هل يمكن صد الاندفاعة «الترامبية»؟ ..

مهند-عبد-الحميد
حجم الخط
 
بقيت مواقف ترامب المتطرفة على حالها بعد استلامه مقاليد البيت الأبيض، ويتضح أن الترامبية جدية في تغيير قواعد اللعبة الداخلية والخارجية، تماشياً مع التوحش الاقتصادي الذي أفرز الظاهرة السياسية "الترامبية".
 
 قبل خطاب التدشين اعتقد كثيرون أن ترامب سيمتثل للمؤسسة الأميركية، بعد الخطاب أظهر ترامب عزمه على تطويع المؤسسة لسياسته. غير أن الاحتجاجات الضخمة غير المسبوقة دشنت صراعاً جديداً داخل أميركا وخارجها. وسيترتب على هذا الصراع نجاح أو فشل الترامبية الأميركية وامتداداتها في أوروبا ودول أُخرى، إضافة إلى حلفائها والأنظمة التي أبدت استعداداً للسير في فلكها.
 
 هل ينجح ترامب في تطويع المؤسسة وتغيير قواعدها كحد أقصى، أم سيكتفي بإدخال تعديلات على بنيتها ومواقفها بما يخدم نسبياً مواقفه المتطرفة كحد أدنى؟ مقابل ذلك هل تنجح المؤسسة في تطويع الترامبية؟ النتيجة بمستوياتها الثلاثة ستتقرر على أرض الصراع داخل وخارج أميركا. 
 
ما أن دخل ترامب البيت الأبيض وألقى خطاب استلام السلطة حتى خرج مئات الآلاف من الأميركيين والأميركيات في معظم الولايات ينددون بسياسته الاستفزازية، ويحولون قوله "انه يسلم السلطة الى الشعب إلى نكتة"، وذلك حين كان المحتجون أضعاف المحتفلين باستلامه مقاليد الحكم. وترافقت الاحتجاجات الأميركية باحتجاجات في العديد من دول العالم وبخاصة في الدول الأوروبية. مقابل ذلك، عبرت أحزاب اليمين المتطرف خارج وداخل الولايات المتحدة عن غبطتها بفوز ترامب، فقد عقدت أحزاب اليمين العنصري ( حزب البديل من أجل ألمانيا بزعامة فرواكز بيتري وحزب الجبهة الوطنية في فرنسا بزعامة مارين لوبان وغيرهما) مؤتمراً لها في كوبنلز غرب ألمانيا، كان هدفه تشكيل جبهة موحدة من أجل أوروبا جديدة، فضلاً عن الاحتفاء بتتويج ترامب رئيساً لأميركا. 
 
اليمين القومي الديني الإسرائيلي الذي يشكل جزءاً من الظاهرة الترامبية، احتفى بتتويج ترامب على طريقته الخاصة، حين أراد اغتنام تبدل الحكم الأميركي لشطب فكرة الدولة الفلسطينية ضمن مسلسل من الخطوات والإجراءات، بدءاً بضم مستعمرة معاليه أدوميم يليها ضم تجمع مستعمرات كفار عصيون، ثم مستعمرة كريات اربع وأريئيل، وصولاً الى ضم 60% من الضفة الغربية – مناطق سي- ، وإطلاق موجات مضاعفة من الاستيطان في الضفة الغربية وفي مدينة القدس الشرقية على نحو خاص. هدف حكومة اليمين الإسرائيلي تدمير كل ما تبقى من مقومات حل الدولة الفلسطينية وفرض سيادة دولة الاحتلال على كل الأراضي الفلسطينية،  و"تقرير" مصير الشعب الفلسطيني من طرف واحد، في بنتوستونات فصل عنصري محاطة بقبضة أمنية محكمة تدار ذاتياً بسلطة حكم ذاتي تابعة لدولة الاحتلال. 
 
يتسابق أركان حكومة نتنياهو على تقديم المشاريع التي تصب في الهدف المركزي المذكور، محاولة الإفادة من وعود ترامب ومن مواقفه المتجانسة مع مواقفهم. أرادوا أن تكون نقطة البداية ضم معاليه أدوميم ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. لكن الخطوات أرجئت إلى ما بعد اجتماع ترامب – نتنياهو في واشنطن في شهر شباط المقبل، إرجاء الخطوات والاجراءات يعود الى زخم المعارضة التي جوبه بها ترامب داخلياً وخارجياً بعد هجومه على كل الجبهات التي بادلته الهجوم.
 
 قد تكون جبهة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تحتاج إلى استعدادات أكثر، نظراً للتداعيات المحتملة لكل إجراء إسرائيلي أميركي جديد، فالوضع العربي الشعبي الساكن قد يتحرك بفعل تلك الإجراءات وبخاصة نقل السفارة الأميركية للقدس. وفي هذه الحالة قد يتضعضع موقف بعض الدول العربية التي توافقت مع سياسة ترامب ومع التحالف غير المعلن مع نتنياهو في مواجهة إيران. والاهم ان النضال الفلسطيني ضد الاحتلال سيكون مرشحا للاندماج مع النشاط والاحتجاجات المناهضة للترامبية على صعيد كوني. 
 
لذا، فإن مواقف ترامب ستتأثر بالمواقف الرسمية والشعبية العربية والفلسطينية، فإذا نما تقدير لدى دوائر اتخاذ القرار الترامبية، أن نقل السفارة الأميركية ودعم إجراءات تدمير ما تبقى من مقومات حل الدولة الفلسطينية، سيمر بدون خسائر كبيرة وبدون اعتراضات وردود فعل كبيرة، فإن إدارة ترامب ستوفر الغطاء والشراكة دون تردد. الموقف الرسمي العربي ينتمي حتى الآن إلى اللا مبالاة والصمت المريب، وهذا يشجع  تحالف ترامب- نتنياهو على المضي بسياستهما العدمية من القضية الفلسطينية وفي تجاهلهما للحقوق الوطنية والمدنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي رفضهما للقانون والشرعية الدوليين.
 
الموقف الفلسطيني يستطيع التأثير في الموقف العربي الرسمي والشعبي في قضية مصيرية بهذا المستوى. يستطيع تحديداً نقل الموقف العربي الرسمي من حالة الصمت المريب إلى تحديد موقف صريح. على سبيل المثال لماذا لا تطالب فلسطين باجتماع لوزراء الخارجية العرب، بهدف اتخاذ موقف صريح من نقل السفارة الأميركية ومن تداعيات مثل هذا القرار على العلاقات الأميركية العربية، وموقف مماثل من نقل أراض فلسطينية الى دولة الاحتلال الإسرائيلي. 
 
إن الموقف العربي الرسمي المسبق الذي لسان حاله يقول بأن إدارة ترامب ستدفع ثمناً لموقفها العدائي من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، قد يساهم في كبح الاندفاعة الترامبية، وفي أقل تقدير سيشكل عائقا أمامها، والعكس صحيح، فإن الصمت يشجع إجازتها وتسهيل مرورها.
 إن مواقف عربية وإسلامية وعالمية رسمية استباقية لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ولضم أراض فلسطينية مقامة فوقها مستعمرات إلى دولة الاحتلال، سيؤثر في النتيجة. 
 
إزاء المواقف الرسمية المترددة، فإن الموقف الشعبي الفلسطيني الرافض والمقاوم للإجراءات الإسرائيلية الترامبية يكتسب أهمية استثنائية في هذه اللحظة المصيرية الحرجة. هذا وقت تحديد المواقف  وترجمتها إلى أفعال من قبل الأحزاب والتنظيمات والنقابات والاتحادات الشعبية والمهنية والمنظمات النسوية والشبيبية والمنظمات غير الحكومية والنخب الثقافية والأكاديمية والإعلامية والشخصيات الوطنية والاعتبارية. هذا وقت تدخل المجتمع المدني الفلسطيني الذي سيترتب عليه انضمام المجتمعات المدنية في دول عربية، وسيترتب عليه التأثير في المواقف الرسمية، وفي الاندماج في النضال الكوني ضد الترامبية. 
 
نحن الآن بصدد موقف رسمي وشعبي استباقي  اعتراضي هدفه إحباط القرارات الأميركية الإسرائيلية، وفي حالة الإخفاق فإننا سنكون بصدد مواقف وإجراءات ضد دولة الاحتلال وإدارة ترامب.