اجتماعات بيروت وصلب الموضوع!

بكر-ابو-بكر
حجم الخط
 

في بيروت هل فتح الطريق السريع للفهم المتبادل والشامل بين مختلف الفصائل؟ لأنه في بيروت حيث التحرر من كثير من القيود اجتمع ممثلو التنظيمات الفلسطينية والمستقلين ليقرروا -ما لم يكن جديدا! فيؤكدون على ما نعرفه، ويتفقون على أهمية الوحدة الوطنية وضرورة تفعيل منظمة التحرير، وعلى تشكيل وعقد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.

عبّر معظم المجتمعين عن (تفاؤل) وعن (أمل)، وعن (رغبة) بتحقيق ما يتفقون عليه بل أن عزام الاحمد رأى أن المتفق عليه بين الجميع يتجاوز التسعين بالمائة، وذلك قد يبدو من مؤشرات التقارب ومؤشرات الاتجاه نحو الاتفاق الكامل؟ على فرضية أن الجميع قد أدرك صعوبة الظرف وحجم المخاطر ونوع التحديات المختلفة، في ظل انفضاض عربي، وتدهور إقليمي، واصطفاف متعارض نسي أن يضع فلسطين ضمن أولوياته، وفي ظل حرب راهنة ضد "الارهاب" التي يسعى "نتنياهو" جاهدا ليكون ونظامه الاحتلالي العنصري أحد الفاعلين فيها بالتعاون مع الاقليم؟

قد يتم النظر لما حصل في بيروت وكأنه إنجاز( ) أدرك من خلاله المجتمعون حقيقة المطلوب، وكأنهم ارتقوا لدرجة يستطيعون معها أن يلتقوا بالوسط لنتفاجأ أن الملتقيات أو الجوامع أو القواسم (القواصم) بينهم أكثر من ذلك!

ولنتفاجأ أن السنوات العشر الماضية من الانقلاب والشِقاق والخلاف لم تذهب هدرا، بل ربما كانت لازمة! ليفهم خالد مشعل أنه لا يستطيع القضاء أو الحلول محل حركة فتح أبدا، وربما لتكتشف حركة فتح انها لا تستطيع أن تحتكر المشهد لوحدها؟

ففي المحيط من القوى الصاعدة الكثير مما يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار فبالإضافة ل"حماس" وحركة "فتح"، هناك "الجهاد" التي تتموضع بموقع هام كفريق متميز، وهناك منظمات المجتمع المدني، وهناك المبادرات الشبابية، وهناك مراكز الأبحاث والمثقفين الذين كان لهم جميعا دور في الحراك الوطني.

لم يعد الزمان الفلسطيني ليقبل احتكارا من حركة "فتح" أبدا كما يراه منها الآخرون، كما لم يعد يقبل قداسة من حركة "حماس" ابدا، او احتكارا باتجاه آخر، فالسياسة لا تعترف إلا بالمصالح ونحن من يجب أن نجعل من الأخلاق والقيم والمبادئ من محفزات السياسة بيننا فتصبح سياستنا المتبعة ليست مصلحية حزبية ضيقة، وانما خلقية وقيمية، ووطنية واسعة، ونحن على ذلك قادرون.

ان ما حصل في اجتماعات بيروت على أهميته، لا يرقى ابدا لمرحلة التقدم خطوات واسعة، فيطرق صلب الموضوع، وكأن عشر من السنوات وعديد الاتفاقات لم تعد كافية للولوج لصلب الموضوع... فيصدر بيان "تفاؤلي" هزيل وبلا مضمون، يؤكد على ما لا نختلف عليه من مبادئ قيلت عبر السنين الطوال، ويعلن ما لم نكن نريد أن نسمعه من عموميات، وكأن اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني هي مجلس شقيق يقدم بيانا تأييديا لخطوات الفلسطينيين!

حتى أن كلمة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري كانت أكثر تحديدا وأكثر قوة وأكثر مباشرة، فكان يكفي المجتمعين الالتزام بها وتحديد المواعيد والمتطلبات.

وكان يتوجب بالحد الأدنى -إن تعب المجتمعون من الحوار- تكليف لجنة مصغرة دائمة لا تخرج من بيروت إلا على جثة الخلاف، ولا تخرج دون اكتمال وضع الخطة والبرنامج والجدول بالتواريخ والمحددات بالأسماء.

كان يكفيهم مثل هذه اللجنة عوضا عن السياحة عبر العالم من مكة إلى مصر فسوريا وقطر وسويسرا، وموسكو خلال أيام.

إن البيان الختامي وطبيعة ما حصل في أروقة الاجتماعات لم يكن ليبشر بخير أبدا، فلم يكن من جديد متكرر وإن بعد زمن إلا مشاركة "حماس" و"الجهاد"، ولم تكن مشاركة "حماس" تحديدا مشاركة تقارب وتوحّد بقدر ما كانت مشاركة برامج مختلفة؟ كما قال موسى أبومرزوق مؤكدا بلا مواربة أن وجوده بالاجتماع لم يأتي إلا لسد الذرائع أو لرفع العتب، وليس عن قناعة مطلقة بإمكانية الحل وتحقيق زوال الانقلاب وتحقيق المصالحة.

كما لم نرى من الفصائل الأخرى ومنها في حركة فتح بتيارها السلطوي أي تزحزح نحو الوسط فيما يتعلق بتغيير منهج العمل في المنظمة من المنهج الاستئثاري الاستبدادي إلى المنهج الديمقراطي التشاركي، ولم نرى تزحزحا عن منهج استتباع المنظمة للسلطة حتى الآن عمليا، فالحركة والسلطة قد أخذت ما تريد وهو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أهميتها، ولم تأخذ الوحدة الوطنية مداها بالإعلان عن تشكيل المجلس الوطني الجديد وبالإعلان عن موعد عقده وعن برنامجه وميثاقه الجديد.

أي أنه لم يكن لبيان اللجنة التحضيرية أن يعني لنا إلا اتفاقا على إدارة التباعد وخصخصة الانقسام، والاعتراف المشترك بالأمر الواقع كما هو، وإن كانت حركة "فتح" قد ارتضت "عمليا" بسيطرة حركة "حماس" على غزة، فان "حماس" قد أقرت بسيطرة حركة "فتح" على المنظمة بعد أن هددت طويلا بوراثتها وراثة الابن عن أبيه.

ولم نخرج بتكريس منطق الديمقراطية أو الوطنية الجامعة أو الشراكة الحقة، التي يجب أن تكون مقوماتها مرتبطة بطبيعة العلاقة الجبهوية بين الجميع حيث لا تكترث بالعدد، بقدر ما تهتم بقيمة الحوار والأفكار والبرنامج المشترك والجهود المبذولة من أجل فلسطين.

هل نأمل -كما يأمل كل المتحدثين عن اجتماعات بيروت- ان نصل بالاجتماع القادم القريب -ان شاء الله- لكل ما هو مطلوب اي لصلب الموضوع من ألفه إلى يائه؟ لا اعتقد، فالمشوار طويل وعساني أكون مخطئا فأكون سعيدا جدا.