أبراج عالية في مخيم شعفاط للاجئين. معظمها بنيت بلا ترخيص. حاجز عند المدخل. وحدة حرس حدود توجد قريباً من المخيم.
في حديث مع أحد وجهاء المخيم، قال: «كل واحد يفعل ما يريد. بناء غير قانوني. مخدرات، سلاح كثير، وليس هناك من يفرض القانون حقاً».
في الزمن الأخير فقط بدأت شركة «جيحون» في تمديد خطوط مجارٍ ومياه جديدة في المكان. «مرات كثيرة لا تكون لدينا مياه للاغتسال، والمجاري تنفجر، بل يوجد طوفان.
حقا نحن لسنا جزءاً من المدينة»، يقول: «نحن نستجدي أن يأتوا لمساعدتنا لمنع جريمة السلاح، البناء غير القانوني، والمخدرات. لا أحد يهتم. يأس؟ نعم. يوجد أيضا، ولكننا نأمل خيراً».
متى؟
«الله وحده يعلم، ولكن يوجد مواطنون يهود يهتمون ويحاولون مساعدتنا بكل الأشكال، مثل جودة البيئة. حكومة إسرائيل لا تتعامل معنا كجزء من القدس. أبناء غير شرعيين. نحن لسنا هنا ولسنا هناك. نحاول البقاء».
في القرية المجاورة للتلة الفرنسية، العيساوية، ترابط وحدة من حرس الحدود على التلة، تطل على القرية لمنع أعمال الشغب التي يقوم بها الشباب.
سكان الاحياء المجاورة لا يدخلون القرية بحرية. جيب آخر داخل المدينة.
هنا ايضا يحاول وجهاء القرية الحفاظ على الحياة الطبيعية.
مدارس، مراكز جماهيرية، ولكن الاحساس الاساس هو الاحساس بأنهم غير شرعيين. نحاول الحفاظ على الهدوء، ولكن يوجد هنا الكثير جدا من الغضب»، يقول احد الشبان. «حتى عندما يكون هنا هدوء، تنزل وحدة حرس الحدود في جولة فتبدأ الفوضى مرة اخرى».
صعدت أحياء شرق القدس، قبل أيام، الى العناوين الرئيسة في أعقاب عملية الدهس في أرنون هنتسيف، حيث قتل أربعة، ثلاث مجندات وجندي، نفذها فادي القنبر من سكان جبل المكبر.
نحو 310 آلاف عربي يعيشون في شرقي القدس، كلهم اصحاب مكانة اقامة دائمة، دون امتلاك حق التصويت في الكنيست، ولكن مع حق التصويت للبلدية، الحق الذي لا يقوم به الكثيرون.
وهم يعيشون في 22 قرية/حيا، تنتشر حول البلدة القديمة، من شمال القدس وحتى جنوبها.
واقعهم مركب وخاص مقارنة بواقع سكان الضفة الغربية والوسط العربي في إسرائيل.
هذا مجتمع منقسم وسلبي من ناحية سياسية، تنقصه قيادة موحدة وهو بلا هيئات ومؤسسات اجتماعية – ثقافية تمثيلية. معظمهم يعيشون في فقر وانعدام أمل.
محيطهم يتميز ببنى تحتية متردية، والخدمات التي تقدم لهم بعيدة عن تلبية احتياجاتهم، ومكانتهم المدنية – القانونية ليست آمنة، وهم يشعرون بالظلم والإقصاء.
على خلفية الانتقال السريع للمجتمع من النموذج البطرياركي التقليدي إلى مجتمع حديث في مركزه الفرد واحتياجاته، وضعف الأجهزة الاجتماعية التقليدية، طرأ في السنوات الأخيرة في المجتمع الشرق مقدسي ارتفاع في عدد حالات الطلاق، العنف بين الزوجين وتجاه الأطفال، إهمال الأطفال، وكذا العنف تجاه الشيوخ.
البروفيسور اسحق رايتر، رئيس مشروع ترسيم خريطة أحياء شرق القدس في معهد القدس للبحوث السياسية، يحصي 22 حيا، معظمها كما أسلفنا قرى، ضمت إلى إسرائيل في العام 1967: في الشمال - بيت حنينا، شعفاط، مخيم اللاجئين شعفاط، كفر عقب وراس شحادة، راس خميس والعيساوية.
وفي الجنوب – الولجة، صور باهر، ام ليسون وام طوبا، جبل المكبر، راس العمود، سلوان، الشياح، بيت صفافا وشرفات.
احياء اخرى كانت جزءا من القدس الاردنية وضمت الى القدس – البلدة القديمة، باب الساهرة، واد الجوز والطور التي تتضمن حيا فرعيا هو الصوانة.
البيضة والدجاجة
معظم السكان في أحياء شرقي القدس مسلمون. 46 في المئة منهم شبان صغار حتى سن 18، و36 في المئة عاطلون عن العمل و51 في المئة يعيشون دون خط الفقر. كأصحاب جوازات سفر أردنية ليست لهم حقوق حقيقية.
وعلى حد قول البروفيسور رايتر، فان العملية في أرنون هنتسيف نفذت على خلفية عدة عوامل: الوضع الكارثي في الاحياء والاحساس بعدم وجود ما يمكن خسارته، الاحساس بان حكومة اسرائيل تعطي اسنادا للجهات الايديولوجية والدينية للسيطرة على المسجد الاقصى؛ والاحساس بالطريق المسدود في المستوى السياسي مع انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحده ونيته نقل السفارة الى القدس.
«في العام 1967 أرادوا توسيع مساحة المدينة للسماح بتطوير المناطق»، يروي البروفيسور رايتر. «بيت حنينا وشعفاط دخلتا لمد الاصبع شمالا فقط بسبب مطار عطروت، على اعتبار أنه سيكون مطار دولي في القدس. وهذا كما هو معروف لم ينجح.
حي الطور، مثلا، ادخلوه من اجل السيطرة على السفوح الشرقية لغور الاردن. العيساوية مثلا كانت حسب اتفاقات رودوس في دولة اسرائيل، باستثناء أن اسرائيل لم تبسط السيادة عليها، وكان الاردن هو الذي قدم الخدمات.
اما اليوم فهي تعاني من اهمال شديد، نقص في البنى التحتية، نقص في الوجود الاسرائيلي، والكثير جدا من العنف.
هذه قصة البيضة والدجاجة: في اللحظة التي يكون فيها عنف يخافون الدخول الى هناك».
في 2015 دشن حاييم رامون ومجلس الامن القومي خطة تتضمن خطوة احادية الجانب لقطع معظم الاحياء الفلسطينية عن المدينة ونقلها الى السلطة الفلسطينية بمكانة المناطق ب، أي سيطرة مدنية من السلطة وسيطرة أمنية من الجيش الاسرائيلي. وحسب خط الحدود الجديد للخطة ستبقى البلدة القديمة و «الحوض التاريخي»، الذي يضم اجزاء كثيرة من سلوان، جبل الزيتون، واحياء اخرى في نطاق اسرائيل. ولا تتضمن الخطة اخلاء المستوطنين في الأحياء الفلسطينية.
يقسم البروفيسور رايتر المشاكل إلى قسمين: مشاكل ذاتية، يمكن للحكومة أن تصلحها وتحسنها، ومشاكل موضوعية. أولى المشاكل الذاتية هي البنى التحتية المتهالكة، حيث يقول انه «في بعض الحالات يكون الاسفلت السليم مع الرصيف في الطرف الرئيس فقط مثلما في الطور، بيت حنينا وشعفاط، صور باهر وجبل المكبر. لا توجد اماكن لايقاف السيارات، لا توجد أرصفة ولا توجد يافطات واشارات مرور، ولكن الشرطة تحرر المخالفات، لان القانون يمنع ايقاف السيارات في اماكن معينة. هناك جدال بين السكان والشرطة. ووجهاء الاحياء يجرون مفاوضات مع الشرطة، ولكن في هذه الاثناء يعانون بقدر غير قليل».
المشكلة الثانية تتعلق بالتخطيط والاراضي. يقول رايتر: «لا توجد تسوية للاراضي في شرقي القدس. من الصعب جدا رفع طلبات لترخيص البناء، ولهذا يوجد الكثير من البناء غير القانوني. وحتى عندما تكون هناك مخططات فان نسب البناء تكون متدنية جدا ولا تسمح للسكان هناك بالنمو وتغطية الفارق الجغرافي، مثلما يحصل في جبل المكبر. في نوف تسيو، الحي اليهودي الملاصق هناك وتسكنه بعض عشرات من العائلات، فإن معدلات البناء هي 340 في المئة. في جبل المكبر، الذي يبلغ عدد سكانه 20 الف نسمة، يوجد تقريباً 170 في المئة بناء».
وعلى حد قوله، يوجد ايضا نقص خطير في مباني التعليم المناسبة. قسم كبير من الصفوف هو منازل خاصة تحولت لتصبح مدارس، ويوجد ايضا نقص شامل في حدائق الاطفال. في كل شرقي القدس توجد ثلاث حدائق للالعاب.
المشكلة الثالثة هي في مجال الخدمات: فخلافا لمعظم القدس، حيث توجد حاويات قمامة لكل منزل، في شرقي القدس توزع حاويات ضخمة في اطراف الشوارع والتي تمتلئ بسرعة. في قسم من الاحياء لا تستطيع الشاحنة الكبيرة الدخول الى الشوارع الضيقة. فمثلا في صور باهر لا يتم اخلاء القمامة الا من 30 في المئة من الشوارع. في 70 في المئة من الشوارع يقوم السكان بنقل القمامة الى طرف الشارع، أحيانا بطول كيلو متر. وكانت البلدية وعدت بمنح سكان صور باهر اكياس نايلون كبيرة وادخال تراكتورات لاخلاء القمامة ولكن الوعد لم يتحقق.
ويوجد بالطبع موضوع الاستيطان اليهودي داخل الاحياء العربية، والذي يثير التوتر على مدى السنين، مثلما يحصل في مدينة داود داخل سلوان، موقع شمعون داخل الشيخ جراح، نوف تسيون داخل راس العمود، وجبل المكبر ومعاليه زيتيم في حي الطور. بعض هذه الاراضي اشتراها اليهود في الماضي السحيق في القرن التاسع عشر.
«الثوري هو في قسم منه يهودي وقسم آخر عربي»، يقول رايتر. «من جهة الغرب نظافة واخلاء قمامة، ومن جهة الشرق حاويات كبيرة وقمامة في كل الاماكن. هذا كان دوما على هذا النحو، بما في ذلك في عهد تيدي كوليك. فقد حسن اساسا الاجواء والحوار، نفذ مشاريع رمزية نالت علاقات عامة، ولكن لم تكن لديه المقدرات للاستثمار».
في إطار المشاكل الموضوعية، غير المرتبطة بسياسة حكومة اسرائيل، يشير رايتر الى تمسك الجمهور الفلسطيني بعدم التعاون مع البلدية، التي تمثل من ناحيته الاحتلال الاسرائيلي، وذلك «رغم انهم يدفعون الارنونا للبلدية» كما يقول، «لو كانوا تعاونوا لكان يمكنهم أن يطلبوا اكثر بكثير مما يستحقون حسب القانون. هم يكتفون بالمخاتير الذين في معظمهم لا يناسبون مهامهم، باستثناء اماكن قليلة مثل صور باهر وواد الجوز».
يضاف الى هذا بناء عفوي غير مخطط. في هذه الحالة يغلقون خيارات تخطيط الطرق واقامة مبان عامة. توجد جدالات هائلة داخلية على هذه الخلفية: اين يمكن شق الطريق؟.
«نسيج حياة غريب»
جرى في السنة الماضية نقاش عاصف في لجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست.
وكان الموضوع حيازة السلاح غير القانوني في الوسط العربي. وادعى النواب من القائمة المشتركة بان الشرطة لا تعمل كما ينبغي للقضاء على الظاهرة، وهي تعتبر جهة معادية من ناحية الوسط العربي.
ومن جهة اخرى ادعى وزير الامن الداخلي، جلعاد اردان، بأن الشرطة تكرس المقدرات لانفاذ القانون في الوسط العربي ولكنها تواجه مصاعب عديدة بسبب معارضة السكان العرب.
ايها البروفيسور رايتر ما هو مكان البلدية في التغيير اللازم؟
«تريد البلدية عمل الكثير ولكن ليس لديها المقدرات لذلك. ويدور الحديث عن عشرات المليارات من الشواقل.
ويعمل المعهد عندنا على اقتراح حلول محتملة احدها هو تغيير المديريات الجماهيرية التي تعينها البلدية بزعامة محلية تلقى الصلاحيات، المسؤولية والميزانيات لادارة التنمية. وفي مجال التخطيط والبناء نقترح اشراك الجمهور العربي والقيادة المحلية في العملية. وعدم انتظار المخططات الهيكلية الكبرى التي تستغرق 20 سنة لاقرارها بل العمل على مخططات موضعية بمشاركة الزعامة المحلية. هذا سيقلص جدا السياقات ويقرب جدا الى امكانية فرز الاراضي للاغراض العامة».
ويضيف البروفيسور رايتر ان «دولة اسرائيل لم تقرر بعد حتى النهاية ما الذي تريد عمله في شرقي القدس. من جهة توجد سياسة معلنة وخطاب يتحدث عن مدينة موحدة. هنا لا يوجد الوضع الذي يوجد في برلين مثلا. من جهة اخرى دولة اسرائيل لا تمنح المواطنة لسكان شرقي القدس بل الاقامة فقط، والتي هي حقوق مؤقتة. من يريد ان تكون هذه المدينة موحدة حقا عليه أن يستثمر في تحويلها الى مدينة موحدة من خلال تقليص الفوارق الذي يتم عن طريق اعطاء حقوق متساوية».