عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية- رئيس دائرة العلاقات الدولية
يمثل جورج حبش شخصية المناضل الذي عدل بوصلته لتشير إلى فلسطين أينما حل مناضلاً وارتحل فدائياً، كانت فلسطين هاجسه الأكبر وشكل حلم العودة إليها أكبر الأهداف التي عمل لها، في مختلف أطوار النضال التي مر بها، أو كان محركًا فاعلًا في إذكائها، كما كانت فلسطين سره المقدس، وسبب معيشته في السر وتغييبه في السجون والمعتقلات.
آمن بالثورة كأحد سبل الفلسطيني للخلاص من القيد والخيمة، آمن بفلسطين الفكرة؛ فعدلت فلسطين مرتكزات إيمانه وأفكاره وقولبته إسلامي التربية مسيحي الديانة اشتراكي الانتماء، لذلك لم تتناقض روحه الثورية بين وطنيته الفلسطينية وقوميته العربية مع أمميته العالمية.
لم يكن لقب "حكيم الثورة" الذي عرف به حبش آتيًا من تجربته وحكمته فقط، بل كان أيضًا نابعًا من إيمانه العميق بأهمية التعلم المستمر، واكتساب التجارب ودراستها وتحليلها للاستفادة منها، وكان دائم الترديد لقول ماوتسي تونغ: " حتى تكون معلما جيد عليك ان تكون متعلماً جيدًا".
المفكر والقائد القومي
قدم الحكيم وعبر فكره المستنير إضافات فكرية لم يكن يحبسها الورق بين دفات كتبه فقط، بل شكلت مساهمات جبارة في إنشاء حركة القوميين العرب، عن طريق تجميع شتات الشباب المشبع بالفكر القومي في تيار واحد، عبر نشاطه في كل من "جمعية العروة الوثقى" في الجامعة الأمريكية في بيروت و"منظمة الشباب العربي" لتظهر "حركة القوميين العرب في الخمسينيات من القرن العشرين.
أكسبته مواقفه الثورية صداقة الكثيرين، وكذلك عداوة الكثيرين؛ عبر محطات نضاله المختلفة من بيروت إلى عمان إلى دمشق إلى القاهرة، وانعكس إصراره في توجيه الشعوب نحو تقرير مصيرها إلى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عام 1967.
آمن الحكيم بالديمقراطية والتجديد وقد جسد الديمقراطية في علاقاته مع الجميع داخل الجبهة وخارجها، حتى انه ابتدع مفهوم" الطلاق الديمقراطي" لمن وجد أنه لا يستطيع أن يستمر في الجبهة ومعها، وجسد ذلك في تخليه عن منصب الأمين العام للجبهة، والذي طلبه من المؤتمر العام الخامس عام 1993، لكن إصرار كوادر الجبهة على استمراره أجل خطوته الى المؤتمر السادس.
الرجل الوحدوي الصلب ومنظمة التحرير
اعتمد نضاله الثوري على المزاوجة بين الاستراتيجية والتكتيك في سعي إلى تحقيق المستحيل لا الممكن، وتحت هذا العنوان دخلت جبهته منظمة التحرير الفلسطينية ثم أعلنت الانسحاب منها، ثم عادت إلى أحضانها، وعلى هذا الأساس كان يناور في نهج المقاومة السياسية والعسكرية.
رغم ما أصاب علاقة الجبهة بالمنظمة من مد وجزر في عدد من المحطات وتجميد الجبهة لعضويتها في أكثر من مناسبة، إلا أن الحكيم آمن بأهمية المنظمة كحضن شامل لكافة مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وأهميتها التمثيلية أمام العالم، جعله يلعب دورًا هامًا في الدفاع عن المنظم’ ومحاولات تصفيتها التي ابتدأت بعد سنوات قليلة من تأسيسها، واحتوت رؤيته ضرورة حماية منظمه التحرير من التصفية، وقد تشكلت هذه الرؤية من خلال دراساته المتعمقة لحركة التاريخ حركات التحرر في العالم، والتي سبقت التجربة الفلسطينية، وأنها السبيل الأهم، إن لم يكن الوحيد، للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني وحمايته من الفشل أو الانحراف عم مسيرته الطبيعية التي ستقود إلى التحرر وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
لم يكن أبدًا مع الانقسامات وتشظي الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف أطيافها، كانت التعددية بالنسبة له غنىً وإغناءً لمسيرتنا التحررية، وسبيلاً لأن تكون ثورتنا خلاقة كما هي عادلة، ظل إلى آخر أيامه وحدوياً مؤمناً بما يمكن للوحدة الوطنية والقومية أن تحققه، صلباً أمام كل محاولات النيل من الكينونة والهوية الفلسطينية وتمثلاتها.
كانت المزاوجة بين المقاومة والوحدة آخر وصايا الحكيم، فالتحرر الوطني كما رآه يشمل ربط القضية الفلسطينية بالفلسطينيين، دون أدنى شك بأهمية العمق العربي والدولي في رسم السياسات الإقليمية والدولية التي تؤثر وبشكل مباشر على فلسطين وقضيتها، فالهوية الوطنية والقومية شرط هام لعدم اندماج الفلسطينيين كشعب فيما يسمى الهوية العالمية، وهو يؤدي إلى عدم احتلال العقل والثقافة الفلسطينية.
تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية، العنوان الفلسطيني، وممثل الشعب الفلسطيني الشرعي أينما تواجدوا، ودعواتها واضحة لكافة الفصائل والحركات التي ما زالت خارج رايتها بأهمية الانضواء تحت مظلة المنظمة، والمشاركة الفاعلة في مؤسساتها وهيئاتها، كطريق لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وأية محاولة لتجاوز المنظمة أو تصفيتها مصيرها الفشل كما كافة المحاولات التي سبقتها.
رحم الله حكيم الثورة الفلسطينية.