المتمردون في حركة فتح والفكر السلطاني

thumbgen (43)
حجم الخط
 

فكرت مليا عند كتابة هذا المقال وتاملت هل من المناسب نشره أم عدم نشره! لأن مضمونه غير المنحاز لن يعجب البعض من سدنة المعبد أو ذوي الفكر السلطاني المرفّه، فيأولونه وفق الأمزجة والأهواء النزق الشخصي، ولكني مع تكرار الحوارات المثمرة مع أخوة كرام من أعضاء الحركة عامة قد توصلت لتبني فكرة الضرورة بمعنى ان ما يكون ضروري في زمن يصبح بلا فائدة ترجى عندما يتعداه الحدث .

لذلك أكتب بشكل واضح، وإن كان مزعجا لمن يسير معتاشا على هامش الأرباب، فلا يعني أبناء حركة فتح أمثالهم، ولا يعني أبناء حركة فتح وأنا منهم الا بروز الفكرة التي ابتدأت ولن تنتهي الا بشعار الحركة الخالد ثورة حتى النصر.

لذا دعوني أتساءل بمودة، ألم يكن الأجدر بنا خوض الصراع الداخلي بالأدوات "النظامية الداخلية" بحدها الأقصى، فلا تضيق بنا الصدور عند حدود الهمسات والاتهامات والإشارات الباردة تتهم هذا وذاك؟

ألم يكن من الأجدر بنا التعامل مع كثير من المختلفين أو المخالفين لنا أو المتمردين منا في جسدنا -سمهم ما شئت- بمنطق الحوار والنقاش الهادئ وبمنطق العقل والحجة والتفاهم، وبمنطق الاحتواء والاستيعاب، بل وأحيانا التجاوز عن كثير من الاساءات؟ انتصارا للنظام وللأخوية النضالية، وللمظهر الوحدوي الشامل، وابرازا للصورة بالألوان لا بالأبيض والأسود فقط وهي الصورة التي تجلب الأمل لأبناء الحركة الميامين و لهذا الشعب الصابر الذي قد نفتقد صبره علينا فيدير لنا الظهر؟

آلم يكن من الأكرم لوجوهنا أن تبدو باسمة وليست مقطبة، فتكون أكثر قدرة على لم الشتات في ظرف طغيان الاسرائيلي الواسع، وطلاق الاقليمي لنا؟ ومراوغات الدولي؟

ألم يكن من الأكرم لنا أن نعض على الجراح حتى لمن أساءوا لنا تنظيميا أو سياسيا فنعمل على لم شعثنا وتقريب الأباعد؟

قال لي الكثير من الأخوة لا تكتب بهذا الموضوع فتصنف باتجاه اليمين أو اليسار! فقلت كما قال معلمنا وأستاذنا المفكر الكبير خالد الحسن رافضا منطق التصنيف الأعمى (اللهم اجعلنا من أهل اليسار في الدنيا، ومن أهل اليمين في الآخرة)

هذا كان ردي وسيكون حسابي العقلي للمختلف مع فكر حركة فتح الوسطي الاحتوائي الجامع النشط عسيرا، فلست من الذين يقتلون "النظام" والقانون والهدف من أجل عيون هذا الزائل أو ذاك، ولست -وأحسب جلّ أبناءالحركة كذلك- أو لسنا من حملة المباخر، أو ممن نُشترى بقليل من الدراهم أو كثير، فهذه ثورة عملاقة وهذا فكر عظيم وهذا تاريخ مجيد، ومستقبل لن يكون مشرقا الا بكتف أخي الى كتفي وبصدره يذود عني خفق البنود، اخي/أختي في حركة فتح، واخي من كافة الفصائل مهما كنت وقد أظل مختلفا معهم في كثير من المواقف والأفكار والسياسات.

كان من الأولى لنا بدلا من أن نقيم المشانق ،حتى دون محاكمات أحيانا، أن نستمع بأناة، ونصبر ونكظم الغيظ ، ونضم الأحبة والمتمردين منهم الى جوانحنا رغم أن منهم من قد مالوا أو كالوا بمكيال آخر!ما هو مرفوض قطعا!

ألم يكن من الآجدر بنا أن نفتح الباب قليلا فنوسع المساحة لتلاقى العيون واقتراب الصدور بديلا عن برقيات التهديد المتبادلة عبر فضائيات لم يصبح لها من المهمات الا إحداث مزيد من التشظي والشروخ في الحركة الوطنية عامة وفي حركة فتح؟ لتفرح الحركة الصهيونية وتتسيد على فلسطين وفي ربوع المنطقة التي تحولت خرابا.

إن في حركة فتح "البعض من العشرات" الذين يحملون الفكر السلطاني المرفّه، وكثرة غالبة هم "قلب الحركة وعقلها" تحمل مفاتيح النضال فتضحي بوقتها وعقلها وروحها لفلسطين، وقلة أخرى تستقوي بالخارج، فإن تسامح الفكر الجمعي الفتحوي كثيرا مع الاستبداد وحتى مع اصحاب الفكر السلطاني ، مع الاستبداد في سياق إيثار السلامة واتقاء الفتنة فإنه لا يتسامح أبدا بأن يدخل الدب الى كرمنا من بوابة الآخر.

إننا ذاهبون الى المؤتمر ولن نغلق الأبواب وراءنا أبدا، حتى في وجه القلة أو الأبعاض، فما حصل وهو أليم حقا ولم نرضى به، ما زال قابلا للتجاوز، ولا نريد لهذا الشعب وهذه الحركة ان يتفرق جمعها شذر مذر.

لقد أوصاني أبي أن أعض على الجراح وأتجاوز، وقال لي أخي ياسر المعتقل أن بعد الظلام شمس ساطعة، وهاتفني أخي عمار الشهيد بالامس قائلا: مقعدك بجواري مازال خاليا فلا تجعلني أطيل الانتظار، ولا تطيل المُكث بالخارج...لقد اشتقت لك.