نحو سياسة إسرائيلية جديدة تجاه «دولة غزة» بعد انتخاب السنوار

20171502081006
حجم الخط

عين، أول من أمس، زعيم جديد لـ"حماس"، هو يحيى السنوار. الرجل الذي يتباهى بقتل 12 عميلاً مع إسرائيل، يعتزم اتخاذ خط متصلب، وسيعطي أولوية عليا لاختطاف الجنود، إذ في نظره هذا تكتيك حيوي لتحرير رفاقه المتبقين في السجن بعد أن تحرر هو نفسه في صفقة شاليت. في العقد الأخير كانت سياسة "حماس" نوعاً من الحل الوسط بين الذراع السياسية الحذرة نسبياً، بقيادة اسماعيل هنية، وبين الذراع العسكرية. ابتداء من اليوم لا توجد سوى قيادة عسكرية، وهي كفاحية جدا.
ظاهرا، أقوال الوزيرين بينيت وغالنت بشأن المواجهة المرتقبة مع "حماس" في الربيع تعكس تطوراً محتماً، ولكن هذا ليس كذلك. فيحيى السنوار ايضا سرعان ما سيفهم بأن "ما يرى من هنا لا يرى من هناك". فالمصلحة العليا لـ "حماس" – مواصلة الحكم في غزة – تستوجب الشرعية الدولية الدنيا أو التحسن الفوري للوضع الاقتصادي في القطاع. "حماس" ليست "القاعدة" أو "داعش". هي حركة سياسية بحاجة الى دعم شارعها.
يمكن لاسرائيل أن تعمل على تكبير العصا والجزرة على حد سواء، دون أن تستخدم القوة العسكرية. في جانب العصا، وبمعونة الادارة الجديدة في واشنطن، سيكون ممكناً إجراء تغيير حاد في الطريقة التي اتبعناها في الماضي والايضاح لـ"حماس" - عبر تركيا مثلاً – بانه اذا لم يحفظ الهدوء، فستمنع عن دولة غزة وسكانها كل مساعدة اقتصادية، وعلى رأسها الدعم الاساس من الأمم المتحدة لمؤسسات التعليم، الصحة، والغذاء العاملة في القطاع. بكلمات اخرى، لن تتمكن دولة غزة من الاستمتاع بكل العوالم – أن تهاجم اسرائيل بالصواريخ وفي الوقت ذاته تعرف بأن هناك أحدا ما آخر يطعم مواطنيها.
عندما تفتح النار تغلق اسرائيل معبر كرم سالم فورا. لن يدخل الى غزة لا الوقود، لا الغذاء، ولا الادوية. الدولة الطبيعية لا تواصل منح التوريد لدولة هي في حرب معها. أما اذا كانت حكومة "حماس" ترغب في وقف معاناة مواطنيها، فلتوقف النار.
من جهة اخرى، في جانب الجزرة يمكن لاسرائيل وعليها أن تشجع مشروع اعادة بناء البنى التحتية في غزة، بما في ذلك اقامة ميناء. فإعمار غزة يجب أن يتم بالتعاون مع الحكومة في غزة، بالضبط مثلما يحصل في كل مكان آخر في العالم. مئات الملايين ستستثمر في بناء محطات توليد الطاقة ومنشآت التحلية، الأمر الذي سيسمح لسكان غزة بكهرباء متواصلة 24 ساعة في اليوم، وليس مثلما يحصل اليوم – 6 ساعات فقط، ومياه صالحة للشرب. كل هذا سيحصل اذا ما حُفظ الهدوء. عندما يكون الجميع – الحكومة في غزة، سكان القطاع، الامم المتحدة والدول المانحة – يعرفون بانه مع فتح النار ستدمر البنى التحتية هذه، فليس بسرعة كبيرة ستقرر حكومة غزة، حتى لو كان السنوار يقف على رأسها، تحطيم الاواني.
كي تنجح مثل هذه السياسة وتمنع المواجهة العسكرية لزمن طويل، يجب أن يتم أمران: الاول تغيير الرواية، غزة دولة بكل معنى الكلمة، واذا ما اختارت هذه الدولة المواجهة العسكرية، فانها هي وسكانها سيدفعون الثمن، مثلما حصل دوما على مدى التاريخ. عندما نجري نحن بلساننا تمييزاً بين "الاشرار" (حماس) وبين "الاخيار" (سكان غزة المساكين)، فإننا نطلق النار على ساقنا.
الامر الثاني الذي يجب عمله هو الشرح المسبق لسياستنا المتوقعة في حالة المواجهة العسكرية. عندما سافر ايهود اولمرت لاول مرة كرئيس وزراء الى واشنطن، في ربيع 2006، امتنع عن الحديث عن الموضوع اللبناني. وعندما اندلعت حرب لبنان الثانية، كان متأخرا تنسيق السياسة مع الولايات المتحدة. اما تغيير الحكم في واشنطن وفي غزة فهو فرصة من جهة وحاجة من جهة اخرى لخلق التغيير. الرد على الادارة الجديدة في غزة يجب أن يكون بالتالي تغيير السياسة، وليس فقط الاستعداد بالطريقة القديمة لمواجهة محتمة.