قامت أمس الثلاثاء أعداد كبيرة من قوات الشرطة الإسرائيلية بتدمير أحد عشر بيتا في بلدة قلنسوة في داخل الداخل بذريعة البناء غير المرخص. وهي سابقة خطيرة، لم يسبق لحكومات إسرائيل المتعاقبة منذ قيامها في العام 1948، أن قامت بهكذا عمل عنصري إرهابي. ولا يبدو ان هذه الخطوة مقطوعة الجذور عما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي من تحول مجنون نحو التطرف العنصري والفاشية، وتبديد المظاهر الشكلية ل"لديمقراطية" الإسرائيلية بشكل نهائي، وإصرار على المضي قدما في خيار التطهير العرقي ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، والربط بين عمليات الهدم في المدن والبلدات الفلسطينية ونقل بؤرة "عمونة" الإستعمارية إلى موقع آخر من اراضي دولة فلسطين المحتلة عام67 وعمليات الهدم في داخل الداخل كردة فعل، وكأن البيوت الفلسطينية واصحابها ابناء الوطن الفلسطيني، المتجذرون تاريخيا في ارض الأباء والاجداد وقبل وجود اي مستعمر إسرائيلي قدم للبلاد، باتوا في منطق حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف بمثابة "المستوطنين"، فقلبوا الآية رأسا على عقب، اضف إلى ان عملية الهدم الجبانة في قلنسوة تأتي إمتدادا سافرا ووحشيا لما تنفذه سلطات الدولة الإستعمارية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في النقب.
من خلال القراءة الواقعية لسياق تسارع الجرائم والإنتهاكات الإسرائيلية ضد الجماهير الفلسطينية العربية داخل ال48 في الجليل والمثلث والنقب والساحل، يلحظ المراقب، ان هناك تصعيدا ممنهجا لم يأت عفويا. وهذا ينطبق على الخطوة الجديدة في قلنسوة، التي تعتبر مقدمة لخطوات أكثر وحشية وإستباحة لمصالح وحقوق المواطنين الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية ما لم يحدث حراك وطني شامل في داخل الداخل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والشتات على حد سواء، وايضا في داخل الدول العربية وحيثما تواجدت الجاليات الفلسطينية وبدعم من انصار السلام في العالم.
لعل مبادرة لجنة المتابعة العربية العليا برئاسة المناضل محمد بركة بعقد إجتماع طارىء في قلنسوة والدعوة الفورية لإضراب شامل اليوم الأربعاء بما في ذلك جهاز التعليم، لدليل على إستشعار القيادات السياسية والوطنية عموما لثقل ووحشية الجريمة الإسرائيلية الجديدة. وايضا للاستعداد للقيام بخطوات وفعاليات أعمق واوسع ردا على التحدي الإسرائيلي. ولعل ما يعطي زخم لخطوة لجنة المتابعة ونواب القائمة المشتركة ورؤساء المجالس المحلية، ان الجريمة العنصرية الوحشية الجديدة تأتِ في الوقت، الذي تستعد فيه القوى الفلسطينية المختلفة بإحياء اليوم العالمي لدعم ابناء الشعب الفلسطيني في داخل إسرائيل، الذي يصادف الثلاثون من يناير / كانون ثاني ذكراه الأولى، وحيث بدأت الإستعدادات لوضع برنامج وطني كبير وواسع لفضح وتعرية جرائم حكومة نتنياهو العنصرية، الذي يحاول الإنتقام من ابناء الشعب الفلسطيني عشية رحيله عن المشهد السياسي بعد سلسلة فضائحه، لعله يستجدي من خلال تلك الجرائم ود اقرانه من القيادات المعادية للتعايش والسلام، وأيضا لكسب رضا الشارع الإسرائيلي المنحرف والغارق في وحول العنصرية والفاشية.
ما جرى في قلنسوة جريمة غير مسبوقة، وهو إنذار خطير للجماهير العربية الفلسطينية وقياداتها السياسية وايضا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لاسيما وان جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي، أدلى بتصريح في أعقاب جريمة الهدم، بدا وكأنه حقق إنتصاراً في الحرب على أعدائه؟؟ وهو ما يكشف النية عن مواصلة تلك الحرب في جبهات جديدة وضد بيوت المواطنين الفلسطينيين، المحرومين من تطوير الخرائط الهيكلية للمدن والبلدات الفلسطينية، وحيث توجد النية عند حكومة زعيم الليكود المرتشي والفاسد في مواصلة ذات الجرائم، معتقدا ان الوقت والمناخ السياسي ملائما الآن، كون الشعوب العربية في المنطقة غارقة في متاهة قضاياها الداخلية. لكن على ما يبدو ان رئيس الحكومة وزبانيته من اليمين المتطرف نسيوا او تناسوا ان الشعب العربي الفلسطيني وعلى مدار التاريخ المعاصر، كان دائما يصنع المعجزات، وينهض في اشد اللحظات حلكة، ولا يخشى معاندة الظروف المحيطة، وكان يرغم أعدائه على الرضوخ لإرادته. وبالتالي على نتنياهو ان يفكر الف مرة قبل مواصلة جرائمه، ويعيد النظر في السياسات العنصرية، التي ينتهجها.