وزير التربية والتعليم العالي
أمام ازدحام تفاصيل العمل السياسي اليومي وأحداثه، مرّ بصمت، وقبل أيام، قرار مجلس الوزراء باعتماد "الإطار العام لقطاع رياض الأطفال في فلسطين"، بما يشمل الإلزاميّة المناهجيّة لقطاع التعليم ما قبل المدرسي، وبتكامل الأدوار والجهود مع وزارات أخرى، مقتنعين جميعاً، بصحّة النهج التربوي، وسلامة الأداء الذي يفضي قريباً إلى ولادة منهاج موحد لرياض الأطفال وصولاً إلى تحقيق رؤيتنا في اعتبار التعليم المدرسي تعليماً إلزامياً.
لم تَغبْ عن وزارة التربية والتعليم العالي، أهميةُ التركيز على هذا القطاع، وهي التي وضعته أوّلَ برامج التطوير، في خطّتها الاستراتيجية الخمسية الحالية، لأنها تؤمن إيماناً راسخاً، أن الأطفال هم الاستثمار الحقيقي، لتحقيق التنمية المنشودة، القادرة على قلب المعادلة وتحقيق النصر التعليمي والمعرفي، المؤدي إلى إحراز التحرير، ولتغيير الصورة النمطية السائدة حالياً بأن الاستثمار في الطفولة المبكرة يتم في الشكل فقط، دون المضمون.
هذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة، التي جاءت ثمرة عمل أوصت به اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم وأقره مجلس الوزراء، ستولي أهميةً كبيرةً لمجتمع الأطفال ما قبل المدرسة، للنهوض بهم وحمايتهم، ومن شأنها أن تصل بأهدافها وخدماتها إلى جميع الأطفال، خاصة في المناطق الريفية النائية والمهمّشة، وتلك المحاذية لجدار الضم والتوسع وتعقيداته وتعجيزاته، والقريبة من البؤر الاستيطانية التي تخنق الكبير قبل الصغير، كلّ ذلك، يأتي تأكيداً من الحكومة وشركائها على ضرورة توفير مستقبل أفضل لأطفال فلسطين، الذين يتهدّدهم شبح القتل والتنكيل والاعتقال، من قبل الاحتلال والمستوطنين، بصورة تحرمهم من طفولتهم، وبات يندى لها جبين الإنسانية كافة.
ومن شأن هذه الخطّة الواعدة أيضاً، أن توفّر لأطفالنا بيئةً تعليميةً آمنة، يحظون فيها بالترفيه والعناية الصحية، والتغذية السليمة، والحماية والأمن لجميع الفئات، بمن فيهم الأطفال من ذوي الإعاقة، مدركين تماماً أن هناك 44% من الأطفال في هذه المرحلة هم خارج أي نوع من التعليم، وأن معظم الأطفال الملتحقين في المرحة الأساسية لا يتساوون في قدراتهم العقلية وتأسيسهم المعرفي، لذلك فإن التدخل الآن من شأنه توحيد حجم المعرفة، وتأهيلهم للمستقبل وللمرحلة الأساسية.
إن الرسالة التربوية السامية التي نحملها على عاتقنا، تُلزمنا بتوفير آليات التعليم والتعلّم النوعي لجميع أطفال فلسطين، لا سيّما في منظومة رياض الأطفال، بمشاركة جميع الجهات والقطاعات المسؤولة، لتحقيق أهدافنا الرامية إلى رفع نسبة التحاق الأطفال في الرياض، لتصل إلى ما يزيد عن 70%، وكذلك تحفيز المكوّنات الرسمية، وشبه الرسمية، والخاصة، والأهلية، ومنظمات المجتمع المدني، للمشاركة في تحقيق التحاق مستديم للطفل الفلسطيني في رياض الأطفال، مع ضرورة تقديم تعلّم وتعليم نوعي لهم، وبناء نظام اعتماد تصنيفي لروضة الأطفال النموذجيّة المثالية التي نطمح إلى الوصول إليها، والارتقاء بنوعية التعليم والتعلم في هذه الروضة، على أسس علمية وإبداعية، وهذا الأمر يجعلنا ندرك مدى حاجتهم الماسة لمنهاج وطني موحّد، يراعي الأبعاد الوطنية في تنشئتهم، وتطورات العصر، ومقتضيات المعرفة والإبداع، مع وجود بيئة مناسبة وشاملة، وتوفير معلمات مؤهّلات، وفق معايير علميّة ومهنية للتقييم، تضمن إشرافاً لوزارة التربية من الناحيتين الفنية والإدارية، بصورة تعينها على تحقيق أهدافها المتوخّاة.
وفي إطار آمالنا العريضة، وطموحاتنا الكبيرة، نعمل لزيادة عدد رياض الأطفال الحكومية بصورة كبيرة، والتي تبلغ حالياً 67 روضة، وكذلك مضاعفة عدد الأطفال الملتحقين في الرياض، الذين وصلوا إلى 133,117 طفلاً في الصفين البستان والتمهيدي، كما أننا قمنا بفتح صفوف تمهيدية حكومية، وصل عددها إلى ما يزيد عن 100 صف، بما فيها ثلاثة مراكز مناطقية في نابلس وبيت لحم والخليل. وإيماناً من الوزارة بمبدأ الشراكة، فإنها ستعمل بالتعاون مع الحكم المحلي والبلديات والمجالس المحلية على تحفيز هذه الجهات، على إنشاء رياض أطفال عصرية حديثة تابعة لها، وضمان إنشاء رياض في الأحياء والتجمعات السكنية الجديدة، ليؤدي هذا الالتزام الحكومي الواسع، إلى مخرجات رائعة، قادرة على إحداث التغيير، وتجسيد التطوير، لنقل طفل ما قبل المدرسة إلى التعليم النظامي بيسر وسلاسة، في إطار بيئة تربوية قادرة على تحقيق النهضة والثورة التربوية التعليمية. هو حلم، ولكنه قابل للتحقيق، نراه قريباً بمجهود جميع المخلصين إن شاء الله.
وحين نتحدّث عن برامج التطوير، فإن قطار العلم والمعرفة سيواصل مسيره، بالتركيز على مختلف قضايا التعليم الأساسي والثانوي والتعليم غير النظامي، لإحداث ثورة علميّة تعليميّة حقيقية وشاملة، وغير مسبوقة، عنوانها النجاح الباهر، والتي يحقّ لنا جميعاً أن نفتخر بها، ونباهي بها العالم قاطبة.