الوحدة والشراكة طريق الانتصار الفلسطيني

حمادة فراعنة
حجم الخط

تتوهم حركة حماس اذا اعتقدت أنها مقبلة على الانخراط بصفوف منظمة التحرير من موقع قوة، وتجانب الصواب اذا تصرفت باعتبارها التنظيم المتفوق بين صفوف فصائل العمل السياسي الفلسطيني، وطالبت بحجم تمثيل يوازي نسبة حصولها على الأغلبية لدى المجلس التشريعي، وفق نتيجة انتخابات العام 2006، في الضفة والقدس والقطاع .
في ذلك الوقت حصلت حماس على الأغلبية لعدة أسباب وجيهة أولها: دورها الكفاحي المميز في توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، خلال الانتفاضة الثانية شبه المسلحة عام 2000، وثانيها: اغتيال العديد من قياداتها واستشهادهم على يد قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية، وفي طليعتهم مؤسسها الشهيد أحمد ياسين، وثالثها: تفرد حركة فتح في إدارة السلطة الفلسطينية الناشئة، وسوء إدارتها لها منذ عام 1994، وخوضها الانتخابات بقوائم فتحاوية غير موحدة، هزمت بعضها بعضاً في العديد من المواقع الانتخابية، وهو ما أدى إلى انحياز أغلبية الناخبين لصالح حماس، بحصولها على ما مجموعه 430 ألف ناخب لصالحها مقابل 410 آلاف ناخب لصالح فتح .
ولكن بعد قرار حسمها العسكري واستيلائها المنفرد على قطاع غزة في حزيران 2007، تراجعت مكانة حماس، وفقدت التفوق الذي ميزها لأكثر من سبب:
أولاً : فقدت دورها الكفاحي المبادر ضد قوات الاحتلال، وتحولت إلى أداة أمنية رادعة تمنع أي عمل كفاحي من قبل الفصائل الأخرى ضد العدو الإسرائيلي، بهدف الحرص على بقاء السلطة بيدها.
ثانياً: فشلها في تقديم نموذج أفضل عن حركة فتح في إدارة قطاع غزة.
ثالثاً: سببت الكوارث والإفقار لأهالي قطاع غزة، ناهيك عن خوضها معارك غير متكافئة في مواجهة العدو الإسرائيلي في الحروب الثلاث، التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة 2008، 2012، 2014.
رابعاً: التزامها باتفاق التهدئة الأمنية الذي توصلت إليه مع العدو الإسرائيلي بوساطة مصرية في 21/11/2012، في عهد الرئيس محمد مرسي، وتم تجديده في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014، وبذلك لا تختلف حماس عن حركة فتح الملتزمة بالتنسيق الأمني مع تل أبيب، فكلاهما باتا مرغمين على الالتزام بالاتفاق الأمني مع العدو الإسرائيلي، رام الله مع تل أبيب، وغزة مع تل أبيب، وإن اختلفت التفاصيل بينهما، فالحصيلة واحدة.
لقد سعت حركة حماس منذ تشكيلها عام 1987 كي تكون بديلاً عن منظمة التحرير، وفشلت في ذلك، وسعت نحو إسقاط شرعية الرئيس محمود عباس وأخفقت في ذلك، وها هي أخيراً بعد عشر سنوات عجاف من الانقلاب الذي شدد الحصار على غزة، تسعى جاهدة لدخول مؤسسات منظمة التحرير والمشاركة بها، ولكنها تتوهم إذا اعتقدت أنها تستطيع فرض شروطها، والحصول على امتيازات تنظيمية تفوق ما لدى حركة فتح.
وحركة فتح بالمقابل تتوهم إذا اعتقدت أنها ما تزال التنظيم الأقوى، وصاحبة شعار "أول الرصاص أول الحجارة"، فهي كانت كذلك قبل أن تتولى السلطة في رام الله وتقدم نموذجاً سلبياً في إدارتها وتفردها وتحولها من فصيل كفاحي إلى فصيل نظامي، أغلبية قياداته الكفاحية تحولت إلى موظفين، وهي خلاصة وحصيلة سياسية وتنظيمية سلبها مكانتها الريادية في النضال وفي المبادرة، كما فقدت حلفاء كانوا يوفرون لها التغطية والدعم قبل نهاية الحرب الباردة 1990، وقبل الحرب على العراق ومحاصرته وإسقاط نظامه القومي 2003 .
لقد تعرضت حركة فتح لسلسلة من الهزائم المحلية، بدءاً من خسارتها للانتخابات البلدية 2005، وفقدانها الأغلبية البرلمانية 2006، وهزيمتها أمام الانقلاب 2007، وفشلها طوال عشر سنوات في استرداد قطاع غزة لحضن الشرعية، كما أخفقت في برنامجها وخطواتها السياسية في تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض على حساب انحسار الاحتلال والاستيطان عبر المفاوضات لأكثر من عشرين سنة، وعلى العكس من ذلك شكلت المفاوضات غطاءً لاستمرار الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس وأسرلة الغور وتمزيق الضفة وفصل الضفة عن القدس وكلاهما عن قطاع غزة .
ومع ذلك، حققت منظمة التحرير سلسلة من المكاسب السياسية والخطوات التراكمية الهامة على الصعيد الدولي بقيادة حركة فتح، بدءاً من قبول المجلس الوطني الفلسطيني عضواً في الاتحاد البرلماني الدولي عام 1997، وعضوية فلسطين في اليونسكو وقراراتها الإيجابية بشأن القدس، والقرار التاريخي لعضوية فلسطين كدولة مراقب لدى الأمم المتحدة القرار 19/67 يوم 29/11/2012، بأرقام صارخة فاقعة، 138 دولة ضد 9 فقط، وقرار رفض الاستيطان من مجلس الأمن رقم 2334 يوم 23/12/2016 بأغلبية 14 صوتاً وامتناع واشنطن عن التصويت، وخطاب كيري يوم 29/12/2016، ومؤتمر باريس 15/1/2017، ما يدلل على عدالة القضية الفلسطينية وشرعية مطالبها وقرف المجتمع الدولي من المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، مثلما يدلل أيضاً على حكمة وسعة أفق الدبلوماسية الفلسطينية وحُسن إدارتها بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء.
المخاطر التي تواجه قضية الشعب الفلسطيني، رغم الإنجازات السياسية الملموسة على المستوى الدولي، تتمثل بمواصلة الاحتلال والاستيطان وتفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وضعف أدوات المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني بسبب الانقسام، والحروب البينية العربية، وضعف الأدوات الرافعة للنضال الفلسطيني وداعميه، ما يستوجب أقصى درجات الحس بالمسؤولية، وتوظيف الاستعداد العالي للتضحية لدى شرائح الشعب الفلسطيني المختلفة، والمناخ الدولي الرافض للاحتلال والاستيطان، والمخاطر المحتملة من سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المؤيدة لتل أبيب، ومشاريعها التوسعية الاستعمارية.
لن يتم التصدي لهذه الخطط إلا بتوافق وشراكة سياسية وتنظيمية على الأرض، وكفاح موحد في الميدان في مواجهة الاحتلال وبرامجه ومشاريعه وإجراءاته، وعبر التوصل إلى برنامج سياسي مشترك، والمشاركة في مؤسسات منظمة التحرير لتحافظ على مكانتها وتطويرها كجبهة وطنية متحدة، وممثل حقيقي وملموس للشعب الفلسطيني ومصالحه على طريق استعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة بشكل تدريجي متعدد المراحل، وعبر اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة التي تستنزف الاحتلال وتعزله وتجعله منبوذاً أمام المجتمع الدولي .
لا خيارات فتح الأحادية قادرة على القيام بواجباتها، ولا قدرات حماس كافية لتأدية ما تتطلع إليه، وبغيرهما سوياً ومعاً مع الفصائل اليسارية والقومية والشخصيات المستقلة والفعاليات الاجتماعية، تجعل مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة: أبناء 48، أبناء 67، أبناء اللاجئين جميعها في برنامج عمل موحد وخلاق، لمواجهة تفوق المشروع الاستعماري الإسرائيلي ذاتياً واعتماده على نفوذ الطوائف اليهودية ودعم الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، وهذا هو وحده طريق الوحدة والشراكة وأدواتهما التي تقرب ساعة النصر لفلسطين، وساعة الانحسار والتراجع والهزيمة لإسرائيل.