لم يعجبني «تفسير» ـ أو بالأحرى تبرير ـ الدكتور أحمد يوسف «للاتصالات» التي تم تداولها في وسائل الإعلام، مؤخراً بين إسرائيل و»حماس».
إذ ان الدردشات التي أشار إليها الدكتور يوسف يمكن أن تكون مجرد بداية (طبيعية ومنطقية) مثل كل بداية من هذا النوع، كما يمكن أن تكون هذه الدردشات هي مجرد جسّ نبض بين الطرفين لبناء مطالبات قابلة للتداول فيما بعد.
في كلا الحالتين نحن لسنا أمام «دردشات» من أجل الدردشة وإنما نحن أمام مفاوضات غير مباشرة حول موضوعات بعينها وقضايا محددة.
وإذا كان من المسلّم به أن هذه المفاوضات غير المباشرة بوساطة إقليمية أو دولية أو بهما معاً ليست بدون هدف فإن أكثر شيء منطقي في هذا العالم هو أن يجري «التعرف» على هذا الهدف أولاً وقبل كل شيء.
دعونا نبدأ من الهدف أو الأهداف الخاصة بكل طرف حتى نرى مساحة التقاطع بين هذه الأهداف، وذلك حتى نتبيّن مدى جدية المسألة من جهة، ومدى أهمية هذه المساحة المشتركة (مساحة التقاطع) لكل طرف وللطرفين معاً من جهة أخرى.
يمكننا أن نخمّن في هذا الإطار الأهداف الإسرائيلية التالية:
1 ـ إذا تحصّلت إسرائيل على واقع يكرس انفصال القطاع عن الضفة، فإنها بذلك تكون قد ضربت المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم، لأن الانفصال في هذه الحالة يكون أداة تكريس فلسطينية للقضاء على حل الدولتين دون أن تتحمّل إسرائيل وزر هذه المسألة أو دون أن تكون إسرائيل المسؤول الأول والأخير والوحيد عن هذه المسألة بكل ما يعنيه هذا الأمر من أبعاد على كل المستويات، وخصوصاً إفلات إسرائيل من الطوق الذي يحيط بها من كل جانب.
2 ـ تأسيساً على ما سبق فإن إسرائيل تكون قد كرست في الواقع عملية «السلخ الديمغرافي» لقطاع غزة عن كامل المعادلة الديمغرافية، وهي ستكون حتى نهاية العقد الثالث من الالفية الثالثة في مأمن ديمغرافي بالمقارنة مع استحالة توفير مثل هذا المأمن حتى الى نهاية العقد الثاني ومنتصف العقد الثالث من هذه الألفية فيما لو «بقي» القطاع جزءاً عضوياً من هذه المعادلة.
3 ـ وتأسيساً على كل ما سبق فإن إسرائيل لا تستطيع أن تسوّق تفاهمات من هذا النوع إلاّ إذا تحولت الهدنة المقترحة إلى فترة من الرقابة الشديدة على تسلّح حركة حماس، وهو الأمر الذي سيعني في النهاية تحويل مشروع حركة حماس «للمقاومة» إلى مشروع يفتقد بالكامل أية قدرات للمقاومة لا مباشرة ولا كامنة، الأمر اذي يعني في نهاية المطاف تكريس معادلة الخبز مقابل الهدوء ولكن بشروط أفضل لإسرائيل من أية حال أخرى سابقة.
4 ـ إذا تحقّق لإسرائيل شق وحدة الشعب والوطن، وكذلك التمثيل السياسي والمؤسسة الدستورية الواحدة (للنظام السياسي)، وإذا ما تحقق لها السلخ الديمغرافي، وكذلك الرقابة على السلاح وحققت الهدوء المطلوب فإنها على استعداد للدفاع عن مشروع صفقة سياسية مع حركة حماس.
وإذا لم تتمكّن إسرائيل من تحقيق كل هذه الأهداف بما تنطوي عليه من تداخلات وتقاطعات وصعوبات فإنها لن تتمكن داخلياً من تسويق الصفقة وهي لن ترغب بها أبداً بدون تحقيق كل هذه الأهداف.
أما الأهداف التي يمكن توقعها كأهدافٍ خاصة بحركة حماس فهي على الأغلب قابلة للتوقع في الإطار التالي:
1 ـ أن تتمكن حركة حماس من الإفلات أولاً ثم النجاة ثانياً من حصار الطوق المفروض عليها، حيث تراهن الحركة على أن الوساطة الإقليمية والدولية ستضمن لها الإفلات والنجاة بحراً من خلال الميناء وجواً من خلال شيء بمثابة مطار دون أن «تحتاج» إلى الممر البرّي مع مصر.
2 ـ تأمل حركة حماس أن دويلة من هذا النوع يمكن أن تعيش «اقتصادياً» على الدعم الإقليمي: قطر وتركيا وبعض المساعدات الإسلاموية وبعض المساعدات الإنسانية من هنا وهناك، في حين انها (أي حركة حماس) ستعمل على تكريس الكيان الغزّي من خلال مراهنات على علاقات بحدود معينة مع جماعات الإسلام السياسي وبعض الأنظمة التي يمكن أن تظهر بعض التعاطف مع هذا الكيان تحت مسميات «إنسانية» وهي لا تريد سياسياً أكثر من ذلك طالما أن إسرائيل موافقة.
3 ـ تراهن حركة حماس على أن الصدام بين السلطة الوطنية والمنظمة من جهة وبين إسرائيل في الضفة المحتلة من جهة أخرى سيؤدي إلى «انهيار» السلطة والمنظمة، ما يفتح الآفاق «واسعة» أمام حركة حماس لتكريس نفسها كممثل سياسي رئيسي لا يمكن تجاوزه، وهو الأمر الذي سيؤدي بإسرائيل إلى العمل على التفاهم الأكبر مع حركة حماس، خصوصاً بعد أن تكون التجربة التي يتم الحديث عنها اليوم قد «نجحت» في تشجيع الجانب الإسرائيلي على اعتماد تفاهمات مستقبلية أكبر بكثير من حجم التفاهمات على الحالة الراهنة.
4 ـ وتراهن حركة حماس أخيراً على أن تلعب جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الإقليم دوراً متصاعداً في «نصرة» الحركة وإبقائها في صدارة المشهد دون أن «تقدم» حركة حماس «دليلاً» قاطعاً على التسليم أو الاعتراف بإسرائيل من الناحية الشكلية، وهو الأمر الذي سيسهّل عليها (أي حركة حماس) خوض المعركة الديماغوجية المفترضة حيال هذه المسألة.
بكل بساطة فإن مساحة التقاطع في المصالح هنا كبيرة جداً، والمصلحة المشتركة أكبر بكثير من المصالح الخاصة، لأن كل ما ينطوي عليه مفهوم المصالح الخاصة هنا لا يمكن التعبير عنه عملياً دون أن يمرّ إجبارياً في كامل مساحة التقاطع، حتى ان المصالح الخاصة، تكاد لا تُرى بالعين المجرّدة خارج تلك المساحة.
إذن، فالمسألة ليست مجرّد دردشات معزولة أو هامشية، وإنما دردشات هادفة وتنتظر فقط المزيد من الدردشات التي ستفضي إلى تفاهمات، وإلى تفاهمات ستؤدي حتماً إلى اتفاقيات سواء أعلن عنها أم لم يُعلن، وسواء كانت مكتوبة أو مجرّد تفاهمات شفهية برعاية إقليمية.
ولأن «الانفصال» أمر منوط بالموافقة الإسرائيلية أو بالتفاهم معها، ولأن مثل هذه التفاهمات بحاجة إلى رعاية إقليمية، ولأن المسألة على أعلى درجات الحساسية والخطورة والأهمية فإن الدردشات التي حاول الدكتور أحمد يوسف أن يهوّن علينا من وقعها أو أن «ينصحنا» بعدم المبالغة في أهميتها هي في الواقع الدردشات التي ستؤدي بحركة حماس للرقص في الحلبة الإسرائيلية، بغض النظر عن النوايا والدوافع والمبرّرات.
إذ ان الدردشات التي أشار إليها الدكتور يوسف يمكن أن تكون مجرد بداية (طبيعية ومنطقية) مثل كل بداية من هذا النوع، كما يمكن أن تكون هذه الدردشات هي مجرد جسّ نبض بين الطرفين لبناء مطالبات قابلة للتداول فيما بعد.
في كلا الحالتين نحن لسنا أمام «دردشات» من أجل الدردشة وإنما نحن أمام مفاوضات غير مباشرة حول موضوعات بعينها وقضايا محددة.
وإذا كان من المسلّم به أن هذه المفاوضات غير المباشرة بوساطة إقليمية أو دولية أو بهما معاً ليست بدون هدف فإن أكثر شيء منطقي في هذا العالم هو أن يجري «التعرف» على هذا الهدف أولاً وقبل كل شيء.
دعونا نبدأ من الهدف أو الأهداف الخاصة بكل طرف حتى نرى مساحة التقاطع بين هذه الأهداف، وذلك حتى نتبيّن مدى جدية المسألة من جهة، ومدى أهمية هذه المساحة المشتركة (مساحة التقاطع) لكل طرف وللطرفين معاً من جهة أخرى.
يمكننا أن نخمّن في هذا الإطار الأهداف الإسرائيلية التالية:
1 ـ إذا تحصّلت إسرائيل على واقع يكرس انفصال القطاع عن الضفة، فإنها بذلك تكون قد ضربت المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم، لأن الانفصال في هذه الحالة يكون أداة تكريس فلسطينية للقضاء على حل الدولتين دون أن تتحمّل إسرائيل وزر هذه المسألة أو دون أن تكون إسرائيل المسؤول الأول والأخير والوحيد عن هذه المسألة بكل ما يعنيه هذا الأمر من أبعاد على كل المستويات، وخصوصاً إفلات إسرائيل من الطوق الذي يحيط بها من كل جانب.
2 ـ تأسيساً على ما سبق فإن إسرائيل تكون قد كرست في الواقع عملية «السلخ الديمغرافي» لقطاع غزة عن كامل المعادلة الديمغرافية، وهي ستكون حتى نهاية العقد الثالث من الالفية الثالثة في مأمن ديمغرافي بالمقارنة مع استحالة توفير مثل هذا المأمن حتى الى نهاية العقد الثاني ومنتصف العقد الثالث من هذه الألفية فيما لو «بقي» القطاع جزءاً عضوياً من هذه المعادلة.
3 ـ وتأسيساً على كل ما سبق فإن إسرائيل لا تستطيع أن تسوّق تفاهمات من هذا النوع إلاّ إذا تحولت الهدنة المقترحة إلى فترة من الرقابة الشديدة على تسلّح حركة حماس، وهو الأمر الذي سيعني في النهاية تحويل مشروع حركة حماس «للمقاومة» إلى مشروع يفتقد بالكامل أية قدرات للمقاومة لا مباشرة ولا كامنة، الأمر اذي يعني في نهاية المطاف تكريس معادلة الخبز مقابل الهدوء ولكن بشروط أفضل لإسرائيل من أية حال أخرى سابقة.
4 ـ إذا تحقّق لإسرائيل شق وحدة الشعب والوطن، وكذلك التمثيل السياسي والمؤسسة الدستورية الواحدة (للنظام السياسي)، وإذا ما تحقق لها السلخ الديمغرافي، وكذلك الرقابة على السلاح وحققت الهدوء المطلوب فإنها على استعداد للدفاع عن مشروع صفقة سياسية مع حركة حماس.
وإذا لم تتمكّن إسرائيل من تحقيق كل هذه الأهداف بما تنطوي عليه من تداخلات وتقاطعات وصعوبات فإنها لن تتمكن داخلياً من تسويق الصفقة وهي لن ترغب بها أبداً بدون تحقيق كل هذه الأهداف.
أما الأهداف التي يمكن توقعها كأهدافٍ خاصة بحركة حماس فهي على الأغلب قابلة للتوقع في الإطار التالي:
1 ـ أن تتمكن حركة حماس من الإفلات أولاً ثم النجاة ثانياً من حصار الطوق المفروض عليها، حيث تراهن الحركة على أن الوساطة الإقليمية والدولية ستضمن لها الإفلات والنجاة بحراً من خلال الميناء وجواً من خلال شيء بمثابة مطار دون أن «تحتاج» إلى الممر البرّي مع مصر.
2 ـ تأمل حركة حماس أن دويلة من هذا النوع يمكن أن تعيش «اقتصادياً» على الدعم الإقليمي: قطر وتركيا وبعض المساعدات الإسلاموية وبعض المساعدات الإنسانية من هنا وهناك، في حين انها (أي حركة حماس) ستعمل على تكريس الكيان الغزّي من خلال مراهنات على علاقات بحدود معينة مع جماعات الإسلام السياسي وبعض الأنظمة التي يمكن أن تظهر بعض التعاطف مع هذا الكيان تحت مسميات «إنسانية» وهي لا تريد سياسياً أكثر من ذلك طالما أن إسرائيل موافقة.
3 ـ تراهن حركة حماس على أن الصدام بين السلطة الوطنية والمنظمة من جهة وبين إسرائيل في الضفة المحتلة من جهة أخرى سيؤدي إلى «انهيار» السلطة والمنظمة، ما يفتح الآفاق «واسعة» أمام حركة حماس لتكريس نفسها كممثل سياسي رئيسي لا يمكن تجاوزه، وهو الأمر الذي سيؤدي بإسرائيل إلى العمل على التفاهم الأكبر مع حركة حماس، خصوصاً بعد أن تكون التجربة التي يتم الحديث عنها اليوم قد «نجحت» في تشجيع الجانب الإسرائيلي على اعتماد تفاهمات مستقبلية أكبر بكثير من حجم التفاهمات على الحالة الراهنة.
4 ـ وتراهن حركة حماس أخيراً على أن تلعب جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الإقليم دوراً متصاعداً في «نصرة» الحركة وإبقائها في صدارة المشهد دون أن «تقدم» حركة حماس «دليلاً» قاطعاً على التسليم أو الاعتراف بإسرائيل من الناحية الشكلية، وهو الأمر الذي سيسهّل عليها (أي حركة حماس) خوض المعركة الديماغوجية المفترضة حيال هذه المسألة.
بكل بساطة فإن مساحة التقاطع في المصالح هنا كبيرة جداً، والمصلحة المشتركة أكبر بكثير من المصالح الخاصة، لأن كل ما ينطوي عليه مفهوم المصالح الخاصة هنا لا يمكن التعبير عنه عملياً دون أن يمرّ إجبارياً في كامل مساحة التقاطع، حتى ان المصالح الخاصة، تكاد لا تُرى بالعين المجرّدة خارج تلك المساحة.
إذن، فالمسألة ليست مجرّد دردشات معزولة أو هامشية، وإنما دردشات هادفة وتنتظر فقط المزيد من الدردشات التي ستفضي إلى تفاهمات، وإلى تفاهمات ستؤدي حتماً إلى اتفاقيات سواء أعلن عنها أم لم يُعلن، وسواء كانت مكتوبة أو مجرّد تفاهمات شفهية برعاية إقليمية.
ولأن «الانفصال» أمر منوط بالموافقة الإسرائيلية أو بالتفاهم معها، ولأن مثل هذه التفاهمات بحاجة إلى رعاية إقليمية، ولأن المسألة على أعلى درجات الحساسية والخطورة والأهمية فإن الدردشات التي حاول الدكتور أحمد يوسف أن يهوّن علينا من وقعها أو أن «ينصحنا» بعدم المبالغة في أهميتها هي في الواقع الدردشات التي ستؤدي بحركة حماس للرقص في الحلبة الإسرائيلية، بغض النظر عن النوايا والدوافع والمبرّرات.