"حاول أن تكون رجلا يستحق هذا المنصب" هذا ما كتبه مواطن أمريكي على لافتة رفعها اثناء توجه الرئيس الأمريكي "ترامب" الى البيت الأبيض، حالة القلق التي يعيشها هذا المواطن الأمريكي يشاركه فيها ملايين الأمريكيين وأضعافهم من خارج أمريكا، الخوف الذي ينتاب الجميع من وصول "ترامب" إلى المكتب البيضاوي نابع من يقينهم بأنه يأخذ بناصية أمريكا إلى المجهول، ولن تكون مناطق أخرى بعيدة عن أمريكا بمنأى عن اهتزازات تصيبها بفعل "ترامب" الخارج عن المألوف، لم تكن تصريحاته المثيرة للجدل أثناء حملته الانتخابية هي فقط ما تبعث على القلق، بل العقلية التجارية التي سيحملها معه إلى المكتب البيضاوي القائمة على الربح والخسارة من منظورها المادي.
عقلية التاجر البلطجي تواجدت في الكثير من أفكاره، فهو يريد أن يبني جدارا على حدود أمريكا مع المكسيك لمنع عمليات التهريب والتسلل ويريد للمكسيك أن تتحمل نفقاته، ينوي محاربة "الإرهاب الاسلامي" وتتحمل دول الخليج التكلفة، الواضح أن المطالبات المالية والفواتير التي يجب على العديد من دول العالم تسديدها لخزينة البيت الأبيض ستكون هي الشغل الشاغل له، لن تتحرك حاملة طائرات أمريكية من مكان إلى آخر إلا ويسبقها مطالبة مالية من هذه الدولة أو تلك، قد تكون الادارات الأمريكية المتعاقبة قد فعلت الشيء ذاته على مدار السنوات السابقة بشيء من اللباقة، ترامب لا تؤرقه البتة صفة التاجر الجشع ولن يسعى لتجميل وجه السياسة الخارجية البشع.
بالمقابل هل يحق لنا أن نذهب في تخوفاتنا من "ترامب" وإدارته إلى هذا الحد؟، وهل سلفه ومن سبقه قدم لنا شيئاً يمكن لنا أن نتباكى عليه؟، ألم يخاطب "اوباما" من على منبر جامعة القاهرة العالم الاسلامي بموعظة انسانية وأخلاقية دفعتنا لأن نصفق له ونتوسم فيه خيراً وكأنه الناسك القادم الينا لنشر الحرية والعدالة؟، ألم تكن إدارة أوباما صاحبة الملكية الحصرية للفوضى الخلاقة التي تجرعناها بمفهوم "الربيع العربي" فدمرت مقدراتنا وأحالت العديد من الدول العربية إلى حلبة قتال يتدفق منها الدم العربي؟، لماذا نغضب من تصريحات ترامب البلطجية ألم تكن ادارة اوباما هي من سنت قانوناً لها " قانون جاستا"؟، ما الذي فعله اوباما للقضية الفلسطينية على مدار ثمان سنوات بالتمام والكمال، وهل امتناعه عن التصويت في مجلس الأمن، حول القرار المتعلق بالاستيطان قبل أيام من مغادرته للبيت الأبيض، يمكن أن يكفر به عن صمته حيال التوسع الاستيطاني لدولة الاحتلال خلال سنوات حكمه أو صمته حيال المجازر التي ارتكبها الاحتلال في عدوانه على غزة؟.
اثناء السباق المحموم للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لم تخف دولة الاحتلال قلقها من ترامب، ودفعت بكل ما تملكه من نفوذ داخل أمريكا لدعم منافسته هيلاري كلينتون، لكن دولة الاحتلال لا تضيع الوقت فسارعت للتقرب من الرئيس المنتخب في الوقت الذي انشغل فيع العرب بضرب أخماسهم في اسداسهم خوفاً وفزعاً من ترامب، هل كنا نود أن تلحق هيلاري كلينتون هزيمة ساحقة بمنافسها كي نقيم الليالي الملاح لها؟، ألم تكن تصريحاتها ابان الحملة الانتخابية أكثر حميمة لدولة الاحتلال من منافسها؟.
قد يكون ترامب صاحب الوجه العدائي أكثر صلافة من سابقيه، وقد يعتبره البعض ثوراً دخل محلاً للخزف أو مقاولاً على مقعد الرئاسة، لكنه على الأقل لن يبيعنا وهماً كما فعل سلفه، ولن يسوق لنا سراباً كي يمنح دولة الاحتلال المزيد من الوقت لخلق وقائع على الأرض تنسف بها حل الدولتين.