نقرأ ونسمع منذ يومين أنّ دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة قد أعلنت عن صدور حُكمين غيابيّين منفصلين من محكمة الجنايات المُتخصّصة بقضايا النزاهة بالسجن مدة سبع سنوات وحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من المسؤولين السابقين في جمعية الهلال الأحمر العراقية عن تهم بفساد إداري ومالي.
ومع أنّ الحكم قد اكتسب الدرجة القطعية فإن الهيئة تكتفي بالإشارة الى المحكومين الفارّين بـ (س.أ.ح) و(م.ع.س) و(و.ع.ح) و(ع.ع.ع) و(خ.ع.ع) من دون تبيان السبب لإغفال أسماء المحكومين.
ونقرأ ونسمع أيضاً في الوقت ذاته أنّ الدائرة نفسها كشفت عن صدور حكم غيابي أيضاً بالسجن عشر سنوات على مدير مصرف جلولاء في محافظة ديالى بتهمة اختلاس أكثر من أربعة مليارات دينار(3.4 مليون دولار أميركي). وتحجم الدائرة عن تسمية المحكوم المختلس، مكتفية برمزه (ع. ر.ع).
ومرّة ثالثة نقرأ ونسمع أنّ الدائرة ذاتها أعلنت عن تمكّـنها من استرجاع مبالغ مالية زادت على المليار ونصف المليار دينار ( 1.25 مليون دولار) إلى خزينة الدولة كانت مسروقة من مصرف الرافدين - فرع التآخي الحكومي من خلال تحرير صكوك من دون رصيد، وأن السارق هو (ف.ح. س) .
ونقرأ ونسمع في الوقت عينه أن مكتب المفتش العام لوزارة المالية قد كشف عن أكثر من 3500 متقاعد يتقاضون أكثر من راتب تقاعدي خلافاً لقانون التقاعد المدني الموحد، ولم نقرأ أو نسمع أية أسماء.
هو جهد مشكور في إطار مكافحة الفساد الإداري والمالي، وإن كان يتركز على القضايا الصغيرة جداً التي بالمقارنة مع قضايا الفساد الملياريّة (بالدولار) لا تعادل في قيمتها قيمة الفول السوداني، بحسب التعبير الإنجليزي الشهير(peanuts)، لكن لماذا الإصرار على التحفّظ على الأسماء في قضايا الفساد الإداري والمالي؟
ذات مرّة قرأتُ تبريراً من أحد أعضاء السلطة القضائيّة مفاده أنّ هؤلاء لديهم عائلات يمكن أن تلحقَ بها أضرار مادية ومعنوية إذا ما أُعلنت أسماؤهم!
لا أظنّه رأياً سديداً.. في كل أنحاء العالم عندما يصدر حكم قضائي على متّهم يُعلَن اسمه للجمهور أيّاً كانت الجريمة المُرتكبة وأيّاً كان المُرتكِب، بل عادة ما يُكشف عن الاسم في المراحل الأولى للتحقيق.
سياسة عدم إذاعة أسماء المحكوم عليهم في قضايا الفساد الإداري والمالي لا تخدم ستراتيجية مكافحة هذه الظاهرة .. بسياسة كهذه سيطمئنُّ الفاسدون السابقون واللاحقون إلى أنهم لن يتضرروا من فسادهم مادام القضاء وهيئة النزاهة ومكاتب المفتش العام حريصة على عدم فضحهم.
السؤال: إذا كان الفاسد نفسه لا يُبالي بعواقب فساده عليه وعلى عائلته، ومنها الفضيحة والعقاب، لماذا الدولة تبالي نيابة عنه؟
السؤال الآخر: لماذا تنتهج هذه السلطات سياسة المعايير المزدوجة في هذا الخصوص بحجبها أسماء الغالبية العظمى من المحكومين بتهم الفساد الإداري والمالي ولا تفعل ذلك عندما يتعلّق الأمر بقضايا ثبت لاحقاً أنها كيدية والتهم مُسيَّسة ؟ .. قضيّتا محافظ البنك المركزي السابق د. سنان الشبيبي ووزير الاتصالات والنائب السابق محمد توفيق علاوي، مجرّد مثال واحد..!!
عن المدى لعراقية