قادة «حماس» الجدد لن يسارعوا إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل

2017-02-1319 01 26.508088-thumbs_b_c_ae549a1d5af7b5d0487cc10038b916c5-555x318
حجم الخط

في شباط 2006 قريبا من انتصار «حماس» في انتخابات السلطة الفلسطينية، قام مراسل القناة الاولى، يورام بن نور، باجراء مقابلة مع قائد «حماس» في سجن ايشل، يحيى السنوار. تركت المقابلة، التي تمت باللغة العبرية، انطباعا بأن السنوار رغم كونه مؤسس ذراع «مجد» المكلف القضاء على المتعاونين، ومن مؤسسي عز الدين القسام، و»ارهابيا» قام بتنفيذ عمليات شديدة ضد اسرائيل، فهو شخص «يمكن عقد الصفقات معه».
قرر الرجل الدموي نقل رسالة مصورة للجمهور الاسرائيلي والقيادة الاسرائيلية. وحسب اقواله فان «حماس» مستعدة لاجراء «هدنة» مع اسرائيل على مدى جيل أو أكثر. واعترف السنوار بـ»نحن نعرف أنه لدى اسرائيل 200 قنبلة نووية وسلاح جو متقدم وهجومي، لذلك لن نتمكن من القضاء على اسرائيل». وأضاف: «حماس لن تعترف أبدا بحق اسرائيل في الوجود، لكنها ستؤيد الهدنة طويلة المدى، وكل شيء يساعد على الهدوء والاستقرار في المنطقة». وأكد السنوار: «لقد نغصنا على حياة اسرائيل بالمقاومة، وسننغص عليها في المفاوضات حول الهدنة. ولكن عندما سنوافق عليها سنثبت أننا نلتزم بكلمتنا».
يدور الحديث عن مقابلة قديمة وجريئة في ظل النشوة التي عاشتها «حماس» في الانتخابات. هل اقواله هذه ما زالت صالحة بعد انتخابه رئيسا لـ»حماس»؟ لا يجب التقليل من اهمية الاقوال السابقة والتي تم اسماعها امام العدسات. توجه هذا الرجل للجمهور الاسرائيلي، لكن أقواله ترجمت وبثت في وسائل الاعلام الفلسطينية ايضا. ويبدو أنه رغم مرور الوقت وتغير الظروف، فان الحديث يدور عن رؤيا ثاقبة نحو المستقبل، وهذا قبل أن تتعرض «حماس» للضربات الشديدة من الجيش الاسرائيلي.
منذ ذلك الحين انفصلت غزة عن السلطة الفلسطينية من خلال انقلاب عنيف، ووقع عدد كبير من الجولات العنيفة ضد اسرائيل، بعضها كان بعد اطلاق سراح السنوار من السجن في صفقة شاليت. خطوات «حماس» العنيفة التي دفعت ثمنا باهظا لها لم تتسبب في تحقيق «حماس» لاهدافها الاستراتيجية، بل عملت على توسيع الفجوة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وأكدت عدم امكانية تحقق حلم الدولة الفلسطينية.
باستثناء الانجاز المعنوي الذي حققته «حماس» من صفقة شاليت، فان جولات «الارهاب» ضد اسرائيل انتهت بتحطيم العظام وقتل نشطاء المنظمة وتدمير البنى التحتية ومئات القتلى من المدنيين والمباني المهدمة. محاولات «حماس» تكرار اختطاف الجنود من خلال الانفاق والتسبب بكارثة للمواطنين الاسرائيليين من خلال الصواريخ فشلت، وأبقت منازل غزة وسكانها أمام انجازات «حماس» البائسة، رغم أنها تعهدت بتحرير فلسطين وتحرير سجناء «حماس» من السجون الاسرائيلية.
تحاول «حماس» بلا توقف ايجاد آفاق «ارهاب» جديدة من اجل اختطاف الجنود والمواطنين الاسرائيليين، وتقوم ببث الأمل الكاذب من خلال استثمار الاموال التي خصصت لاعمار القطاع، حيث تسعى للتسلح العسكري. وفي العام الماضي بدأت تسمع في قيادة المنظمة انتقادات لاستئناف المواجهة العسكرية مع اسرائيل، بسبب أضرارها. وهذا بروح احاديث السنوار القديمة اثناء وجوده في السجن الاسرائيلي.
لم تختف عن قائد «حماس» حقيقة أن الواقع تغير الى الاسوأ بشكل دراماتيكي: في الغرب وفي غزة ايضا فهموا أن اسرائيل سترد دائما بقوة وتؤلم. وسلمت تركيا لاسرائيل، ودول الخليج تحتاج الولايات المتحدة من اجل الوقوف أمام الخطر الايراني، والموضوع الفلسطيني و»حماس» أصبحا على الهامش.
إرث «الارهاب» الوحيد الذي أوجده الفلسطينيون تم تبنيه من قبل الاسلاميين في العالم، أما الغرب فقد قلص اسهامه لغزة بسبب مشكلاتها الاقتصادية. ايضا السلطة الفلسطينية تقيد ضخ الاموال الى القطاع. واعتماد «حماس» على ايران ايضا، التي تقوم بقتل السنة في الشرق الاوسط، ينشئ تحفظا من «حماس» في العالم العربي. ومصر التي تعمل ضد «حماس» وشركائها «الاخوان المسلمين» و»داعش» تؤلم المنظمة وتطلب منها دفع ثمن فتح معبر رفح والتنصل من الايديولوجيا الخاصة بـ»الاخوان المسلمين» وتسليم نشطاء «داعش» لمصر.

نشطاء ميدانيون لا أصحاب ياقات
تعكس اقوال السنوار المفارقة. فمن جهة، الاقتناع بأنه لا يمكن هزيمة اسرائيل، ومن جهة اخرى السعي الى تكرار نموذج اختطاف شاليت واطلاق سراح أسرى، وبذلك رفع نقاط «حماس». الدمار الذي ستقوم باحداثه اسرائيل أمام محاولة كهذه واضح للسنوار، وهذا يوجد في اساس الردع الاسرائيلي الذي يتم التأكيد عليه باستمرار. الحل المحتمل هو هدنة لتأجيل المواجهة وزيادة التسلح.
إن انتخاب السنوار للقيادة مؤخرا يعكس نجاعة نشطاء الميدان الذين جربوا ضربات الجيش الاسرائيلي أكثر من اصحاب الياقات السياسيين الذين حركوا «حماس» من قطر عن بعد. القيادة الجديدة لـ»حماس» في غزة تملك القوة والكاريزما والصلاحية. يدور الحديث عن قيادة تقليدية لكنها نازفة. هؤلاء الاشخاص الذين خرجوا من الانفاق في اعقاب «الجرف الصامد» اكتشفوا ان عائلاتهم التي بقيت على قيد الحياة جائعة وأنه لا توجد مساعدات تحت الانقاض.
قادة «حماس» الجدد لن يسارعوا الى مواجهة جديدة مع إسرائيل. استمرار تسلح «حماس» في غزة يعني استمرار المواجهة المعروفة مسبقا، لكن بدون الاعمار يزداد الاحباط. في المقابل كل اعمار سيضع اسرائيل أمام اهداف جديدة ويمنحها عناوين اخرى للتدمير والردع ضد «حماس» وناخبيها ومؤيديها.
بروح حلمه في السجن، سيضطر «الارهابي» رقم واحد في «حماس» الى عقد صفقة معقولة مع اسرائيل لإطلاق سراح السجناء، الامر الذي يؤكد على صورته ويسمح بالتوجه في مسار براغماتي لتحسين أوضاع القطاع. تطلب «حماس» اطلاق سراح مئات الاسرى مقابل كل جندي اسرائيل مقتول لديها. هكذا تقدم «حماس» قيمة البورصة البائسة لرجالها وتضر بصورة الاسلام.
المفاصل الاساسية في طريق قرار السنوار هي الهدنة والاعمار أو المواجهة، والدمار. يمكن أن اسرائيل ستساعد في اعمار القطاع، لكنها ليست الضفدع الذي سيحمل العقرب على ظهره الى شاطئ الامان ويتعرض للدغة الموت. في سيناريو مثل هذا سيكون هذا ايضا العقرب الذي سيموت من تلقاء نفسه. وقد أوضح السنوار في العام 2006 أنه يفهم ذلك.