مع اقتراب انعقاد مؤتمر باريس في منتصف هذا الشهر تزداد الأحاديث والتكهنات وربما التسريبات حول فحوى ما سيصدر عنه من مواقف وقرارات، ويبدو أن هذا المؤتمر سيحتل مكانة مهمة في الحلبة السياسية الدولية وفي تغطية وسائل الإعلام بسبب مشاركة عدد كبير جداً من الدول فيه، حيث وجهت فرنسا الدعوة إلى سبعين دولة لحضور المؤتمر.
وسيكون حضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري طاغياً بسبب خطابه الأخير وما يعتزم قوله في المؤتمر مع أنه حتى اللحظة لم يعلن رسمياً عن حضوره، ولكن كل التوقعات تشير إلى ذلك.
بغض النظر عن الصيغة الدقيقة لمخرجات مؤتمر باريس فالواضح أنها ستأخذ بعين الاعتبار بيان الرباعية الدولية الأخير بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، وقرار مجلس الأمن رقم 2334، والمبادرة العربية للسلام التي سيؤكد المؤتمر كونها مرجعية مهمة للعملية السياسية.
ووفقاً لما يقوله الفرنسيون سيتمخض عن المؤتمر اعتماد ثلاث فرق عمل تم تحديدها منذ الاجتماع الذي عقد في باريس في حزيران من العام الماضي وهي مجموعة العمل المتعلقة بمحفزات عملية السلام ويشرف عليها الاتحاد الأوروبي ومجموعة المجتمع المدني التي تشرف عليها السويد والمجموعة الأخيرة الخاصة بالحوكمة وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتترأسها ألمانيا.
وليس واضحاً ماذا سيكون مصير الاعتراف بدولة فلسطين في حال اتخاذ إسرائيل موقفاً سلبياً من جهود التسوية السياسية ورفضها التعاون مع المجتمع الدولي.
ويبدو هذا سيكون مؤجلاً إلى مرحلة لاحقة خصوصاً وأن فرنسا على أبواب انتخابات عامة جديدة.
أهمية مؤتمر باريس أنه يكرس مرجعيات وخطوط التسوية القادمة بتأكيد حدود العام 1967 وعدم شرعية الاستيطان والإصرار على حل الدولتين كخيار وحيد قائم ينبغي الإسراع في إنجازه قبل فوات الأوان.
كما أن توقيته مهم كذلك بسبب انعقاده قبل أيام من دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتوليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، وكأنه بذلك يريد أن يحدد للرئيس الجديد مواقف دولية واضحة وقاطعة بشأن العملية السياسية سيكون من الصعب عليه تجاهلها بالرغم من كل تصريحاته ووعوده.
قد تكون مخرجات المؤتمر إذا ما تمحورت حول ما سبق خطوة ذات دلالة استراتيجية في السعي نحو السلام في الشرق الأوسط خصوصاً وأنها ستضع الحكومة الإسرائيلية في موقف حرج دولياً وستكون بداية لمراجعة دولية وربما قرارات مهمة بشأن استمرار إسرائيل في البناء الاستيطاني وتغيير الواقع على الأرض لقطع الطريق أمام حل الدولتين.
ولكنها يجب أن تتضمن كذلك موضوع سيطرة السلطة الفلسطينية على مناطق (ج)، وهذا يمكن نقاشه في المؤتمر واللجان أو الفرق المتخصصة المنبثقة عنه.
لأن أي حديث عن بناء الاقتصاد الفلسطيني وبناء مؤسسات الدولة لا معنى له إن لم يشمل هذه المناطق التي بها طاقة كامنة لتطوير وخلق آفاق الاستقلال، وأيضاً في إطار المغزى السياسي بتأكيد كونها فلسطينية.
ويفترض أن يتم توجيه المجتمع الدولي إلى أهمية إنشاء مشاريع اقتصادية وتعمير هذه المناطق الحيوية لتكريس دولة فلسطين كأمر واقع.
كما يجب تكبيل إسرائيل وحشرها في مسألة التحريض التي تدعي أنها تتم فقط لدى الفلسطينيين، مع العلم أن التحريض في إسرائيل بلغ مستويات خطيرة للغاية ويشجع التطرف جداً ويهدد بتصعيد خطير للوضع، وهنا من المفيد إدخال أوروبا على لجنة معالجة التحريض وإلزام إسرائيل بالمشاركة في اجتماعاتها، وهذا كفيل بفضح حكومة بنيامين نتنياهو التي باتت تحرض ضد كل صوت يتمتع بشيء من العقلانية في إسرائيل وليس لدينا فقط.
فوسائل الإعلام التي تتحدث عن فضائح رئيس الحكومة متهمة باليسارية وأنها تلاحقه، وأعضاء المحكمة التي حكمت بإدانة الجندي اليئور أزاريا بتهمة قتل المواطن عبد الفتاح الشريف في الخليل، على الرغم من أن التهمة مخففة بقتل غير متعمد، يتعرضون لتهديدات بالقتل، وحتى رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال لم يسلم من التحريض ضده.
ويمكن البناء على مؤتمر باريس بانعقاد القمة العربية القادمة في الثامن والعشرين من شهر آذار القادم إذا ما أعادت الاعتبار للمبادرة العربية للسلام وتكامل دورها مع دور المجتمع الدولي المتعاظم في ملف التسوية بما في ذلك اتخاذ قرارات جادة لدفع العملية السياسية تشمل ممارسة الضغط على إدارة الرئيس القادم ترامب وتمنعه من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتشمل محاربة عملية تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل في ظل تنكر الأخيرة لكل مرجعيات ومقومات العملية السياسية، واتخاذ إجراءات محددة ضد كل من يدعم الاحتلال الإسرائيلي من دول وشركات ومؤسسات.
والتخوف الحقيقي من نكوص بعض الدول العربية عن القيام بأية خطوة باتجاه دعم القضية الفلسطينية خوفاً من تضرر علاقاتها مع إدارة ترامب الذي يهدد الجميع بعقوبات إذا خالفوا سياسته في حين هو يتعهد بتقديم كل الدعم لإسرائيل بما في ذلك نقل السفارة الأميركية للقدس والذي يعرض مصالح الولايات المتحدة والاستقرار في المنطقة لخطر كبير.
فالدول العربية مطالبة بما هو أكثر من مؤتمر باريس وليس اقل منه بأية حال.
ولا يعقل أن تكون مخرجات القمة العربية القادمة في عمان أدنى مستوى من قرارات ومواقف المؤتمر في فرنسا.