يمعن الرئيس الاميركي دونالد ترامب في قلب وقائع تاريخية كي تتناسب مع رؤيته للعالم. فهو يتهم المكسيك باستغلال الولايات المتحدة اقتصادياً كل هذه السنين، وليس العكس ولذلك يريد أن يبني الجدار على نفقة الشعب المكسيكي. وربما اتهم ترامب المكسيك غداً باحتلال ولايات أميركية وليست أميركا هي التي احتلت وضمت مقاطعات مكسيكية.
ولا يخرج ترامب عن السياق عندما يتعلق الامر بالعراق، إذ أنه يطالب علناُ بسرقة نفط العراق كي تسترد أميركا التريليونات التي دفعتها كلفة للغزو الذي قام به جورج بوش الابن لهذا البلد عام 2003، في حين أن منطق العدالة يفترض أن الدولة التي قامت بالغزو من دون وجه حق وبناء على أكاذيب، هي التي يجب أن تدفع تعويضات للشعب العراقي عن الدمار الذي لحق به والذي انتهى بتعزيز التنظيمات الجهادية في العراق والمنطقة.
لكن لترامب مفهومه للسياسة والتاريخ. وهذا ما ينطبق على اعلانه البحث في انشاء مناطق آمنة في سوريا وكذلك على عدم اعتباره المستوطنات في الاراضي الفلسطينية عقبة في وجه السلام. ويعود ترامب الى التلويح بكل الخيارات بما فيها العسكرية ضد ايران، ويهدد كوريا الشمالية برد "ساحق"، ولا يستبعد ارسال جيشه الى المكسيك لمحاربة تجار المخدرات، وتعلو نبرته في وجه رئيس الوزراء الاوسترالي على الهاتف بسبب دفاع الاخير عن اللاجئين.
ونظرة ترامب الى ملفات أخرى ليست أفضل. فأوامره التنفيذية المتعلقة بمنع دخول اللاجئين وحظر دخول رعايا سبع دول ذات غالبيات مسلمة الى الولايات المتحدة، يهدد بتخريب علاقات واشنطن مع الحلفاء بقدر ما يساعد باجماع الخبراء على تعزيز نظرية التنظيمات الجهادية التي تقول بأن اميركا تشن حرباً على كل المسلمين ولا تستهدف تنظيمات بعينها. وتكرار ترامب ومساعديه يومياً أن الادارة الاميركية الجديدة ستنقل السفارة من تل ابيب الى القدس، لا يصب إلا في تأجيج الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، ولا يخدم إلا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أطلق العنان للاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية بما يقضي على أي أمل في التوصل الى حل الدولتين.
وأشد إثارة للغرابة هو إصرار ترامب على ان العالم يستغل أميركا وليس العكس. من المكسيك وكندا الى أوروبا والشرق الاوسط والصين وصولاً الى أوستراليا، كل هؤلاء استغلوا أميركا!
ربما صح على ترامب أيضاً هتاف "أوقفوه" الذي أطلقه متظاهرون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي احتجاجا على دعوة محرر في موقع "برايتبارت" الصحافي البريطاني ميلو يانوبولوس المؤيد لترامب، لإلقاء كلمة في حرم الجامعة.
نعم ان هناك حاجة الى ايقاف ترامب قبل أن يجر على العالم مزيداً من الخراب.
عن النهار اللبنانية