خلصت اجتماعات اللجنة التحضيرية لاجتماعات المجلس الوطني قبل شهر إلى جملة من النتائج تتعلق بشكل الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، غير أن هذه النتائج التي أقرتها جلسة بيروت لم تلق صدى في الأجواء السياسية برام الله وغزة.
الدعوات المحددة التي أقرها المجتمعون في العاشر من يناير الماضي تتلخص في ثلاثة قرارات مهمة: وهي الدعوة لمجلس وطني جديد ينهي الشكل القديم للمجلس، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والثالث مواصلة انعقاد اللجنة التحضيرية وإعداد قانون لانتخابات المجلس في الوطن والشتات.
وللأسف فإن مخرجات اللقاء المعلنة على أهميتها إلا أنها لم تجد سبيلا حتى اللحظة بين الأطراف، وبدلاً من المضي قدما في هذا السبيل نجد تعثرا واضحا لتفاهمات تم التوافق عليها، ما يطرح مجدداً السؤال التقليدي من المعطل؟ وما هي المصلحة من وراء هذا التعطيل؟
المزاج الفصائلي الحالي يوجه الأولوية لترتيباته الداخلية على حساب الترتيبات الوطنية ، وتنشغل حماس بانتخاباتها الداخلية، وفتح أبو مازن مرتبكة في مواجهة تحركات تيار دحلان بعد ذهاب الأخير نحو عقد مؤتمر لأنصاره للرد على نتائج المؤتمر السابع في رام الله.
ويبدو للمتابع أن هناك انتظاراً لحراك يغير المسار ويضع الخيارات الفلسطينية في سلة الوضع الطارئ لمواجهة تهديدات الاحتلال بشن عدوان على غزة، وبالتالي فإن شبكة العلاقات الداخلية تزداد تعقيداً في ظل انشغال حزبي داخلي، وغياب للعامل الدولي، بالإضافة إلى الأزمات الحكومية لنتنياهو.
حماس تمتلك ما يؤهلها لتناور سياسياً مع فتح أولاً، والإقليم ثانياً، والاحتلال ثالثاً. لكن أبو مازن يواصل حشر نفسه مجدداً في زاوية انعدام الخيارات بدلاً من طرق مسار مصالحة حقيقية ينهي الصراع الداخلي، ويوفر بيئة داعمة للتعامل مع الاحتلال وفق إستراتيجية وطنية.
كذلك فإن حماس تتنقل بين العواصم الإقليمية وتناور في علاقاتها الخارجية بما يضمن لها تحقيق أقصى درجات الحضور الايجابي، وما تشهده العلاقات المصرية الحمساوية من تحسن يلقى استحساناً شعبياً وهي في ذات الوقت تصنع علاقات إستراتيجية مع قطر، وترسل مضامين سياسية تؤكد على علاقاتها التركية والإيرانية. أما زعيم فتح أبو مازن فإنه ليس في أحسن أوقاته على صعيد علاقاته الإقليمية بل يجد نفسه محرجاً مع أنظمة عربية تفتح أبوابها لاحتضان مؤتمرات سياسية، وتقدم دعماً واضحاً لمنافسه السياسي داخل حركة فتح.
في حين أن شكل العلاقة التي ترسمها حماس مع الاحتلال تخضع لموازين الكسب والخسارة بلغة أوراق القوة والضعف، فهي تقدم نفسها كمقاومة تملك ما يؤهلها لتستدعي خسارة للعدو وما بدأت تتناوله وسائل الإعلام حول صفقة تخص الجنود الأسرى لدى حماس، يؤكد أنها تستطيع أن تقدم جديداً فيما يخص المواجهة مع المحتل وبما يمكنها من تحقيق نجاحات على المستوى الشعبي الذي يتلهف لتحقيق انجاز نوعي بخصوص قضية الأسرى الوطنية. أما فتح فقد خرجت بعد مؤتمرها السابع خالية الوفاض من برنامج سياسي يمكنها من التعامل مع الاحتلال بمنطق جديد حسب التغييرات الراهنة على الصعيد الدولي، وحتى داخل دولة الاحتلال.
وأبرز ملامح إدارة السلطة وفتح لشكل العلاقة مع الاحتلال نجدها في تهديدات من أشخاص يحظون بمواقع رسمية، يرفعون فيها السقف في ما يخص الاعتراف بدولة الاحتلال، وهو ما يعني أن هذه المسألة لم تعد تستثنى من أذهان أصحاب برنامج التسوية ذاتهم، وبالتالي فإن اعتقاداً بدأ يتملكهم بفشل برنامج السلام وفق المنطق المعمول به، والذي يحظى بدرجة انحياز أمريكية غير مسبوقة وبشكل صريح وعلني.
الواقع الفلسطيني لا ينتظر تهديداً في مواجهة سرطان الاستيطان، بل يحتاج بالحد الأدنى من الرسمية الفلسطينية تطبيقيا لقرارات المجلس المركزي التي أقرها بجلسته في مارس 2015، فلم يعد من المقبول أن تستمر المعادلة بوقف المفاوضات حتى وقف الاستيطان؛ لأن ذلك يوفر للاحتلال مزيداً من الوقت لفرض سيطرته بأمر الواقع وفرض حالة الكنتونات على الضفة المحتلة.
خلاصة القول فإن المصلحة الفلسطينية تنتظر ذهاباً حقيقياً نحو تطبيق تفاهمات مسار المصالحة من خلال بوابة منظمة التحرير الفلسطينية، وبما يسمح بمشاركة حماس والجهاد الإسلامي، والجلسة المفترضة للجنة التحضيرية للمجلس الوطني (14-15 فبراير) ينبغي عقدها في موعدها بدلاً من تأجيلها، أو التهرب من الاستحقاقات التي ترتبت على سابقتها؛ لأن ذلك يعرض الحالة الفلسطينية لفشل جمعي، ويفتح المجال لسيناريوهات عنوانها مزيد من الضياع.