بينما ينظر العالم إلى ما قد يفعله الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وينظر كثيرون إلى ما قد يحدث في المشهد الفلسطيني بعد هذا الرئيس، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تسجيلا جديدا موجها للشعب الإيراني، يتحدث فيه -بالإنجليزية ومترجم إلى الفارسية- عن حق الإيرانيين في الحرية من استبداد حكامهم.
بينما تحرك مسؤولون إسرائيليون في روح تشبه من خرج منتصرا من حرب ويريد أن يصنع عالما جديداً، فأراد المستوطنون ووزراؤهم ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، أو على الأقل ضم جزء من المستوطنات، بدا نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان كمن يتمهل ويتعقل، على غير العادة. لكن السبب رسائل من أطراف أميركية تكبح جماح الإسرائيليين، إلى حين على الأقل؛ ولأنّ نتنياهو ربما يريد القدس والضفة الغربية ولكنه يريد أن يجرب سياسة تعزز نفوذه إقليميا ودوليا. ولأنه يستعد لشن حرب أكبر كثيراً من التي يتخيل نفتالي بينيت وما يسمى رئيس بلدية القدس نير بركات، أنهما كسباها.
إذ بينما أعلنت بلدية القدس عن البدء بإقامة مئات الوحدات السكنية في القدس الشرقية، ومشاريع بنحو 11 ألف شقة خلال الأعوام القليلة المقبلة، ودعا المستوطنون، وقائد حزب "البيت اليهودي"، وزير التربية والتعليم، الذي يرفع شعار الاستيطان، بينيت، إلى ضم مستوطنة "معاليه أدوميم"، وطالبوا نتنياهو أن يقرر "السيادة أو فلسطين"، في إشارة إلى ضرورة إنهاء أي تفكير بمسألة الدولة الفلسطينية، فإنّ فيديو نتنياهو الفارسي يعكس رغبته في أنّ تكون شراكته مع ترامب أكبر من مجرد الضفة الغربية والمستوطنات.
في ما يواجه نتنياهو تحقيقا قضائيا بتهم تلقّيه وزوجته رشاوى وهدايا، فإنّ المستوى السياسي الإسرائيلي يصمت تقريبا عن التعليق على الأمر، ولا أحد يحاول استثمار الأمر سياسياً. وهو أمر ربما يعكس بين أمور أخرى، أن "بيوت هؤلاء من زجاج"؛ أي لديهم فضائحهم المستورة أيضاً، وهذا يعزز ربما شعور نتنياهو بقوته داخليا، باعتباره "ملك إسرائيل" كما يلقبه أنصاره. وبدل مهاجمته بسبب شأن داخلي وشخصي، فإنّ الجبهة التي فتحها سياسيون من أمثال بينيت تتعلق بضرورة استغلال الفرصة التي تلوح لأول مرة منذ خمسين عاما، على حد تعبيره، لضم باقي الأراضي الفلسطينية التي يسميها باسم عبري (يهودا والسامرة). لكن عندما جلس بينيت مساء الأحد في جلسة المجلس الوزاري الأمني المصغر، تراجع عن طلب التصويت سريعا على ضم مستوطنة "معاليه أدوميم". وقالت مصادر حزبه للإعلام إن الإدارة الأميركية أرسلت تطلب التمهل في مثل هذه القرارات إلى ما بعد اجتماع ترامب–نتنياهو الشهر المقبل. ويعلم بينيت أنه ربما يحقق شعبية بين المستوطنين بمطالبه، ولكنه يمنح نتنياهو أيضاً فرصة أن يبدو معتدلا أمام العالم الخارجي.
قال زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، وزير الدفاع، وهو يتحدث يوم الأحد الماضي، مع ديفيد بيترايوس، رئيس الاستخبارات الأميركية السابق، إنّ التوصل لاتفاقية ثنائية مع الفلسطينيين غير ممكن، ولا بد من إطار إقليمي لحل الصراع. وربما يكون بيترايوس أحد المكلفين، أو المتبرعين، بتقديم النصح لنتنياهو وليبرمان بعدم استعجال قطف ثمار فوز ترامب؛ على شكل مستوطنات وقرارات ضم للضفة الغربية. لكن الأهم أن منطق ليبرمان يعبر أيضاً عن التطلع لما هو أبعد من الضفة الغربية.
ناقش نتنياهو في حديثه الهاتفي مع ترامب الأحد الماضي، عدا الموضوع الفلسطيني، موضوعي إيران و"الإرهاب الإسلامي" الذي أشار إليه ترامب في خطاب تنصيبه، يوم الجمعة الماضي. ويدرك نتنياهو أنّ الموضوع مع طهران ليس بالحدة أو الأهمية التي يذكرها، ويعلم أن أصدقاءه الروس الذين ينسقون معه عملهم ونفوذهم في سورية، قناته مع الإيرانيين. لكن فائدة تركيز الأضواء على الإرهاب وإيران أنه، أولا، يجعل إسرائيل كما لو كانت معرضة لخطر من هؤلاء، وثانيا، بهذه الحالة تتعزز صورة إسرائيل كشريك إقليمي ضد هؤلاء. وثالثا، تصبح موضوعات الاستيطان والقدس والفلسطينيين هامشية بالنسبة للإدارة الأميركية والعالم، فيقل أي اهتمام أميركي بما قد يقوم به الإسرائيليون، وسيدافعون عنهم باعتبارهم الشريك في ملفات أكبر (إيران والإرهاب)، وأكثر من ذلك تزداد المحاولات لتطبيع الوجود الإسرائيلي في المنطقة بداعي ترتيب الوضع الإقليمي بغض النظر عن المسألة الفلسطينية، وتزداد محاولات تهميش القضية الفلسطينية دوليا وإقليميا وعربيا من قبل واشنطن والإسرائيليين، على اعتبار أن هناك أخطارا عاجلة أكثر.
عن الغد الادرنية