إسرائيل تشدّ حبل المواجهة مع "حماس"

919839c6-df90-4d24-a05d-cdca28809a9a_16x9_600x338
حجم الخط

أولا. في بداية الاسبوع تبادلت إسرائيل وغزة الضربات، وتحدث وزراء الحكومة. قال وزير التعليم، نفتالي بينيت، إن الحرب مع “حماس” لا يمكن منعها. أما وزير البناء، يوآف غالنت، فذهب أبعد من ذلك، وقال إنه يجب الاستعداد للحرب في الربيع. في اسرائيل يحب الوزراء التحدث عن كل شيء، خصوصا الشؤون الأمنية. وهم لا يتحدثون عن مجال مسؤوليتهم. هذا لا يحدث في دول اخرى. وزير التعليم في الولايات المتحدة لا يتحدث عن الحرب ضد "داعش". ووزير البناء في بريطانيا لا يتحدث عن الحرب في افغانستان. الاحاديث حول جولة جديدة لا يمكن منعها، هي أحاديث لا لزوم لها. يؤججون الوضع ويزيدون التوتر الى درجة النبوءة التي تحقق ذاتها.
ثمة اقوال مشابهة قيلت ايضا بعد حرب لبنان الثانية في العام 2006. مرت 11 سنة على تلك الحرب، والهدوء مع "حزب الله" ما زال سائدا، انها فترة الهدوء الاكبر في حروب اسرائيل منذ قيامها. هذا الهدوء تحقق لأن الطرفين لا يريدان الحرب، وبفضل الردع الاسرائيلي ايضا، وبسبب الدم الذي ينزفه "حزب الله" في سورية.
هكذا الحال بالنسبة لغزة، الحرب ليست قدرا. يمكن منعها وابعادها. وهذا متعلق بالطرفين، حيث إنه حسب التقديرات لا يريدان جولة اخرى، رغم أنهما يستمران في التسلح والاستعداد للحرب القادمة. “حماس” تقوم بحفر الانفاق داخل اسرائيل وتقوم بصناعة الصواريخ التي تتحسن دقتها ويتحسن مداها، وتقوم باجراء التجارب في البحر المتوسط. وهي تقوم ايضا بتحسين وتوسيع القدرات البحرية وتحت البحرية والجوية. وتطور ذراعا بحرية فيها وحدات غواصين، وذراعها الجوية لديها طائرات بدون طيار من انواع مختلفة، وسلاح مضاد للطائرات.
المواد الأولية للصواريخ يتم تهريبها في الانفاق من مصر (التي يقل عددها بسبب القيود التي تفرضها حكومة السيسي)، أو عن طريق المعابر الحدودية مع اسرائيل. خلافا للسابق، حيث إن جزءا كبيرا من الصواريخ تم تهريبه في الانفاق، اليوم يتم انتاجها في مصانع السلاح السرية في غزة. ايران ايضا تزيد تمويلها لذراع “حماس” العسكرية، حيث بلغ في العام 2016، 100 مليون دولار.
بعض الوسائل هي ثنائية الاستخدام: يتم شراؤها من قبل التجار في قطاع غزة والضفة الغربية من اسرائيل ومن الخارج، لاهداف مدنية ظاهريا. ولكن يمكن استخدامها في تطوير القدرة العسكرية. ولا يمر اسبوع دون أن يتحدث "الشاباك" وسلطة المعابر في وزارة الدفاع عن محاولة تهريب تم احباطها. هذا الاسبوع مثلا تم الكشف عن محاولة تهريب مئات طرود البريد التي تم وضع المحركات الصغيرة فيها، والكاميرات ووسائل الليزر التي اشتريت عن طريق الانترنت.
إسرائيل من جهتها تستمر في اقامة الجدار تحت الارضي على الحدود مع غزة، وهي تطور وسائل افضل للكشف عن الانفاق وتحسن قدرتها التسليحية.
هناك تقديرات تقول: إن “حماس” استعادت قدرتها العسكرية التي كانت لها قبل عملية "الجرف الصامد". ولكن التقديرات الاستخبارية في اسرائيل تقول ان “حماس” غير معنية الآن بمواجهة جديدة. وهذه المنظمة تمر بعملية تغيير في القيادة، وعليها أن تختار بديلا لخالد مشعل الذي أعلن قبل أكثر من سنة بأنه سيعتزل القيادة. مجلس الشورى هو الذي يختار، وقد ناقش هذا الامر قبل بضعة اشهر. وتفيد التقديرات بأن رئيس حكومة غزة، اسماعيل هنية، سيكون قائد الحركة. وبالتوازي تقوم “حماس” بتحسين علاقاتها مع مصر، خصوصا في المستوى السياسي. الذراع العسكرية، أي كتائب عز الدين القسام، أقل حماسة، وتفضل تحسين العلاقة مع ايران. الاختلافات بين الذراعين العسكرية والسياسية تشكل سببا آخر لعدم رغبة “حماس” في الحرب.
التقارب مع مصر من شأنه أن يعزز فرصة صفقة اعادة جثث الجنديين الاسرائيليين والمواطنين الثلاثة الموجودين في غزة. وقد قيل حتى الآن إن الوسطاء كانوا موظفين من قطر. ومؤخرا، في اعقاب تحسن العلاقة، تركيا ايضا على صلة بالموضوع. واضيف اليهم الآن ضباط في الاستخبارات المصرية. حتى الآن كانت المفاوضات عالقة لأن “حماس” طلبت اطلاق سراح 50 من نشطائها كشرط أولي للصفقة، وهم الذين تم اطلاق سراحهم في صفقة شاليط واعتقلوا مجددا بعد قتل الفتيان الثلاثة في غوش عصيون. ولكن اسرائيل عارضت ذلك بشدة، لكنها لينت موقفها في الآونة الاخيرة. وحسب التقارير من غزة فان اسرائيل مستعدة لاطلاق سراح بعض المعتقلين شريطة عدم عودتهم الى الضفة، بل الى غزة أو خارج البلاد. “حماس” حتى الآن متمسكة بمواقفها.
وعلى الرغم من ذلك، حتى لو تم حدوث تقدم، فان الصفقة ستكون بعيدة التنفيذ، حيث ستطلب “حماس” مقابل الجثث والمواطنين الثلاثة اطلاق سراح مئات "المخربين" من السجون الاسرائيلية.
إن رغبة “حماس” في الحفاظ على الهدوء لها أدلة في الميدان. القوات الامنية لها تقوم بالتجول على طول الحدود لمنع التسلل، ويحاولون الحصول على معلومات عن نوايا المنظمات السلفية غير الخاضعة لإمرة “حماس”، وهي تسعى لاطلاق الصواريخ على اسرائيل. و”حماس” تقوم بالاعتقالات الاحترازية في اوساط هذه المنظمات بعد كل عملية اطلاق النار.
تعرف اسرائيل هذا الامر، لكن سياستها حاسمة. وهي تعتبر أن “حماس” هي السيد في غزة، لذلك هي المسؤولة عن الحفاظ على الهدوء. في السنة الماضية، قبل تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، ردت اسرائيل بشدة على كل صاروخ تم اطلاقه. وهناك من اعتبر أن الرد مبالغ فيه. وفي الشهرين الماضيين حدثت اربعة اطلاقات كهذه، والهدف ليس الردع والعقاب، بل ايضا تنفيذي: اسرائيل تستغل الاحداث من اجل الاضرار ببنية “حماس” وقدرتها مثل الانفاق ومخازن السلاح.
هذه النظرة في استغلال الفرص اثبتت نفسها حتى الآن، لكنها تحمل في ثناياها خطر التصعيد. تضبط “حماس” نفسها حتى الآن، لكن يحتمل أن اسرائيل ستشد الحبل بشكل اكبر، مثلما شاهدنا، هذا الاسبوع، اطلاق صواريخ على ايلات من "داعش" بتكليف من “حماس”. الذهاب حتى النهاية هو فن، ليس دائما يكون واضح القوانين. ويمكن أن ينتهي بسقوط صعب.
ثانيا، صادقت اللجنة التابعة للجنة رقابة الدولة في الكنيست، هذا الاسبوع، على نشر تلخيص تقرير مراقب الدولة حول تهديد الانفاق. وهذا النشر سيكون مختصرا لأنه يتعلق بأمور استخبارية واستعدادات عسكرية وجوانب تنفيذية. ينضم الملخص الى التقرير الكامل تقريبا الذي سينشر حول أداء المستوى السياسي (الكابنت) قبل الحرب واثناءها، حيث قام اصحاب الشأن الذين لهم برنامج عمل سياسي بتسريب بعض الاجزاء منه لوسائل الاعلام. من المفروض أن يقرر مراقب الدولة، يوسف شبيرا ،موعد النشر الذي سيكون في نهاية الشهر كما يبدو.
على خلفية التوتر في حدود غزة، وانتظار تقارير مراقب الدولة، وحقيقة أن الجهاز العسكري لم يطور بعد القدرة التي تعطي جوابا وحلا لتهديد الانفاق، فان د. ديفيد تشارني، ارسل اقتراحا لافتا في هذا الامر، بسيطا ومفاجئا: اقامة قناة مائية حول قطاع غزة. والمفاجئ اكثر هو أن الامر جاء ممن ليس مهندسا أو خبيرا عسكريا. الدكتور تشارني هو عالم نفس يهودي اميركي، عيادته توجد في ولاية فيرجينيا. وهو يتعلق بكل احساسه باسرائيل، وعلى مدى عشرين سنة كان يعمل طبيبا نفسيا مع الـ "سي.آي.ايه".
في مقابلة مع "معاريف" قال د. تشارني إن الفكرة تعتمد على حكمة البساطة. اسرائيل، بالتعاون مع مصر، تقوم باحاطة القطاع بقناة مائية عميقة وواسعة يتم ضخ مياه البحر المتوسط اليها. وهو يقترح قناة بعرض 200 متر وعمق 60 متر. وستستمر القناة في الاراضي الاسرائيلية شمال غزة وتلتقي مع البحر المتوسط وتحيط القطاع حتى نقطة الالتقاء في الجنوب، حيث الحدود مع مصر. ويشدد د. تشارني على أن الحديث يدور عن فكرة قديمة لبناء النفق كأداة دفاعية أمام الغزاة.
من اجل عدم خلق الشعور الصعب بالحصار على غزة لدى مليوني شخص، ومن اجل تخفيف السياق الامني السلبي لهذه الخطوة، يقترح تسميتها "قناة اسرائيل" كي تذكر بقناة السويس. وهناك سياق ايجابي لقناة السويس، لأنها تقوم بنقل البضائع وتربط بين الأمم ولا تفرق بينها. ويذكر أن عمق قناة السويس هو 24 مترا، وتم توسيعها مؤخرا ليصبح عرضها 100 متر.
اضافة الى البعد الامني، لهذه المبادرة ايجابيات اقتصادية بخصوص الاستثمار في الجنوب، بناء شبكة شوارع ومواقع شراء ومواقع سياحية. واقتراحه يشمل مرحلة ثانية على المدى البعيد: يمكن حفر القناة ايضا من الحدود المصرية حتى خليج ايلات.
منذ زمن هرتسل، يتحدث الحالمون والمهندسون عن فكرة حفر قناة مائية. والمسارات التي تم اقتراحها مختلفة – من البحر المتوسط حتى البحر الميت، او من البحر الاحمر حتى البحر الميت. وقد ناقشت حكومات اسرائيلية هذه الفكرة وقامت بفحص الخطط وتكاليفها، لكنها لم تنفذ أبدا.
حسب تقدير د. تشارني، مبادرة كهذه لن تكلف كثيرا، ويمكنها أن تشكل حلا لمشكلة الانفاق التي تواجهها اسرائيل منذ عقدين، وستواجهها ايضا في المستقبل. لقد قدم فكرته هذه لوزير الطافة يوفال شتاينيتس وعدد من الموظفين الرفيعين اثناء زيارتهم في نيويورك. وقد استمعوا اليه باهتمام، لكن من يعرف حكومات اسرائيل يعرف أن فرص تبني هذه الفكرة أقل من ضعيفة.
ثالثا، لم يكن سيضر لو أنهم قرأوا في اسرائيل ما كتبه د. تشارني في مجال اختصاصه الذي راكم فيه الخبرة والسمعة الجيدة.
"على مدى السنين قمت بعلاج مئات موظفي الوكالة في جميع الادارات"، قال، "تعرفت على عالم التجسس، لم أتحدث معهم عن مواد سرية ولم اسأل عن الامور السرية. زبائني وأنا تعلمنا عدم تجاوز الخطوط الحمر، لكن عملي سمح لي بالتقاط الشخصية، الاجواء وثقافة الجالية الاستخبارية وموظفيها، أي ما يمكن تسميته "علم نفس الجاسوس"".
جد تشارني من جهة الأم هاجر الى الولايات المتحدة من روسيا، لكنه اصبح صهيونيا ملتزما وهاجر الى اسرائيل الانتدابية في العام 1925 وعاش في صفد. بعد اربع سنوات، في اعقاب احداث 1929، انتقلت العائلة الى حيفا، وهناك ولدت أمه. قبل الحرب العالمية الثانية ذهبت لزيارة اقارب في الولايات المتحدة "وعلقت" هناك، وتزوجت. ديفيد تشارني ولد في العام 1943، وعندما كان عمره سبع سنوات بعد "حرب الاستقلال"، عاد أبواه الى اسرائيل. وتعلم في المدرسة. وهو يتذكر حتى الآن اللحظات التي شاهد فيها من منزله جبل الكرمل ومراسيم وصول جثة المظلية حنه سناش.
لكن العائلة لم تتأقلم في اسرائيل وعادت الى الولايات المتحدة. تعلم ديفيد في مدرسة يهودية، وكان عضوا في حركة البنائين. وبعد ذلك استمر في الجامعة الى أن اصبح طبيبا نفسيا. وخدم في سلاح الجو الاميركي، وبعد ذلك انتقل الى "سي.آي.ايه". على مدى السنين عالج حالات التجسس والخيانة التي ضعضعت الاستخبارات الاميركية قبل عقدين. وأبرزها كان بريان ريغان في استخبارات سلاح الجو ووحدة تصوير القمر الصناعي الذي اقترح على الصين وليبيا والعراق بيع الأسرار. وحادثة آرل ادوين وروبرت هانسن ايضا.
الأخيران كانا وكلين في الـ "اف.بي.آي"، وعملا في الثمانينيات والتسعينيات في التجسس المضاد: الكشف عن الجواسيس الذين جندهم أو حاول تجنيدهم الـ "كي.جي.بي". وعملا ايضا على تجنيد من تم الكشف عنهم كي يكونوا جواسيس مزدوجين. ولكن في نهاية المطاف وافقا على ان يصبحا مزدوجين والتجسس لصالح الاستخبارات السوفييتية مقابل المال. وتم القاء القبض عليهم وحبسا لفترة طويلة. وبعد اعتقالهما التقى تشارني معهما بناء على طلب من المخابرات، وبعد موافقة الجواسيس ومحاميهم، من اجل نقاش مهني مطول. ومن خلال هذه النقاشات ومن خلال تجربته المهنية توصل الى استنتاجات تحولت الى مقالات حول الطريقة التي يمكن بوساطتها ملاحظة التحول بشكل مبكر، قبل حدوث الكارثة، والبنية الشخصية التي قد تدفع رجل الاستخبارات الى خيانة دولته واصدقائه. باختصار، مقالاته تتحدث عما سمته الكاتبة البريطانيا ريفكا ووتش "مغزى الخيانة".
يقول تشارني إنه في معظم الحالات يتم الكشف عن الجواسيس بسبب الطرف الثاني. حيث يهرب أحد من ذلك الطرف أو تصل معلومات عن ذلك. "مقالاتي تحاول تطوير ادوات تستطيع من خلالها منظمة التجسس فهم نفسية الجاسوس، وبهذا نمنع الاخطار الكامنة في تجنيد الجواسيس الذين يمكن أن يخونوا أو نستطيع الكشف عنهم بعد تجندهم وخيانتهم".
حسب قوله "الامر المشترك بين الجواسيس الذين تم الكشف عنهم هو الشعور العميق بالفشل الشخصي". ويضاف الى ذلك صفات التفاخر والأنا، أي الرغبة في الانتقام من المسؤولين أو من مكان العمل. يقولون لانفسهم "أنا لست السيئ، بل هم السيئون، وعليهم دفع الثمن. اذا كنت تعمل في البريد، يمكنك أخذ السلاح واطلاق النار على صديقك، واذا كنت تعمل في الاستخبارات فطريقة الانتقام هي الذهاب والعمل كجاسوس لدى العدو".
الدروس التي يقدمها د. تشارني يمكنها مساعدة الاستخبارات الاسرائيلية التي كشفت على مدى السنين عن بعض الخونة الذين وافقوا على التجسس لصالح الاتحاد السوفييتي. وهناك حالة صعبة لرجل "الموساد" ،بن زايغر، الذي حسب أحد الكتب في استراليا تجسس لصالح ايران وانتحر في العام 2010 في السجن وهو ينتظر محاكمته. وقد كشفت هذه الحالة عن اخلالات في عملية التجنيد والتشخيص في "الموساد". بكلمات اخرى، فان زايغر كان من المفروض ألا يتم تجنيده.