مخططات تحاك لتصفية القضية الفلسطينية يشارك فيها أطراف إقليمية ودولية تقوم على ضم جزء من الضفة الغربية لإسرائيل، وإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، وسلطة حكم ذاتي فيما تبقى من مناطق الضفة الغربية.
وقد نشهد تطوراً لتلك المخططات ليتم تبادل سكاني عبر إخلاء بعض التجمعات الاستيطانية في مناطق رام الله ونابلس من المستوطنين، وتهجير فلسطينيو الداخل لتلك المستوطنات واستبدالهم بالمستوطنين، مع تكثيف الهجرات اليهودية لفلسطين، والانتقال لمرحلة اندماج إسرائيل مع محيطها الإقليمي عبر تصور أعده مستشار الأمن القومي الأمريكي المستقيل مايكل فلين، لتبدأ مرحلة جديدة من ترتيب منطقة الشرق الأوسط الجديد بما يضمن لإسرائيل مكانة سياسية واقتصادية وعسكرية تؤهلها لقيادة المنطقة والتحكم فيها.
فهل نحن على أعتاب الصفقة الكبرى...؟ أم أن المطروح هو مجرد أفكار.. ؟ وما هي خياراتنا الفلسطينية..؟
نعيش في زمن رجل الصفقات دونالد ترامب، وتركيبة إدارته الجديدة تدعم توجه الصفقات، ولكنها فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي هي صفقات لصالح إسرائيل، لخدمة مشروعها الصهيوني.
شهدنا في الآونة الأخيرة تسريبات لوثائق تنسجم بشكل كبير مع حديث نتانياهو خلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث نشرت شبكة راية تسريب لوثيقة تلخص خطة توني بلير لحل الصراع، وجوهر الخطة يقوم على إقامة دويلة فلسطينية لها إدارتان واحدة في غزة ومرجعها مصر، وأخرى في الضفة الغربية ومرجعها الأردن، فيما تضم مناطق "ج" كلها لإسرائيل.
تتطابق الخطة مع تصريحات الوزير الصهيوني أيوب قرا في جزئية ضم غزة إلى سيناء.
ما يدعم خطة توني بلير ليس فقط تصريحات الوزير الليكودي ايوب القرا، بل أيضاً ما جاء في المؤتمر الصحافي بين نتانياهو وترامب يوم 15/2/2017م والذي جاء فيه: " اليابانيين من اليابان والصينيين من الصين مثل اليهود من يهودا".
وهنا لم يقل نتانياهو أن اليهود من السامرة أو من غزة، وهو ما يدلل أنه ضوء أخضر لإقامة دولة في غزة ودولة في ما تبقى من الضفة، فيهودا هي المنطقة الممتدة جنوب القدس، بما في ذلك منطقة (جوش عتصيون) في محافظة بيت لحم، وجبل الخليل (محافظة الخليل) بينما منطقة السامرة تشير إلى المنطقة الواقعة شمال القدس وخصوصاً (محافظة نابلس ورام الله).
إن تصفية القضية الفلسطينية بدأت بالفعل تأخذ مسارات علنية، وهذا بسبب توظيف القوى الكبرى للانقسام الفلسطيني وإشعال النيران في المنطقة العربية، ما يمهد الطريق نحو دمج إسرائيل بالمنطقة ولعل مقترح تأسيس منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر يعكس ذلك.
وهذا المقترح هو عبارة عن ورقة سياسات شارك فيها الجنرال مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب – استقال مؤخراً على خلفية الاتصالات مع روسيا- ، وجوهر الورقة يتمثل في تأسيس منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر، يتعين على كل دولة عضو باعتبارها شريكا في توفير الأمن للأعضاء الأخرين حيث يضمن كل عضو منهم الأمن والسيادة لكل دولة عضو في المنظمة.
على غرار حلف الناتو، ويضم بعض الدول المطلة على البحر الاحمر (مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن) بالإضافة للولايات المتحدة وستكون إسرائيل عضو مراقب فيه. وركزت الورقة على ثلاث تهديدات للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي وهي: (الإسلام المسلح – خطر القوى الإقليمية المهيمنة (البعد الطائفي) والمقصود إيران – تهديد حيازة الأسلحة النووية).
لم تكن جماعة الإخوان المسلمين وفروعها غائبة عن الوثيقة، فقد حدد الملحق الخاص بالوثيقة أن التركيز في المدى الطويل يتركز على هزيمة الأصولية الإسلامية المسلحة- الإخوان المسلمون وفروعها- من خلال استخدام كافة عناصر القوة الوطنية، مع تركيز كبير وتأكيد على المكون الخاص بمواجهة القدرات الاتصالية لتلك التنظيمات من أجل القضاء على الأصولية الإسلامية الراديكالية وتأثيرها.
ما سبق هو نتاج لما زرعته أيدينا، فالحصار المفروض على قطاع غزة يساهم في تدجين الشعب الفلسطيني للقبول بأي شيء، المهم ضمان الحياة، وهذا الحصار شارك به فلسطينيون وعرب ومجتمع دولي بالإضافة إلى مايسترو الحصار وهي إسرائيل.
وتركز المقاومة في قطاع غزة مقابل السياسة بالضفة الغربية هو خطأ استراتيجي ينبغي الوقوف عنده، فالمفترض أن يكون القطاع عاصمة سياسية مؤقتة، وان تكون الضفة والقدس نقطة اشتباك سياسي وشعبي ومسلح.
أيضاً يضاف لخياراتنا كفلسطينيين هو التوافق على استراتيجية واحدة بديلة لحل الدولتين وأرى أن فكرة حل الدولة الديمقراطية الواحدة هو أفضل الخيارات للهروب نحو الأمام وإحراج ترامب الذي دعا لهذا الخيار، وكذلك البدء بخطوات مقاضاة الاحتلال دولياً، وصولاً لتسليم مفاتيح السلطة الفلسطينية والتوحد خلف برنامج المقاومة بكافة أشكالها.
الخلاصة: إن التخطيط من قبل أطراف دولية وصهيونية لدولة غزة هو حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، ومنطلق هذا التخطيط أن شعبنا في القطاع أنهكه الحصار والعدوان، وبذلك قد يقبل بأي شيء، ولكن ما لا يعلمه المخططون أن شعبنا الفلسطيني يقبل على مضض بدولة على حدود الرابع من حزيران/1967م، لأنه ما زال يحلم ويعمل على تحقيق العودة لدياره التي هجّر منها، فــ يافا وحيفا وصفد والقدس هي عربية فلسطينية، وحتى لا يندرج ما سبق في سياق التنظير فينبغي العمل وفوراً على إنهاء الحصار على قطاع غزة وصولاً لإنهاء الانقسام والتوافق على استراتيجية وطنية تنسجم وتحديات المرحلة المقبلة.