ينشغل الفلسطينيون بأزماتهم، أحدهم يتفاعل مع أزمة الكهرباء، وآخر يتجاوزها ليناقش الصراع الحزبي والمنافسة السياسية، بينما يطل فادي المقدسي من "مكبر" المدينة المقدسة ليوزع الفرحة في بيوت الفلسطينيين، يركب شاحنته ويعبد طريق الأقصى، يجدد انتفاضة شعبه ويصحح مساره.
شوارع غزة التي شغلتها أزمة الكهرباء، انقلبت ملامحها فور أن داست شاحنة الانتفاضة أجساد جنود الاحتلال، ارتفعت المعنويات، وتحمست الطاقات، وضجت الميادين بالاحتفال بالمقاومة وأبطالها. هي ذات الحالة التي أصابت ساحات التواصل الاجتماعي، فبعد أن تصدرت تعقيدات أزمة الكهرباء نقاشات مرتاديها، وجدنا ذات الجمهور يتداول فيديو العملية الفدائية وصور الفدائي قنبر في مشهد احتفالي بأبطال الانتفاضة في مطلع عام جديد.
مدلولات ما جرى في الشارع وساحات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة، يؤكد أن الجماهير الفلسطينية ملتزمة بخيار المقاومة، وقادرة على التمييز بين الهامش والثابت، وبالتالي فإن المعادلة هي المواجهة مع المحتل مع الحفاظ على تعزيز صمود الناس.
كذلك فان الجماهير الفلسطينية تدرك أن برنامج المقاومة هو الكفيل والقادر على تحقيق الوحدة الوطنية، وما يعزز هذا التوجه كون الشعب الفلسطيني محتل، فقد الكثير من عوامل التوافق في ظل النزاع على سلطة الحكم الذاتي.
هذا المشهد بجديته يتجاوز استهتار مسئول وجد في اجتماع فصائلي فرصة للعب "الشدة"!! يتقدم فادي الفدائي فيَنْظِم الأوراق مجدداً، ويصنع طريقاً ارتضاه شعبه والتف حوله موجها رسالة إلى المجتمعين في جلسة التحضير للمجلس الوطني في بيروت.
ينعقد الاجتماع التحضيري لجلسة الوطني، بعد أن حرك وقود شاحنة الانتفاضة الأجواء، فلم يعد من المقبول أن يستمر تقدم الجماهير على قيادتها في الموقف والمسئولية، وما رسمته عجلات شاحنة القدس يحدد ملامح واقع شعب محتل في سياق نضاله لتحرير قراره وأرضه.
فصائل المقاومة التي أعلنت مشاركتها في اجتماع بيروت مطالبة بأن تقدم جديد على صعيد برنامج منظمة التحرير وهيئاتها. تذهب إلى مداولات النقاش السياسي، وهي تحظي بنجاح قريب للمقاومة، وبرافعة شعبية هائلة داعمة لخيارها وبرنامجها. فلا يمكن أن يقبل الفلسطيني تراجعاً لقوى المقاومة على حساب المصلحة السياسية والمناورة الحزبية.
إن مشاركة حماس والجهاد الإسلامي في هذا اللقاء، يرفع من أهمية الاجتماع ويضفي مزيداً من التوافق على المشهد السياسي- وإن كنا في بداية طريق- نأمل أن نصل إلى محطة هامة فيه تتمثل في دخول قوى المقاومة الجسم الشرعي الممثل للفلسطينيين، بشكل يعبر عن الواقع الفلسطيني، ويتجاوز الإخفاقات الماضية، ويضع حلولاً للواقع السياسي المأزوم.
من المهم أن يناقش الاجتماع القادم التفاصيل الفنية المتمثلة في مكان انعقاد المجلس الوطني، واليات انعقاده، وطبيعة المشاركة وحجمها. لكن الأهم أن تتجاوز هذه المؤسسة الوطنية الأثمان السياسية المجانية التي حصل عليها الاحتلال في ظل استحقاقات عملية التسوية، والتي خرجت بصفر كبير بعد ما يقارب العقدين من الزمن.
حضور فصائل المقاومة لاجتماع التحضيرية للمجلس الوطني تتعلق عليه الآمال؛ كونه يأتي في إطار إنقاذ الوضع الفلسطيني من الانحدار الرسمي وليس العكس، فلسنا بحاجة إلى توافق على حساب المقاومة وبندقيتها، بل نحن بحاجة لبرنامج سياسي مقاوم يرفض إسرائيل ويراها احتلال ويعمل على زوالها.
لذلك فإن الذهاب نحو انعقاد دورة عادية للمجلس الوطني بحضور قوى المقاومة يشكل فرصة أخيرة للرئيس في الذهاب بشكل حقيقي نحو تحقيق التوافق الوطني الشامل، بما يعبر عن كافة التوجهات الفلسطينية في الداخل والخارج. بالإضافة إلى كسر الطوق فيما يتعلق بسياسة التفرد في القرار الفلسطيني الوطني، وفتح المجال أمام القوى المعبرة عن الشارع ونبضه، في اتخاذ القرارات الداعمة للإرادة الشعبية تحت عنوان المصلحة الوطنية أولاً وليس الحاجة الحزبية.
إن تمسك المقاومة ببرنامجها ليس تعنت من قبلها؛ بل لأنها القادرة على التغيير، وصاحبة الانتصار في ملفات الصراع، بالإضافة إلى كونها ثقافة شعبها الذي يحتضنها ويرى فيها السبيل وينتهجها فردياً وجمعياً.