بعد شهر ونصف تقريباً يكون عمر الانقسام الفلسطيني قد تجاوز الثمانية أعوام، وسط حالة صعبة ومؤلمة تصيب كل الجسد الفلسطيني، من رأسه إلى أخمص قدميه، وفي ظل تطورات دراماتيكية تلقي بظلالها السلبية على كامل المشروع الوطني الفلسطيني.
قبل أيام كنا على موعد مع فصل جديد من فصول تكريس الانقسام، حيث تواصل هذا المسلسل الطويل بمغادرة حكومة الوفاق الوطني من قطاع غزة، تزامن معه سن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ"حماس" في المجلس التشريعي، قانون التكافل الاجتماعي الذي ليس له علاقة أبداًَ بأي نوع من أنواع التكافل.
هذه الإجراءات الجديدة مرتبطة دائماً بوضع "حماس" على الأرض، فكلما شعرت بأنها قوية وتستمد هذه القوة من الخارج، تقوم باختراع إجراءات لنسف عملية المصالحة والمضي قدماً نحو تحقيق الوحدة الوطنية، وكلما شعرت بأنها ضعيفة ولا ظهر لها، تجدها تتحدث بتصريحات ناعمة تتغزل بالوحدة ومستقبل المصالحة.
قانون التكافل الاجتماعي هذا جاء على خلفية صعوبة في السيولة النقدية لدى حكومة "حماس"، الأمر الذي جعلها تبحث عن مورد لتغطية نفقاتها، وكالعادة يتحمل المواطن الفلسطيني ثمن كل شيء، ثمن الانقسام وثمن نزيف الدم وثمن الحياة الصعبة.
مثل هذا القانون يحمل دلالات كثيرة، أولها أنه يؤكد على سلطة "حماس" في قطاع غزة، وأن لها مشروعا خاصا فيها تقوده على كيفها وكما يحلو لها، فضلاً عن كونه ينتقص من دور حكومة الوفاق الوطني ويعترض على نشاطاتها وعلى كل ما يتعلق بتحريك ملف المصالحة.
إذا قبل المواطن الفلسطيني بهذا القانون، فيعني ذلك أنه أمام قوانين أخرى قد تستهدف حريته وسلوكه اليومي، وكم حاولت حركة "حماس" منذ سنوات أسلمة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وهي اليوم تحاول إيجاد مورد اقتصادي يخفف عن ثقل ميزانيتها.
قد يكون لمثل هذه الإجراءات الحمساوية علاقة بتفكير الحركة نحو إيجاد خيارات تمكنها من المداومة على التحكم بقطاع غزة، ففي حين تختلف مع حكومة الوفاق الوطني ولا تعمل بشكل حقيقي من أجل إيجاد الحد الأدنى من توافقات بين الطرفين، فهذا ربما يقود إلى وجود موال لدى "حماس".
ثمة أحاديث عن وساطات دولية تنسق مع "حماس" من أجل تثبيت هدنة مع إسرائيل لخمسة عشر عاماً، مقابل تخفيف الحصار عن قطاع غزة وإنشاء ممر بحري، ومثل هذا الطرح ليس بعيداً عن التنفيذ، خصوصاً وأن "حماس" ملتزمة بالأصل في هدنة مع إسرائيل.
ليس المعنى التزاما ثنائيا معلنا بين الحركة الحمساوية وإسرائيل، إنما هي هدنة غير معلنة ولعلها تتصل بظرف كل طرف، ذلك أن العدوان الإسرائيلي الأخير في صيف العام الماضي، توقف عن قطاع غزة، ولم يحدث بعد ذلك أي نشاط مقاوم فلسطيني مستفز ويقلق تل أبيب.
ثم إن إسرائيل يهمها الاتفاق مع "حماس" على هدنة طويلة الأجل، لأنه في الأساس سيسمح باستمرار الانقسام، وسيخدم تل أبيب التي يسعدها كثيراً مثل هذا الانفصال السياسي والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، والأهم سيعني تنفيذ مشروعات يهودية خطيرة تهدد سلامة القضية الفلسطينية.
أضف إلى ذلك أن الانقسام يفعل مفاعيل كثيرة، أخطرها أنه يهدد الوجود الفلسطيني، وأقرب مثل على ذلك النموذج السوري الذي يجسد وجود أقطاب مختلفة تتقاتل فيما بينها، بينما تضيع سورية أرضاً وشعباً وتتخلف عن ركب التنمية والتطور لسنوات طويلة.
ومع أن النموذج السوري لا ينطبق تماماً على الحالة الفلسطينية، بحكم التدخلات الخارجية الكثيرة في الملف السوري، إلا أن النتيجة واحدة، تتصل بضياع شعب بأكمله، والحقيقة أن من يتحمل فاتورة الانقسام هو الشعب الفلسطيني، والدلائل كثيرة.
قبل يومين خرجت مظاهرات لنشطاء ما يسمى 29 نيسان، ساروا في شوارع غزة وتوقفوا عند حي الشجاعية الذي تعرض لزلال إسرائيلي عدواني عنيف، ومن هناك أكدوا على ضرورة الوحدة الوطنية ورفعوا لافتات كتب عليها "فلسطين للجميع"، "خذوا الكراسي وسيبولنا الشعب".
المظاهرة قوبلت بعنف من قبل العناصر الأمنية التي اعتقلت عدداً من المتظاهرين وأصابت البعض منهم، وثمة رواية تقول إن مندسين توزعوا بين المتظاهرين وحرفوا المظاهرات عن مسارها، ما أدى إلى حصول اشتباك بين المتظاهرين، الأمر الذي جعل العناصر الأمنية تتدخل من أجل فض الاشتباك.
في كل الأحوال وبصرف النظر عن صدقية مثل هذه الرواية، لا ينبغي لحركة "حماس" ولا عناصرها، أن يصادروا حقوق الناس في التعبير عن رأيهم، وأكثر ما كان يستلزم على الأجهزة الأمنية فعله، هو التأكد من سلامة التظاهرة طالما أنها قانونية وحدثت بعلم السلطات الحمساوية.
مثل هذا التصرف غير المسؤول يقدم دلالة واضحة بأن "حماس" قادرة على التصدي لأي فعل فلسطيني ناقد لسياساتها، وهو رسالة لأهالي غزة بأنهم أمام حركة صارمة في ضبط الأمن على طريقتها وحسب مقاساتها، وأنه لا يوجد أي بديل آخر على الساحة الفلسطينية لحكم غزة غير نموذج "حماس".
المواطن الفلسطيني يفكر الآن كيف سيؤثر قانون التكافل الاجتماعي على "جيبته"، مع العلم أنه سيتحمل التكاليف الزائدة التي سيفرضها التاجر بكل الأحوال على البضائع الثانوية، وهذا المواطن يفكر ويفكر كثيراً في وضعه الاجتماعي أكثر من أي فعل يتعلق بمقاومة الاحتلال.
لعل عدم سرعة استجابة الناس لمثل هذه الإجراءات الحمساوية، متعلق بعاملين، الأول أن الانقسام بين الفصائل يؤثر على العلاقات الاجتماعية، ويسمح بوجود تعددية انقسامية مجتمعية، وثانياً يلاحظ أن "حماس" لا تتعامل مع أي مظاهر انتقادية برحمة، وهذا يجعل المواطن يفكر ويقيم ألف حساب لأي نشاط اعتراضي على خط الحكومة الحمساوية.
الأمر يتطلب مراجعة فصائلية يسارية وفتحاوية وغيرها، تلزم "حماس" بتجسيد أو الخضوع السلمي لمنطق الشراكة الوطنية، أو الذهاب نحو عصيان فصائلي مجتمعي مدني يضع الجميع في مربع تكامل العلاقات الوحدوية الوطنية، لإعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني الذي مسه الانقسام بشكل مباشر.
كل فصيل يحتاج إلى مراجعة نقدية لسياساته وهذا يشمل حركة "فتح" التي أدى ضعفها إلى استبعادها قسرياً عن غزة، وبدون مثل هذه المراجعة وتوجيهها لتعطيل الانقسام واستعادة الوحدة، فإننا أمام مشروعات لتصفية القضية والوجود الفلسطيني.
قبل أيام كنا على موعد مع فصل جديد من فصول تكريس الانقسام، حيث تواصل هذا المسلسل الطويل بمغادرة حكومة الوفاق الوطني من قطاع غزة، تزامن معه سن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ"حماس" في المجلس التشريعي، قانون التكافل الاجتماعي الذي ليس له علاقة أبداًَ بأي نوع من أنواع التكافل.
هذه الإجراءات الجديدة مرتبطة دائماً بوضع "حماس" على الأرض، فكلما شعرت بأنها قوية وتستمد هذه القوة من الخارج، تقوم باختراع إجراءات لنسف عملية المصالحة والمضي قدماً نحو تحقيق الوحدة الوطنية، وكلما شعرت بأنها ضعيفة ولا ظهر لها، تجدها تتحدث بتصريحات ناعمة تتغزل بالوحدة ومستقبل المصالحة.
قانون التكافل الاجتماعي هذا جاء على خلفية صعوبة في السيولة النقدية لدى حكومة "حماس"، الأمر الذي جعلها تبحث عن مورد لتغطية نفقاتها، وكالعادة يتحمل المواطن الفلسطيني ثمن كل شيء، ثمن الانقسام وثمن نزيف الدم وثمن الحياة الصعبة.
مثل هذا القانون يحمل دلالات كثيرة، أولها أنه يؤكد على سلطة "حماس" في قطاع غزة، وأن لها مشروعا خاصا فيها تقوده على كيفها وكما يحلو لها، فضلاً عن كونه ينتقص من دور حكومة الوفاق الوطني ويعترض على نشاطاتها وعلى كل ما يتعلق بتحريك ملف المصالحة.
إذا قبل المواطن الفلسطيني بهذا القانون، فيعني ذلك أنه أمام قوانين أخرى قد تستهدف حريته وسلوكه اليومي، وكم حاولت حركة "حماس" منذ سنوات أسلمة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وهي اليوم تحاول إيجاد مورد اقتصادي يخفف عن ثقل ميزانيتها.
قد يكون لمثل هذه الإجراءات الحمساوية علاقة بتفكير الحركة نحو إيجاد خيارات تمكنها من المداومة على التحكم بقطاع غزة، ففي حين تختلف مع حكومة الوفاق الوطني ولا تعمل بشكل حقيقي من أجل إيجاد الحد الأدنى من توافقات بين الطرفين، فهذا ربما يقود إلى وجود موال لدى "حماس".
ثمة أحاديث عن وساطات دولية تنسق مع "حماس" من أجل تثبيت هدنة مع إسرائيل لخمسة عشر عاماً، مقابل تخفيف الحصار عن قطاع غزة وإنشاء ممر بحري، ومثل هذا الطرح ليس بعيداً عن التنفيذ، خصوصاً وأن "حماس" ملتزمة بالأصل في هدنة مع إسرائيل.
ليس المعنى التزاما ثنائيا معلنا بين الحركة الحمساوية وإسرائيل، إنما هي هدنة غير معلنة ولعلها تتصل بظرف كل طرف، ذلك أن العدوان الإسرائيلي الأخير في صيف العام الماضي، توقف عن قطاع غزة، ولم يحدث بعد ذلك أي نشاط مقاوم فلسطيني مستفز ويقلق تل أبيب.
ثم إن إسرائيل يهمها الاتفاق مع "حماس" على هدنة طويلة الأجل، لأنه في الأساس سيسمح باستمرار الانقسام، وسيخدم تل أبيب التي يسعدها كثيراً مثل هذا الانفصال السياسي والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، والأهم سيعني تنفيذ مشروعات يهودية خطيرة تهدد سلامة القضية الفلسطينية.
أضف إلى ذلك أن الانقسام يفعل مفاعيل كثيرة، أخطرها أنه يهدد الوجود الفلسطيني، وأقرب مثل على ذلك النموذج السوري الذي يجسد وجود أقطاب مختلفة تتقاتل فيما بينها، بينما تضيع سورية أرضاً وشعباً وتتخلف عن ركب التنمية والتطور لسنوات طويلة.
ومع أن النموذج السوري لا ينطبق تماماً على الحالة الفلسطينية، بحكم التدخلات الخارجية الكثيرة في الملف السوري، إلا أن النتيجة واحدة، تتصل بضياع شعب بأكمله، والحقيقة أن من يتحمل فاتورة الانقسام هو الشعب الفلسطيني، والدلائل كثيرة.
قبل يومين خرجت مظاهرات لنشطاء ما يسمى 29 نيسان، ساروا في شوارع غزة وتوقفوا عند حي الشجاعية الذي تعرض لزلال إسرائيلي عدواني عنيف، ومن هناك أكدوا على ضرورة الوحدة الوطنية ورفعوا لافتات كتب عليها "فلسطين للجميع"، "خذوا الكراسي وسيبولنا الشعب".
المظاهرة قوبلت بعنف من قبل العناصر الأمنية التي اعتقلت عدداً من المتظاهرين وأصابت البعض منهم، وثمة رواية تقول إن مندسين توزعوا بين المتظاهرين وحرفوا المظاهرات عن مسارها، ما أدى إلى حصول اشتباك بين المتظاهرين، الأمر الذي جعل العناصر الأمنية تتدخل من أجل فض الاشتباك.
في كل الأحوال وبصرف النظر عن صدقية مثل هذه الرواية، لا ينبغي لحركة "حماس" ولا عناصرها، أن يصادروا حقوق الناس في التعبير عن رأيهم، وأكثر ما كان يستلزم على الأجهزة الأمنية فعله، هو التأكد من سلامة التظاهرة طالما أنها قانونية وحدثت بعلم السلطات الحمساوية.
مثل هذا التصرف غير المسؤول يقدم دلالة واضحة بأن "حماس" قادرة على التصدي لأي فعل فلسطيني ناقد لسياساتها، وهو رسالة لأهالي غزة بأنهم أمام حركة صارمة في ضبط الأمن على طريقتها وحسب مقاساتها، وأنه لا يوجد أي بديل آخر على الساحة الفلسطينية لحكم غزة غير نموذج "حماس".
المواطن الفلسطيني يفكر الآن كيف سيؤثر قانون التكافل الاجتماعي على "جيبته"، مع العلم أنه سيتحمل التكاليف الزائدة التي سيفرضها التاجر بكل الأحوال على البضائع الثانوية، وهذا المواطن يفكر ويفكر كثيراً في وضعه الاجتماعي أكثر من أي فعل يتعلق بمقاومة الاحتلال.
لعل عدم سرعة استجابة الناس لمثل هذه الإجراءات الحمساوية، متعلق بعاملين، الأول أن الانقسام بين الفصائل يؤثر على العلاقات الاجتماعية، ويسمح بوجود تعددية انقسامية مجتمعية، وثانياً يلاحظ أن "حماس" لا تتعامل مع أي مظاهر انتقادية برحمة، وهذا يجعل المواطن يفكر ويقيم ألف حساب لأي نشاط اعتراضي على خط الحكومة الحمساوية.
الأمر يتطلب مراجعة فصائلية يسارية وفتحاوية وغيرها، تلزم "حماس" بتجسيد أو الخضوع السلمي لمنطق الشراكة الوطنية، أو الذهاب نحو عصيان فصائلي مجتمعي مدني يضع الجميع في مربع تكامل العلاقات الوحدوية الوطنية، لإعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني الذي مسه الانقسام بشكل مباشر.
كل فصيل يحتاج إلى مراجعة نقدية لسياساته وهذا يشمل حركة "فتح" التي أدى ضعفها إلى استبعادها قسرياً عن غزة، وبدون مثل هذه المراجعة وتوجيهها لتعطيل الانقسام واستعادة الوحدة، فإننا أمام مشروعات لتصفية القضية والوجود الفلسطيني.