القضية الفلسطينية أصبحت مقعدة، لأسباب كثيرة لا أريد الخوض بها. ومحاولة المطبخ السياسي ومؤسسات المجتمع المدني وحتى «النخبة المثقفة» إقناع الشارع الفلسطيني بأطروحاتهم وأدويتهم لعلاج القضية هي أيضاً مقعدة وأكل الدهر عليها وشرب، لدرجة أن البعض أصبح يدير مؤسسات على قضيتنا، ما جعل البعض له مصالح في بقاء الوضع كما هو عليه، ورفض الجديد أو عدم استيعاب متغيرات جديدة ستؤثر عليه وعلى مصالحه سلباً.
ما نحن بحاجة له هو الإبداع، وهنا يولد السؤال عن مقدار قدرتنا على التفكير «خارج الصندوق» بطريقة مختلفة وفريدة مع القدرة على تطبيق هذه الأفكار الجديدة وتحويلها الى واقع، على الصعيدين الفلسطيني الفلسطيني أو الفلسطيني الإسرائيلي.
نحن بحاجة الى شرارة الإبداع من القيادات، لهذا يولد السؤال الثاني هنا: هل القيادات الحالية قادرة أن تقدح لنا شرارة الإبداع ضمن الواقع الحالي المتمثل بـ: عمر هذه القيادة، والتطورات المحيطة اقليمياً وعالمياً، وتطور التكنولوجيا، وأيضاً والأهم المصالح التي تشكلت وخصوصاً بعد الانقلاب الحمساوي وسيطرتها على قطاع غزة وبروز نخب جديدة على الساحة الفلسطينية!!
المحزن في الموضوع أن الأدوات الكولونيالية الصهيونية دائمة التطور، يفاجئنا الاحتلال بمقدرته السريعة على التفكير بشكل مختلف ليعاقبنا ويسيطر علينا بأشكال مختلفة مؤلمة موجعة، لدرجة أستطيع أن أصف هذه الاحتلال الأخير في العالم بأنه صهيونية ما بعد الحداثة إن جاز لي التعبير؟!
يحتاج الإبداع السياسي كما الابتكار الى الصبر والمثابرة والشغف والعصف الذهني الأكاديمي_ حتى لو اختلفنا_ والشراكة مع المؤسسات المجتمعية لخلق أجواء تفاعلية تجدد الأفكار وتفتح الآفاق وتوفر الحلول الممكنة رغم الظروف التي نعلمها جميعاً.
عندما أشارك في الجلسات والصالونات السياسية المغلقة والمفتوحة، وأستمع لرجال المطبخ السياسي، تصيبني حالة من الدوران التي تؤدي الى الغثيان بسبب حالة التيه التي يسببها المتحدث، لأنني أضيع في كلماته لأسأل ذاتي: هل هو سياسي؟ أم محلل سياسي؟ أو مواطن؟ هل هو يمثل المنصب الذي يجلس عليه؟ يبدعون في الوصف وعند العلاج يحمل القيادة المسؤولية التي هو بالأساس منها!!
التفكير خارج الصندوق يحتاج الى التمرد على الثوابت التي أجهلها لأنها أصبحت متغيرة في الآونة الأخيرة، نحن بحاجة أيضاً الى طرح الأسئلة التي يعتبرها البعض بأنها محرمة!! من وجهة نظري لا يوجد إبداع من دون تجارب ولا توجد تجارب من دون فشل أو نجاح، هكذا يكون الإبداع وهذا مسار كل ابتكار سياسي، لذلك علينا أن نعترف أين فشلنا في العقدين الأخيرين، ونحاول أن نتمرد على الصندوق الذي وضعنا أنفسنا بها، والعمل على ابتكارات سياسية جريئة مهما كلف الأمر من ثمن. وأعتقد أنه إذا لم ننتهج طرقا إبداعية في مؤسسات النظام السياسي فلن يكون هناك تفكير جديد جريء.
الضوء في آخر النفق الذي أراه، هو وجود جيل من الشباب في مختلف القطاعات جاهز لتحمل المسؤوليات المختلفة، ولديه القدرة الإبداعية ليس فقط التفكير خارج الصندوق؛ وإنما تحطيم الصندوق وابتكار صناديق مختلفة، ثم القفز بلياقة عالية من صندوق إلى آخر على كافة الأصعدة العالمية.