ،
وبالغيمِ ينامُ مع البَدْرِ ..
وعندَ خُشوعِ الحَضْرَةِ في الغَبشِ ،
مع الخَمْرِ ..
وتيكوب من ضوءٍ مصريٍّ ،
رَمَقَتْهُ الساحرةُ فَصارَ مع الماء،
وراحَ يَخِبُّ إلى أنْ وَصلَ القاهرةَ ،
وما زال هناكَ على النّهرِ..
وتيكوب آخرُ صُوفيٍّ في الأرضِ ؛
لا يأكلُ شهراً
وينامُ مع النخلةِ
ويسيرُ على الجَمْرِ ..