يوم دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض سيذكر بالفعل بأنه يوم الانعطافة الدراماتيكية في السياسة الأميركية تجاه النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. الكثير جدا منوط باللقاء الذي سيعقد بين الرئيس الجديد ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في شباط. يعلق الكثيرون في اسرائيل آمالا كبيرة على عهد ترامب، ولكن السؤال الاساس هو هل حكومة إسرائيل ناضجة لفك الارتباط عن فكرة «الدولتين» بين البحر والنهر، ورد الفكرة الخطيرة المتعلقة باقامة دولة فلسطينية في قلب البلاد؟
سطحيا الظروف لهذا مثالية: تصريحات ترامب في حملة الانتخابات وبعدها، حيث أعرب عن التزامه تجاه اسرائيل كحليف، والتحفظ على سلوك اوباما تجاهها. البرنامج السياسي الجمهوري، الذي عدل عشية انتخابات الرئاسة، ألغى الالتزام بـ»حل الدولتين»، وإقامة دولة فلسطينية. كما تنكر ترامب أيضا للخطوة المناهضة لاسرائيل التي ساهمت ادارة اوباما فيها في فترة الصمت بعد الانتخابات – قرار 2334 الصادر عن مجلس الامن. اضافة الى ذلك، توجد في اسرائيل حكومة وطنية صرفة، معظم وزرائها يعارضون قيام دولة فلسطينية، ولنتنياهو معرفة مسبقة وصداقة مع ترامب.
في اليمين الأميركي تنطلق منذ الآن أصوات واضحة ومهمة تدعو الى «إعادة النظر في المسار». السفير الأميركي في الامم المتحدة سابقا، جون بولتون، الذي يذكر مرشحا لمنصب نائب وزير الخارجية، نشر، الشهر الماضي، مقالا حادا في «وول ستريت جورنال» وصف فيه حل الدولتين بانه «رؤيا الطريق المسدود». ويصر بولتون على ان مثل هذه السياسة الخيالية، التي لا تملك امكانية وجود اقتصادي ستضر اسرائيل والفلسطينيين، ويقترح فحص بدائل لنهج «الدولتين». اجتاز رئيس الوزراء نتنياهو سنوات اوباما الثماني، مجيدا بشكل عام المناورة في الساحة السياسية، في ظروف غير سهلة. وفي ظل ذلك اضطرت اسرائيل الى اتخاذ خطوات صعبة من ناحيتها: خطاب بار ايلان في العام 2009، تجميد المستوطنات في العام 2010، تحرير «مخربين» في العام 2013 وغيره.
كنت قريبا جدا من نتنياهو حين عاد الى الحكم في العام 2009. وعلى اساس المعرفة الشخصية ايضا أشك جدا في تأييده، في حينه، فكرة «الدولتين» الذي قاتل ضدها على مدى معظم طريقه السياسي، لو كان في حينه رئيس آخر في البيت الأبيض.
ولكن حتى من يعتقد بأن خطاب بار ايلان كان مبررا في حينه، بما في ذلك التحفظات التي اشترطها نتنياهو، كاستعداده لتأييد اقامة دولة فلسطينية مجردة، ملزم بان يعترف بالتغييرات التي طرأت منذئذ.
أولا، العاصفة الإقليمية، التي سميت في بدايتها «الربيع العربي» ولم تنتهِ بعد. تحول الاسلام الراديكالي على انواعه الى عنصر سائد في المنطقة كلها، الحرب الشيعية – السنية متعددة القطاعات، انهيار الدول، خلق مناطق كبرى تفتقد الى الحكم. وقد علّمنا انتشار الارهاب وثقافة منظمات الارهاب أن من الصحيح تقليص هوامش المخاطر التي يمكن لاسرائيل أن تأخذها على نفسها. لا توجد أي حاجة لاقامة دولة عربية لا تؤدي مهامها في المنطقة على مسافة صفر من المراكز السكانية في إسرائيل.
ثانيا، الاستراتيجية الفلسطينية في السنوات الاخيرة لنزع الشرعية عن اسرائيل في الساحة الدولية، في ظل محاولات عزلها، علمتنا ما يمكن أن نتوقعه من «الشريك الفلسطيني المعتدل». كما أن السياسة المنهاجية في دفع المخصصات لـ»المخربين» وعائلاتهم من قبل السلطة وتعظيم «الارهابيين» تواصلت في «تعليم» الفلسطينيين على الكراهية والعداء بدلا من السلام. وفي الوقت ذاته يمتنع أبو مازن قدر ما يستطيع عن مفاوضات مباشرة مع اسرائيل في ظل طرح شروط مسبقة مختلفة. كما فشلت جولة المحادثات السياسية في العام 2013 مع ادارة أميركية سعت بكل قوتها لتطبيق حل الدولتين.
ان التجربة المتراكمة في عقدين تضمنت استعدادات لتنازلات اسرائيلية بعيدة الاثر من اجل السلام، وانتهت دوما بطريق مسدود وبـ «ارهاب» فلسطيني. وعلمتنا هذه التجربة بأنه لا يوجد في الجانب الفلسطيني رغبة ولا قدرة على انهاء النزاع التاريخي بين الشعبين بحل وسط.
ثالثا، الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة ثبت كظاهرة دائمة وليست عابرة. من الواضح أنه دون صلة بالتنازلات الاسرائيلية لن يكون ممكنا بلورة اغلبية فلسطينية حول حل وسط تاريخي، وسيستمر النزاع من الارض الموجودة تحت السيطرة الفلسطينية. في هذه الاثناء، اضاف الفلسطينيون الى العمليات والصواريخ سلاحا جديدا: الأنفاق. فقد خلقت تهديدا اضافيا على بلدات غلاف غزة. و سيجلب الانسحاب على اساس خطوط 67 انفاق «ارهاب» (لا حاجة لتكون طويلة) ستصل داخل الاحياء اليهودية في القدس.
رابعا، التغيير الشخصي في البيت الابيض (والاسناد في المجلسين التشريعين في واشنطن) قد يسمح لاسرائيل بمجال مناورة أوسع والتشكيك بالاجماع الدولي حول فكرة «الدولتين».
من حيث المضمون فان المزيد فالمزيد من الاسرائيليين والفلسطينيين يفهمون بان هذا شعار عابث وغير عملي. فدولة فلسطينية صغيرة في «المناطق» لن تكون قابلة للحياة، وغايتها الوحيدة ستكون استمرار الحرب ضد اسرائيل في مكانة سياسية متطورة. لن يكون للفلسطينيين مجال اقتصادي ومستقبل ولن يكون أمن للاسرائيليين. أما الطرد الاكراهي الكبير لمواطنين اسرائيليين من منازلهم فهو غير انساني وغير عملي، ولن لن يحقق السلام مع الفلسطينيين، ولكن من شأنه أن يخلق تهديدا حقيقيا بحرب اهلية بين الاسرائيليين.
ان من واجب حكومة اسرائيل اليوم أن تتقدم بافكار جديدة. حل فيدرالي اردني – فلسطيني سيعطي الفلسطينيين مجالاً إضافة الى حكمهم الذاتي. يمكن ايضا النظر في اطار اقتصادي مشترك اسرائيلي – اردني – فلسطيني. توجد افكار اخرى يمكن بلورتها بعمل هادئ مع ادارة أميركية متعاطفة معنا. وعلى اسرائيل من جهتها أن تؤكد مطالبتها بالسيادة على مناطق «ج».
شيء واحد واضح: يجب طرح بديل للفكرة التي تبدو ظاهرا بان لا بديل لها. اذا ما أبقينا فكرة الدولة الفلسطينية بصفتها «المباراة الوحيدة في المدينة» فاننا لن نخسر فقط اللحظة المناسبة، بل سنضمن في نهاية المطاف استمرار الضغط السياسي الدائم على اسرائيل كي تواصل العمل بخلاف مصالحها. لنتنياهو استحقاقات في منع التدهور في صيغة اوسلو. وفي شباط القريب القادم لديه فرصة للقيام بعمل تاريخي وانقاذ إسرائيل من الشرك.