من باريس إلى موسكو: مفتاح الحل في مكان آخر !

رجب أبو سرية
حجم الخط

لعلها الصدفة وحدها التي جعلت من اجتماع الفصائل الفلسطينية مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، يجيء في اليوم نفسه الذي شهدت فيه باريس اللقاء السبعيني، والذي أكد حسب بيانه الختامي على حل الدولتين، لكن ربما كان لبدء العد التنازلي لتولي الرئيس الأميركي اليميني / الجمهوري المتشدد دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض بعد أيام قليلة علاقة بالأمر، حيث سعت باريس أولاً إلى تحديد إطار سياسي لأهم ملفات الشرق الأوسط، يتماشى، ولا يتجاوز ما كانت قد سارت عليه الإدارات الأميركية السابقة وعدم انزلاقه إلى منعطف حاد جديد كما وعد بذلك الرئيس الجديد المنتخب، ومن ثم موسكو إلى ملء الفراغ أو استثمار الفرصة التي تلوح في الأفق، حتى تثبت العاصمة الروسية من وجودها في المنطقة، حيث تعلم موسكو أكثر من غيرها بأن موطئ قدمها في سورية دون دور واضح لها في الملف الفلسطيني / الإسرائيلي لن يكون ثابتاً.
المهم أن رعاية موسكو لملف المصالحة الفلسطينية الداخلية قد بدأ، حيث تأمل روسيا بتحقيق ما عجزت عنه _ حتى الآن، العواصم العربية، من القاهرة إلى الدوحة مرورا بالرياض ودمشق، فيما يمكن القول بان باريس تحاول أن تحتوي _ مسبقا، ما يمكن أن ينجم عن انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، خاصة في حال أقدم على تنفيذ ما وعد به بخصوص المستوطنات والقدس.
أجواء إيجابية، أكدت على ما خرج عن اللجنة التحضيرية التي اجتمعت في بيروت قبل أسابيع، من إعلان عن التحضير لتشكيل مجلس وطني جديد، على أساس اتفاق القاهرة 2005 وإعلان المصالحة عام 2011، كذلك بيان ختامي يتضمن تأكيدا على حل الدولتين، وعلى عدم شرعية الاستيطان، لكنه لم يتجاوز الموقف الأميركي السابق بخصوص المفاوضات، حيث أكدت باريس على التفاوض الثنائي ولم تلوح بأي إشارة ضغط على إسرائيل لإجبارها على الكف عن خرق القانون الدولي بالسير على طريق الاستيطان، أو إنهاء الاحتلال.
هل يعني ذلك بأن باريس بترددها قد فتحت الباب لموسكو أم أنها أبقت على البوابة مشرعة لواشنطن للعودة لرعاية مفاوضات ثنائية، بعد إجبار الجانب الفلسطيني على قبولها، مع الرعاية الأميركية مقابل تراجع واشنطن _ مثلا _ عن تنفيذ وعدها بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب للقدس؟
لا احد يمكنه أن يتكهن الآن، بما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآت، لكن المؤكد انه بعد باريس التي جاء لقاء نحو 70 دولة ومؤسسة كاجتماع دولي أكثر منه مؤتمراً دولياً، بعد أن خرج بمجرد بيان ختامي، خلا من التلويح بالضغط أو العقوبة على إسرائيل، بل وحتى من أية آليات لمتابعة الأمر _ أمر التوصل لحل سياسي يمكن للمجتمع الدولي أن يجبر من خلاله الطرفين، وبعد لقاء موسكو، ستتوجه الأنظار إلى ما بعد تنصيب ترامب رئيساً، وبعد أيام أو أسابيع من تسلمه مهام منصبه.
في أحسن الأحوال، ستسعى واشنطن إلى «عقد صفقة» مع الجانب الفلسطيني، تجبره من خلالها على العودة للمفاوضات الثنائية، دون شرط وقف الاستيطان أو تحديد إطار أو مرجع للمفاوضات أو حتى جدول زمني لتوصلها إلى حل، ولا حتى إطلاق ما تبقى من معتقلي ما قبل أوسلو، أي الرضوخ لما كان يطالب به بنيامين نتنياهو طوال الفترة الماضية، وفي أسوأ الأحوال بالطبع، الشروع بإجراءات نقل السفارة الأميركية، مع إعلان واشنطن موقفاً صريحاً غير معاد للاستيطان، وعدم اعتباره «عقبة» لا في طريق الحل ولا في طريق التفاوض الثنائي.
حينها، لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما سيحدث على الأرض الفلسطينية من صراع مفتوح على مصراعيه، لا يمكن للسلطة معه إلا أن تسلم قيادها لمنظمة التحرير الفلسطينية، بشكل تام وكامل، وإغلاق الباب على الولايات المتحدة كوسيط أو كراع للعملية السياسية.
بالطبع حتى لو أعلن ترامب التزامه بنقل السفارة، فان الأمر لن يتم في يوم وليلة، لكن _ كما اشرنا _ ربما يتم اللجوء إلى هذا كورقة ابتزاز، تجعل الجانب الفلسطيني مجبراً على الرضوخ للموقف الإسرائيلي الخاص بالشأن التفاوضي.
إشارة باريس تؤكد، بأنه ما لم يحدث تغير في الموقف الفلسطيني، فانه لا يمكن المراهنة على صمود الموقف الدولي، في وجه واشنطن خاصة، واقل ما يمكن أن يحدث في الموقف الفلسطيني، هو إنهاء فوري للانقسام، وتوحد ميداني، يرسل لإسرائيل وأميركا إشارة قوية، بأن من شأن نقل السفارة أن يطلق انتفاضة ثالثة.
لا بد من وجود «أنياب» أو مخالب للموقف السياسي الفلسطيني، فلا يكفي التهديد بإعلان التوقف عن العمل بأوسلو، ووقف التنسيق الأمني أو سحب الاعتراف بإسرائيل، أو بمواصلة طريق الكفاح السياسي / الدبلوماسي عبر الأمم المتحدة، ما يخيف إسرائيل أكثر هو المقاومة الميدانية، خاصة حين تكون شعبية، تشارك بها كل القوى والفصائل، ولعل في نشوء «صخب» مفاجئ داخل إسرائيل، على خلفية تسجيل مواقف فساد مرتبطة برئيس الحكومة، نتنياهو، ما يرجح تفضيل إسرائيل وأميركا وجود رئيس حكومة ينتمي لليسار أو الوسط، مقابل الرئيس الجمهوري الأميركي، لتسهيل تبادل الأدوار، كما أن اهتمام موسكو يوفر فرصة للجانب الفلسطيني، ليس فقط للتلويح بوجود بديل دولي عن واشنطن، بل بالسير على طريق إنهاء الانقسام إلى آخره، حيث بات من المؤكد أن طريق إنهاء الاحتلال، يمر عبر طريق إنهاء الانقسام، فهذا الطريق هو الذي يطلق المقاومة الشعبية في القدس والضفة الفلسطينية، وغير هذا كله مضيعة للوقت، وبث للأوهام في الرؤوس، لا أكثر ولا أقل !