أجمع محللون سياسيون، ان اليسار الفلسطيني مدعو إلى استنهاض نفسه في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، من خلال توحده خلف صوت الناس لقيادتهم إلى مصالحهم الوطنية والاجتماعية.
وقد رأوا ان الفرصة مهيأة أمام قوى اليسار لاقتناصها لإعادة توحيد ذاتها لكي تتقدم في المشهد الفلسطيني، وتلعب دوراً فاعلاً مع صوت الجماهير التي ملت الانقسام والمنقسمون، وتنتظر من يأخذ بيدها إلى الخلاص من هذا الانقسام مرة والى الأبد.
وأكدوا المحللون في أحاديث منفصلة ، ان ذلك يبدأ من خلال نقاش جدي بين القوى اليسارية ينتهي بوحدة كاملة لهذه القوى خاصة وأنه لا يوجد ما يمنع من الناحية الأيدلوجية والسياسية والاجتماعية هذه الوحدة، إلا ان ذلك يبقى مرهون باستعداد قيادات الأحزاب اليسارية لهذه المهمة التي يدركونها جيداً.
ويقول الكاتب السياسي طلال عوكل، ان هذه المهمة لا ترتبط في التصدي فقط للانقسام الفلسطيني، وإنما بوجود اليسار ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية في إطار الصراع مع إسرائيل، ودوره فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، وبصراحة حتى الآن فصائل اليسار لا يوجد أمامها أفق كبير بأن تحظي بتأييد وقدرة على التأثير الشعبي إذا ما بقت على ما هي عليه الآن".
ويتابع عوكل وقد بدى أكثر صراحة ، "كل الأطراف الفلسطينية متهمة بهذا الانقسام الفلسطيني، فبعضها منخرط مباشرة فيه كحركتي (فتح وحماس) وهما طرفيه، والبعض الآخر إما متواطئ، وإما عاجز كقوى اليسار التي تقف عاجزة أمام تغير هذا المشهد".
ويوضح حول إمكانية توحد اليسار، بالقول "وحدة اليسار لا ينطبق عليه قانون1+1=2، بمعني ان الآثار المعنوية والأخلاقية والسياسية والرسالة التي تريد نقلها إلى المواطن إذا ما توحدت رسالة مختلفة، ولكن إذا ما توحدت قوى اليسار يكون قد بدأ شق الطريق سريعا نحو ان تكون مؤثرة على طرفي الانقسام (فتح وحماس)، ربما سوف تأخذ وقت ولكنها ستكون قد شقت الطريق.
ويوجد في الساحة الفلسطينية ثمانية قوى يسارية، وتعتبر الجبهة الشعبية كبرى تلك القوى ويليها الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي (حزب الشعب)، بجانب جبهة التحرير الفلسطينية والمبادرة الوطنية، وجبهة التحرير العربية، والحزب الديمقراطي (فدا)، وجبهة النضال الشعبي.
ويرى عوكل، ان عجز تلك الأحزاب في ان تكون أكثر فاعلية في الساحة الفلسطينية، له علاقة في أسباب تاريخية وفي كل التحولات بالمنطقة منذ ثلاث عقود مضت، والتحولات التي جرت في الساحة الفلسطينية منذ اتفاق اسلوا 1994م.
بالإضافة إلى ما سبق لم يتمكن اليسار الفلسطيني من مواكبة هذه التحولات، وتجديد نفسه وقياداته وأدواته، وفشله في محاولات التكيف مع الظروف الجديدة جعلته غير قادر على النمو (..)، وربما يدور في نفس المكان، خاصة عندما يصبح الوضع الفلسطيني من الوضع السيئ من الحالة التي نحن عليها، بأن هناك تيارا وطنياً وتياراً إسلاميا، فالتساؤل يكون كبيراً أين هو اليسار..؟!
ويؤكد عوكل ان اليسار أمامه فرصة متاحة الآن بان يسترد نفسه إذا ما عمل على استنهاض ذاته وحمل صوت الفقراء في ظل حالة الانقسام الفلسطيني، مضيفا "هنا سيكون الوضع هام لأنه لن يكون فقط تجميع كمي، ولكن تجمع ذات أبعاد مهمة على الصعيد المجتمعي والسياسي والوطني، وإذا ما توحد اليسار في هذه المرحلة سيبدأ بشق الطريق لتقديم البديل في الساحة الفلسطينية.
وساد في الأيام الماضية، نقاش ساخن بين حركة حماس وقوي اليسار عبر الإعلام الفلسطيني، إذ طالبت الأخيرة من كتلة حماس البرلمانية بالتراجع عن "ضريبة التكافل" التي فرضتها على سكان قطاع غزة بوصفها تثقل كاهل المواطنين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، الأمر الذي طرح تساؤل حول قدرة اليسار بشكل عام في التأثير في المشهد الفلسطيني بشكل أعمق.
المحلل والكاتب السياسي هاني حبيب، يقول ان قوى اليسار والشعب الفلسطيني في قده وقديده ضد ضريبة التكافل، واليسار باعتباره المعبر عن جماهير الفلسطينية قال رأيه سواء منفردا من خلال قواه أو موجة التأييد العارمة التي ظهرت ضد منهج التحريض من قبل حماس على النائب والقيادي في الشعبية جميل المجدلاوي، والذي وحد اليسار على موقف مؤكداً "اعتقد انه يمكن البناء على هذا الموقف".
ويضيف "اولاً هنا اليسار لا بد ان يفكر بشكل جدي في توحده واتخاذ مواقف محددة، وثانياً قيادة اليسار للجمهور الفلسطيني في مواجهة هذه الطريدة ويقصد (الانقسام).
ويرى حبيب، ان اليسار فشل في مرات عديدة في ان يقتنص فرصة توحيده سواء في الانتخابات الفلسطينية السابقة 2006- 2007م، أو سواء في الانتخابات النقابية، وهو ما زال متشرذما، وعاجز على ان يوجد القواسم المشتركة وان يتوحد حولها بشكل تنظيمي، مستدركا "اعتقد ان الفرصة مازالت قائمة لكي يتوحد، وهذه الفرصة الموجودة الآن لكي يثبت قدرته على ان يتجاوز خلافاته وعصبيته التنظيمية، من اجل وحدة يسار حقيقي قادر وفاعل على قيادة الجمهور الفلسطيني.
ويتابع: الجمهور الفلسطيني مازال محاط بجملة من الاحباطات سواء على صعيد الانقسام أو لقمة العيش، وبالتالي الأفراد والجماعات منشغلة في توفير الحياة الأفضل لهم في ظل مصاعب عديدة، ولكن في المقابل إذا ما كان هناك قدرة لليسار وافترضت أنها غير موجودة الآن لديه على استغلال هذه الفرصة اعتقد يمكن ذلك، وقد إصابتنا خيبات أمل كبيرة من اليسار على الرغم من الفرص المتكررة له بتقدم في المشهد الفلسطيني، لكنه عاجز عن استيعابها واقتناصها من اجل توحيد نفسه من اجل قيادة الفقراء والذهاب في الناس نحو مصالحهم الاجتماعية والوطنية.
ويعرف عن القوى اليسارية تاريخيا أنها تقف بجانب الطبقات المسحوقة في المجتمع بجانب دورها النضالي الفلسطيني، وانتمائها للكادحين وأبناء الفقراء والمهمشين تجسيداً لطموحاتهم وآمالهم في التحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة، وهو ما تراجع هذا الدور بشكل كبير في العقود الأخيرة.
بدوره يشدد المراقب الفلسطيني حسن عبده، ان أهمية اليسار القومي الفلسطيني في الحركة الوطنية الفلسطينية والذي ساهم مساهمة نضالية كبيرة في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ومازال يساهم في مجمل الحركة الوطنية سياسياً وعسكرياً ولا يمكن التقليل من شأنه داخل الحركة الوطنية.
ويقول عبده ، "ان ما جرى مؤخراً من دعوات قوى اليسار لإنهاء الانقسام بقوة، هو جزء من حالة الحراك السياسي الرافض للانقسام والرافض لبقاء الحالة الفلسطينية رهينة لهذا الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة".
ويضيف اليسار بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتراجع المنظومة الاشتراكية تراجع اليسار في مجمل دول العالم ومن ضمنها فلسطين، لكن اليسار القومي الفلسطيني بقى متمسكاً بوطنيته وقوميته وهو جزء من المشهد الفلسطيني رغم تراجعه الكبير ، ويناضل بجانب قوى الشعب الفلسطيني بكل تلاوينه السياسية.
ويشرح مفصلا: ان يكون اليسار اليوم رافعة للمشروع الوطني الفلسطيني هوذا يتطلب جهداً كبيراً، والجميع يتحدث ان اليسار يعاني من أزمات داخلية، وانه بذل جهود كبيرة لتشكيل تيارا ثالث في الساحة الفلسطينية لكنه لم يستطع حتى اللحظة ، وهو عمل من اجل إنضاج هذه الفكرة إلا انه فشل وهناك وبدون شك أزمة داخل اليسار الفلسطيني وهذا لا يعني ان الآخرين غير مأزومين.
ويوضح: اليسار يعاني من أزمة تاريخية وبنيوية نتجت عن تراجع اليسار في العالم، وأيضا تراجع اليسار في مركز التفاعلات السياسية الفلسطينية.
وعلى أي حال وبدون شك فإن الشارع الفلسطيني مهيأ بان يستقبل اليسار بقوة في اطار مشروع نهضوي فلسطيني عام، لكن السؤال يبقي هل اليسار يملك الآن مشروعاً نهضويا فلسطينيا؟، وهل أدواته وتصوراته قادرة على إخراج الحالة الفلسطينية من اللازمة الراهنة الحالية وعلى رأسها انهاء الانقسام؟.