كم لساناً للميزان الديمغرافي؟

حسن البطل
حجم الخط

يروي حبيبنا أميل حبيبي كيف فوجئ بلسانه وهو ينطق، للمرة الأولى، بجملة بالعبرية، في جلسة للكنيست الثانية، عندما كان عضواً فيها. قال حبيبي: «هذه هي محبّة الأوطان».
جاءت العبارة رداً على جملة وردت في خطاب لبن ـ غوريون، مترجمة للعربية، قال فيها: يفاجئونني كيف يعود متسللون عرب إلى أراضي دولة إسرائيل، مجازفين بإطلاق الرصاص عليهم؟
خلفية القول والقول الآخر، كانت بعد أن جال مؤسس دولة إسرائيل في الجليل المليء بالقرى العربية، وقال لمرافقيه: هل اجتزت حدود الدولة إلى بلد عربي؟ من يومها، ربما، قال بن ـ غوريون إن مستقبل إسرائيل في تهويد الجليل والنقب، أي مياه الجليل (والجولان لاحقاً) لتخضير صحراء النقب!
مطلع السنة الجديدة، نشرت الصحف إحصائيتين صادرتين عن مركزي الإحصاءات الإسرائيلية والفلسطينية حول «الميزان الديمغرافي» اليهودي ـ الإسرائيلي، والعربي ـ الفلسطيني. يمكنكم استنتاج ما تشاؤون!
عندما أصدر الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء أول تقرير له عام 1996، وجاء فيه أن المقادسة الفلسطينيين يشكلون 34ـ36% من سكان القدس، قالت مصادر إسرائيلية إن ذلك غير صحيح.
بعد سنوات، صاروا في إسرائيل يقدرون أن لسان الميزان الديمغرافي في القدس يقول إن نسبة الفلسطينيين إلى الإسرائيليين هي 40% مقابل 60%، لكن 310 آلاف من الفلسطينيين يحملون هوية مقيم دائم في 22 قرية ضمتها إسرائيل إلى القدس عام 1968، أما العينة العمرية فيها، للأولاد تحت سن 18 فهي تميل، منذ الآن، لصالح الفلسطينيين.
المسألة في تفاوت الإحصاءين أن الإحصاء الإسرائيلي يعتبر سكان القدس ـ الموحدة جزءاً من إجمالي التعداد العام للسكان: اليهود الذين تجاوزوا الـ6 ملايين من سنوات، وسكان الدولة الذين تجاوزوا الملايين الثمانية. الإحصاء الفلسطيني دقيق فيما يخصّ سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه تقديري لأعداد الفلسطينيين في القدس.
سنعود إلى تفسيرين من رابين لأسباب ذهابه إلى اتفاقية أوسلو؛ الأول: إن ضباط أركان الجنرال دان شمرون، آنذاك، أخبروه أن لا حل عسكرياً للانتفاضة الأولى. الثاني والأهم قوله: لو كان تعداد اليهود، آنذاك، في إسرائيل ستة ملايين، لما ذهب لمفاوضة م.ت.ف، وإقامة سلطة فلسطينية.
الآن، هناك 6.7 مليون يهودي في إسرائيل داخل الخط الأخضر، وخارجه، و1.7 مليون فلسطيني بمن فيهم الـ310 آلاف في القدس المكبرة التي تضم 22 قرية يقترح الوزير العمالي السابق حاييم رامون إخراجهم من الإحصاءات الإسرائيلية، للحفاظ على قدس يهودية، أو ذات غالبية يهودية.
إلى ذلك، مجموعة من كبار العسكريين السابقين والسياسيين في «مجلس السلام والأمن» تخشى من انقلاب الميزان الديمغرافي العام الإسرائيلي ـ الفلسطيني ليشكل الفلسطينيون غالبية السكان بين النهر والبحر بعد سنوات قليلة.
«مجلس السلام والأمن» صار حركة «قادة من أجل أمن إسرائيل»، وهم ينادون بالانفصال عن الفلسطينيين حتى تظل إسرائيل «دولة يهودية وديمقراطية».. كما تريدها أميركا والعالم!
زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان يرى الحل في إخراج منطقة المثلث من إسرائيل وضمها لفلسطين ديمغرافياً، وضم كتل المستوطنات إلى إسرائيل، أي تبادلات جغرافية ـ ديمغرافية، وهو أمر يرفضه، لأسباب مختلفة، الفلسطينيون في إسرائيل «هذا وطننا وإحنا هنا»، وايضاً دعاة أرض ـ إسرائيل الكاملة، الذين يرفضون قيام دولة فلسطينية، وأي شكل لتقسيم البلاد.
صحيفة «إسرائيل اليوم» تطرح قطاع غزة من الديمغرافيا الفلسطينية العامة، وتركز على الضفة الغربية، وتقدر عدد السكان فيها بـ 1.750 ألفا، وتضيف إليهم سكان إسرائيل الفلسطينيين، ومن ثم تقول: هناك 3.5 مليون فيهما مقابل 6.7 مليون يهودي، والاستنتاج هو أن الميزان الديمغرافي هو لصالح اليهود، خاصة أن التكاثر الطبيعي لليهود صار يضاهي التكاثر الطبيعي للعرب، إضافة إلى أن 15 ألف فلسطيني يغادرون الضفة سنوياً، بينما يهاجر إلى إسرائيل 20 ألف مهاجر يهودي.
في الواقع، أتتبع إحصائيات الجسور الفلسطينية كل أسبوع، وجاء في إحصائيات العام المنصرم أن الفارق بين المغادرين والعائدين هو 12 ألف نسمة.. ولكن كم عدد الزيادات السكانية سنوياً في الضفة؟ السبب. فلسطين فقيرة وإسرائيل مزدهرة!
يطالب بعض الإسرائيليين، وخاصة زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينيت بضم المنطقة (ج) إلى إسرائيل ومعها سكانها الـ100 ـ 200 ألف، وكبداية يطالب بضم الكتل الاستيطانية بدءاً من «معاليه أدوميم» لتغيير الميزان الديمغرافي في القدس، ورفع أعداد المستوطنين في الضفة إلى مليون، وإحراز غالبية استيطانية في مناطق معينة من الضفة، مثل الأغوار ومنطقة لسان «أريئيل».. وضواحي القدس الشرقية.
هناك من عارض موقف هرتسل لإقامة دولة يهودية مدعياً أنه في العام 2000 لن يكون سكان الدولة أكثر من نصف مليون يهودي، وهناك من قدّر أنه في ستينيات القرن المنصرم ستكون هناك غالبية عربية.
لكن، في المقابل، كان هناك 160 ألف عربي في إسرائيل وصاروا 1.400 ألف، دون حساب سكان القدس، وكان هناك 1.2 مليون فلسطيني بين البحر والنهر وصاروا 4.8 مليون في البلاد، وأكثر من 10 ملايين في العالم، وربما أكثر من يهود العالم.
يمكن حساب الديمغرافية وفق العمليات الحسابية الأربع: جمع وطرح وتقسيم وضرب، لكن ما يتهدد إسرائيل هو الحساب السياسي ـ الديمقراطي، أي إقامة دولة فلسطينية تكون قادرة على بناء اقتصاد يجعلها جاذبة لا طاردة للسكان الفلسطينيين داخل البلاد، والفلسطينيين في المنفى.

بين «عمونا» ومدرسة طانا
سيتم نقل بؤرة «عمونا» من أرض فلسطينية خاصة إلى أرض فلسطينية خاصة، أي كما تمسك يدك اليمنى من خلف الرقبة بأذنك اليسرى.. وبالعكس، وبذريعة أن نقلها سيتم على قسيمة أرض خاصة يقال إن أصحابها خارج البلاد لـ 50 سنة فقط!
هكذا هو «الحل الإبداعي» الذي يرضي محكمتهم العليا والمستوطنين معاً.
في المنطقة (ج) هناك مدارس فلسطينية مهددة بالهدم بذريعة عدم الترخيص، لكن كشفت «هآرتس» أن مستوطنات عديدة أقيمت فيها مدارس يهودية على أرض خاصة فلسطينية، بذريعة أنها مؤقتة، وسيتم نقلها إلى مستوطنة غير شرعية، وبؤرة غير شرعية.
.. وهذا هو الفارق بين هدم مدرسة خربة طانا مثلاً، وإقامة مدارس يهودية في بؤر ومستوطنات غير شرعية على أرض خاصة فلسطينية!