ما زالت آثار الانقسام البغيض الذي يعصف بالساحة الفلسطينية تتلاحق لتضرب مختلف مجالات الحياة الفلسطينية فها هي عشر سنوات قد مضت ومخالب الانقسام تنغرس بعمق في الجسد الفلسطيني تمزقه ملحقة أثارا بالغة على مختلف المستويات ، الانقسام البغيض خلف مصائب لا تعد ولا تحصى ليس فقط على مستوى تدهور مكانة القضية الوطنية الفلسطينية رغم بعض ما يتم تحقيقه من انجازات ، فقد أسهم الانقسام في انفضاض المؤيدون لشعبنا من حول قضيتنا بل وقد استخدمه أعداء شعبنا وحلفائهم للتهرب من الالتزام بحق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، بل تجاوزت مصائب هذا الانقسام كل تلك الآثار السلبية على قضيتنا الوطنية لتعصف بمجمل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية ولتمس كرامة المواطنين في قطاع غزة ، فبنتيجة الانقسام البغيض القي بالالاف من الخرجين الشباب على قارعة الطريق يبحثون عن فرصة عمل فلا يجدونها ، كما خلف الآلاف من العاطلين عن العمل وقد تجاوزت نسبة البطالة في قطاع غزة ال 60% وقد بلغ الفقر مدى لم يصله قطاع غزة أو شعبنا من قبل ناهيك عن ما أصاب مجمل منظومة ومتطلبات الحياة في قطاع غزة من عطب مميت فنسبة الملوحة تجاوزت 900% وغدا أهلنا في القطاع محرومين من مياه الشرب وقد تناولت العديد من تقارير المنظمات الدولية الخطورة الكامنة في غزة لتقول أن غزة ستصبح مكانا غير قابل للعيش في العام 2020، وفي الأسابيع الاخيرة من كانون ثاني لهذا العام جاءت أزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة لتكشف عن عمق المعاناة التي يعيشها الناس في يظل ظلام دامس وصقيع غير محتمل أودى بحياة العديد من الأطفال جراء البرد القارض وقد جاءت تلك الأزمة التي مازالت مفاعيلها قائمة لتعلق جرس إنذار ينذر بخطر انفجار قادم للأوضاع في قطاع غزة ، في هذا المقال لست بوارد ذكر الأسباب التفصيلية لانقطاع التيار الكهربائي الا أن الجميع يؤكد ويدرك انه بسبب الانقسام وما نتج عنه من أمر واقع تتراكم ليس أزمة الكهرباء فقط بل وكل هذه الأزمات في وقت يتهرب القائمون على هذا الانقسام من مسؤولياتهم بل ويبحثون عن شماعات لتعليق العجز عليها ، لقد كشفت الأزمة الأخيرة عن عمق المعاناة كما أسلفت ، لكنها كشفت أيضا عن حجم حالة الاحتقان الشعبي واستعداد الناس للمطالبة بحقوقهم ، ورفضهم للمعالجات الأمنية للاحتجاجات والمطالب العادلة ،وبات صوت الناس يهدر مطالبا بحل أزمة الكهرباء وفي ثنايا مطالباته هذه علا صوت المطالبة بإنهاء الانقسام .
في خضم المعاناة التي برزت إلى السطح وكشفت كم هو خطير هذا الانقسام على قضيتنا الوطنية على المستوى السياسي ، وكم هو خطير ومؤذي لحياة شعبنا وكرامته وحقوقه الإنسانية وبالتزامن معها شهدت الساحة الداخلية الفلسطينية حدثين مفصليين احييا الأمل مجددا في إمكانية إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الأول تمثل بانعقاد اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت برئاسة الأخ سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني وبمشاركة كافة القوى بما فيها حركتي الجهاد الإسلامي وحركة حماس مما اكسب هذا الاجتماع أهمية كبرى استحوذت على اهتمام شعبنا مستبشرا الخير لما خلص له الاجتماع من الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية ودعوة الرئيس ابو مازن للبدء الفوري بإجراء المشاورات بشأنها ، كذلك من استعداد الجميع للذهاب لمجلس وطني بمشاركة الجميع ، إن هذا الاتفاق ورغم انه مثل مبادئ عامة افتقرت إلى إطار زمني كما لإطار سياسي بتعلق ببرنامج الحكومة ، إلا انه فتح آفاق مهمة يمكن البناء عليها فيما لو كانت النوايا حسنة وليس كما سبق بالتجربة ، إن هذا يتطلب خطوة فورية من سيادة الرئيس أبو مازن لوضع الجميع في دائرة الاختبار الجدي في إقامة حكومة الوحدة الوطنية وخلال فترة زمنية محددة تتولى التحضير لإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات ، أما الحدث الثاني فتمثل بدعوة معهد الاستشراق الروسي للفصائل الفلسطيني لاجتماعات في موسكو منتصف يناير الجاري بحثت خلاله المصالحة الفلسطينية كما بحثت الأوضاع السياسية الراهنة والتحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية ، هذا وقد بنى بيان موسكو على ما خلصت له اجتماعات بيروت من التأكيد على إنهاء الانقسام والذهاب لتشكيل حكومة وحدة وطنية بمهام محددة.
إن هذه الأجواء التي تبدو ايجابية حتى الآن عكر صفوها دون شك ما شهده قطاع غزة من أوضاع صعبة سواء بارتفاع منسوب حالة الاحتقان الشعبي الحق ، وما لاقاه من حملة أمنية استهدفت منع الناس من المطالبة بحقوقهم، إن تلك الأوضاع ترافق معها مجموعه من التحركات لتهدئة الموقف والبحث عن معالجات للازمة دارت كلها في إطار الحلول المؤقتة ، كما أعقبها مؤتمرات صحفية سواء لرئيس الوزراء أو لحركة حماس وقد كادت هذه المؤتمرات أن تبددت بعض الأمل المنبعث من لقاءات بيروت وموسكو خاصة لما تضمنته من تلاوم واتهامات متبادلة لكن المنطق الذي لا يمكن الهروب منه فرض نفسه بكل قوة متمثلا باستعداد حركة حماس لتسليم كافة الملفات والقطاعات لحكومة التوافق حسبما ورد في مؤتمرها الصحفي ، وهو ذات الاستعداد الذي أبداه الدكتور رامي الحمدلله رئيس الحكومة ، مما جعل الجميع أمام اختبار الصدق ، وجعل أبناء شعبنا ليس في غزة وحسب بل وفي كل مكان يتساءلون هل ستصدق حركة حماس في تسليم الحكومة كما أعلنت في مؤتمرها الصحفي والحكم وليس كما قالت سابقا تخلينا عن الحكومة ولم نتخلى عن الحكم ،وهي ستصدق الحكومة بتحمل مسؤلياتها دون ارتعاش أو تردد ، نحن وشعبنا كله بانتظار الإجابة العملية بدون شروط أو رتوش ،، لينتهي الانقسام وتستعاد الوحدة الوطنية الأمر الذي يعيد لقضيتنا مكانتها ولشعبنا كرامته.