في الأسبوع الأول بعد الولادة، كثيراً ما تعاني الأمهات من أيام تنهمر فيها دموعهن ويصبهن الحزن العميق عند تعرضهن لصغائر الأمور دون سبب يعرف. ولكن ذلك غالباً ما ينقشع بعد عدة أيام. ولكن ماذا إذا استمر الحزن والخوف واليأس مع مرور كل يوم؟
ليس هذا الأمر نادراً "فسواء في ألمانيا أو في دول أخرى فإن نحو 10% من النساء يصبن وبشكل عام باكتئاب مرضي" حسبما أوضح أولريش هيجرل، رئيس المركز الألماني للمساعدة ضد الاكتئاب ومدير المستشفى الجامعي للأمراض النفسية في مدينة لايبتسيج الألمانية. وحسب بيانات جمعية "شاتن اند ليشت" (الظل والنور) الألمانية فإن هذا الاكتئاب يصيب نحو 100 ألف أم في ألمانيا سنوياً.
أسباب الاكتئاب
وغالباً ما يكون سبب مرض اكتئاب ما بعد الولادة، حسبما يسميه الخبراء، استمرار الحالة النفسية المتدنية للأم والخوف والأرق وفقدان الشهية وقلة الثقة في النفس وغير ذلك من الأسباب التي قد تدفع بالمريضة إلى إصابة نفسها أو الانتحار.
وبذلك فإن أعراض الاكتئاب الذي يعقب الولادة لا تكاد تختلف عن أعراض الاكتئاب "العادي" الذي يمكن أن يحدث في أي مرحلة من مراحل الحياة.
ولكن الباحثين لم يركزوا بالشكل الكافي على معرفة ما إذا كانت الأسس العصبية الحيوية المسببة للمرض تشبه أسباب غيره من أنواع الاكتئاب.
تغيرات جسمانية
ولخص باولوسكي بالتعاون مع جوزيف لونشتاين من جامعة ولاية ميشجين وأليسون فليمينج من جامعة تورونتو الكندية في مقال مختصر ما هو معروف بالفعل الآن عن تغيرات الأحياء العصبية في مخ النساء اللاتي يصبن بالاكتئاب عقب الولادة.
وخلص الباحثون خلال هذا المقال إلى أنه: ليست هناك تغيرات كثيرة. وقالو الباحثون في مجلة "تريندس ان نويروساينس" إن ما توصل إليه العلم حالياً بهذا الشأن يستند إلى 20 بحثاً فقط.
وشدد الباحثون على ضرورة الإسراع في تشخيص المرض بصرف النظر عن أسسه العصبية والحيوية وذلك لاختصار وقت المعاناة لدى الأم والأسرة.
وأوضحت أندريا شتورم، رئيسة رابطة القابلات في هامبورج، أن الكثير من النساء يحاولن إخفاء حقيقة أن هناك شيء ما ليس على ما يرام لديهن "وهناك علاقة بين ذلك والخوف من الفشل حيث تعتقد الكثير من الأمهات أن عليهن أن ينجحن في مهمة رعاية الرضيع كما نجحن على سبيل المثال في وظيفتهن، وعندما لا ينجحن في ذلك فإنهن يخفين هذه المشاكل".
كما يعاني شريك الحياة والأسرة والوسط الاجتماعي القريب من الحالة النفسية السيئة للمرأة النفساء، ولا يستطيعون في الغالب تصنيف هذه الحالة المتردية بالشكل الصحيح ووضعها في الإطار المناسب خاصة عندما تبدو الأم وكأنها سعيدة بهذا الوضع الجديد، ومن الصعب على من يحيطون بمثل هؤلاء الأشخاص ملاحظة أنهم بحاجة لمساعدة.
سبل العلاج
إذا تم التعرف على المرض فإن هناك عدة سبل لمعالجته. وعندما يكون هذا الاكتئاب من النوع الخفيف فإن العلاج النفسي يمكن أن يساعد في علاجه، وربما كانت مداواة هذا المرض من خلال علاج إدراكي سلوكي.
أما في حالة الأشكال الجسيمة من الاكتئاب فإن الأطباء يصفون للمرضى عقاقير مضادة للاكتئاب "فهناك مواد فعالة يمكن تعاطيها أيضا في فترة الرضاعة" حسبما أوضح هيجرل. وهناك حالات تستوجب الحجز في المستشفى سواء بصحبة الطفل أو بدونه.
تطوير علاجات جديدة
وأوضح فريق الباحثين تحت إشراف باولوسكي أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كانت سبل العلاج الحالية تؤدي لنتيجة إيجابية وأن فهم الأسس العصبية الحيوية بشكل أفضل ربما ساعد على تطوير إمكانيات علاج جديدة.
وفي حالة توفير العلاج المناسب فإن الاكتئاب يختفي عادة خلال بضعة أسابيع أو أشهر. ورغم أن خطر الإصابة بهذا الاكتئاب قد يعود في وقت ما من العمر بعد التعافي منه إلا أنه من الخطأ حسب أندريا شتورم الافتراض بأن النساء اللاتي أصبن بالاكتئاب عقب الولادة سيصبن به بالضرورة في حالة الإنجاب مرة أخرى حيث يمكن أن يكون الحمل والولادة التاليان بمثابة بداية لفترات سعيدة جدا في حياة امرأة حسبما يفترض في الأساس.