اجتماع باريس… ما له وما عليه

thumbgen (24)
حجم الخط
 

حمل اجتماع باريس الذي انعقد في الخامس عشر من الشهر الجاري مزيجاً من الأمور الإيجابية والسلبية من وجهة النظر الفلسطينية، رغم أنه لم يرتق إلى مستوى مؤتمر دولي .

فقد كان مجرد انعقاده بمشاركة سبعين دولة رغم أنف نتنياهو ورغم حملته الدبلوماسية الشرسة هزيمة لإسرائيل، تضاف إلى هزيمتها المدوية في مجلس الأمن بصدور قرار 2334، فيما يؤكد تصاعد عزلة حكومة نتنياهو على الصعيد الدولي .

ومن ناحية أخرى أكد اجتماع باريس استحالة تهميش القضية الفلسطينية وأعادها مثل اجتماع القوى الفلسطينية في موسكو إلى دائرة الاهتمام العالمي الذي انشغل عنها بمشاكل الحروب الدائرة في البلدان العربية .

وكرر البيان الصادر عن الاجتماع “إدانة الاستيطان الإسرائيلي” بشكل قاطع، مرحبا بقرار 2334، وأكد التمسك بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ولعل أفضل النقاط الإيجابية في البيان كانت تأكيده على “الإنهاء التام للاحتلال الذي بدأ عام 1967”.

وكان من علامات نجاح الدبلوماسية الفلسطينية عدم اعتماد البيان معايير ومبادئ كيري للوضع النهائي لخطورتها بما نصت عليه من الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أو غموضها في موضوع القدس .

وأضيف إلى الإيجابيات ما نص عليه البيان “بتأكيد عدم الاعتراف بأي تغييرات على حدود 4 يونيو 1967 بما في ذلك القدس”.

لكن البيان الختامي حفل للأسف بكثير من السلبيات والنواقص أيضاً، أولها تكراره لما أمعنت فيه “الرباعية الدولية”، من قبل، بالإصرار على المساواة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وكأن المشكلة هي نزاع بين طرفين، بدل الإقرار بصراحة أنها قضية شعب يسعى إلى التحرر والاستقلال في مواجهة إسرائيل التي تمارس الاحتلال والاضطهاد وتعزز نظام الأبارتهايد العنصري .

وفي الإطار ذاته حفل البيان بإشارات سلبية للنضال الفلسطيني المشروع بهدف المساواة بين الاستيطان وما يسميه “أعمال عنف وتحريض”، علماً أن التحريض الأكبر هو ما يمارسه وزراء إسرائيل من بينت إلى ليبرمان إلى شاكيد مروراً بالحاخامات الذين يصفون الفلسطينيين “بالحشرات”. وعلماً أن العنف الأكبر هو ما يقوم به جيش إسرائيل المدجج بالسلاح الأميركي، والذي لا يتورع عن ممارسة الإعدامات الميدانية على مرأى من العالم بأسره، وتصل وقاحة شرطته إلى ضرب رئيس قائمة الأحزاب العربية في الكنيست وإلى إعدام مواطن يدافع عن بيته في النقب.

ورغم أن البيان تعرض لمعاناة قطاع غزة فإنه فشل في الدعوة على الأقل لرفع الحصار الإسرائيلي الظالم عنه، غير أن أكبر نقائص اجتماع باريس وبيانه أنه عجز عن الارتقاء إلى مستوى مؤتمر دولي يضع آليات ملموسة لمتابعة قراراته.

وكأن بعض المشاركين كانوا يستعجلون إنهاء المؤتمر لإغلاق هذه الصفحة التي تضايق إسرائيل وحكومتها، وأعمق النواقص كان الإصرار على أن كل حل، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية مرهون بالتفاوض فقط. والمشاركون جميعاً يعلمون أن إسرائيل لا تريد إنهاء الاحتلال، ولا تريد أن تفاوض، وقد تعمدت إساءة استخدام المفاوضات على مدار ثلاثة وعشرين عاما كغطاء للتوسع الاستيطاني، والتهويد، والضم، وخرق القوانين الدولية، حتى أصبحت كلمة “مفاوضات” مقرونة في ذهن الفلسطينيين بالفشل والبؤس.

لم يقل مؤتمر باريس والمشاركون فيه ماذا سيفعلون بإسرائيل المتعنتة المارقة والخارجة على القانون الدولي، ولم يلوحوا ولو بالكلمات لإمكانية فرض عقوبات عليها، كما جرى لدول ارتكبت خروقات أقل بكثير، ولم تحتل أراضي غيرها لخمسين عاماً أو تشرد أهلها لسبعين عاماً.

وهم يعرفون أن الوضع لن يتغير بفضل بعض الحوافز هنا وهناك، وإنما بتغيير ميزان القوى المختل لمصلحة إسرائيل، وفي ظل رفض إسرائيل عقد الاجتماع وقراراته فإن أقل ما يجب أن تفعله الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين.

ولعل امتناع أستراليا وبريطانيا عن التوقيع على البيان رغم ضعفه مثّل تذكيراً جديداً للفلسطينيين بأن سياسة وعد بلفور لم تنته وما زالت تهيمن في سياسة حكومة كبريطانيا.

نستطيع أن نستفيد من إيجابيات ما صدر ومن هزيمة نتنياهو، وأن نراكم عليها دوليا، ولكن اجتماع باريس مثل غيره أعاد تأكيد “أنه ما حك جلدك مثل ظفرك” ولا بديل عن “الاعتماد على النفس”، وأن جهدنا يجب أن ينصب على تغيير ميزان القوى، بالصمود والمقاومة الشعبية على الأرض وبحركة المقاطعة وفرض العقوبات محلياً ودولياً، وبإنهاء ملف الانقسام البائس والمؤذي والمهين، ومواجهة نتنياهو والعالم بقيادة فلسطينية موحدة.