قمة نتنياهو - ترامب: المتغيّر في التفكير الأميركي

20172002083911
حجم الخط

لقاء القمة الناجح بين ترامب ونتنياهو كان مليئا بتعبيرات المحبة والتشجيع لرئيس الحكومة وللفكرة والميراث وجميع القيم والمصالح الاستراتيجية التي تربط بين الشريكين في العلاقات الخاصة بين واشنطن والقدس. من هذه الناحية، كان هذا النقيض الكامل "للقمم" الكثيرة السابقة التي تمت في اجواء متوترة. ومع ذلك، المغزى الحقيقي للقمة الاخيرة لم يكن راسخا فقط في روح المصالحة التي برزت منها بعد مرور ثماني سنوات من الضغينة، بل في المضامين التي اعطاها الرئيس الـ 45 التعبير الواضح.
من ناحية جوهرية، يمكن التعاطي مع 15 شباط 2017 كنقطة دراماتيكية في تاريخ التحالف الأميركي الاسرائيلي، حيث أن الشكل عبر عن التغيير في التفكير الأميركي تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وطرق حله في أعقاب دخول الساكن الجديد الى البيت الابيض في جادة بنسلفانيا 1600. مصدر هذا التغيير يكمن في استعداد الوسيط التقليدي المركزي في الصراع – الذي هو "أوليفر" الأميركي – لتقليص تدخله في العملية ونقل الثقل الى اللاعبين المحليين والاقليميين.
يجب علينا تذكر أنه منذ مؤتمر لوزان الذي انعقد في ربيع 1949، في محاولة لحل الصراع الاسرائيلي العربي بجميع مستوياته، عمل المجتمع الدولي بلا تردد من اجل حل هذا الصراع بشكل كامل، أو على الأقل حل بعض جوانبه. القوى العظمى، الرباعية، مجلس الامن التابع للامم المتحدة وايضا الدول الافريقية – كل هذه كانت ليس فقط جزءا من اللاعبين والقوى التي نبشت في الصراع وطرحت مبادرات مختلفة التي بعضها غريب من اجل احضار بشرى السلام لهذه المنطقة.
رغم أن معظم محاولات التسوية التي تشكلت خارج الاطار الاسرائيلي العربي سببت الدمار، إلا أن هذا لم يقلل من التزام الجهات الدولية باستمرار المحاولة من اجل التوصل الى اتفاق في منطقة مقسمة، وعادة دون نجاح زائد. في المقابل، الخطوات التي نتجت عنها اتفاقيات سلام (حتى لو كان سلاما باردا) بين اسرائيل ومصر وبين اسرائيل والاردن ولدت ونشأت من داخل المنطقة نفسها، ولم تكن نتيجة لخطوة تبلورت من قبل لاعبين خارجيين. على هذه الخلفية التاريخية يوجد تشديد على أن الرئيس ترامب منح الاهمية للاطراف التي لها صلة مباشرة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني من اجل ايجاد الحل، وهذا تجديد مهم. الحقيقة هي أن الرئيس لم يأت من الساحة السياسية، لذلك فهو غير مقيد من قبل صيغ وأطر تقليدية معروفة (مثل القرار 242 من العام 1967 وصيغة حل الدولتين)، الامر الذي يُمكنه من التفكير "خارج الصندوق" وتركيز القوة العظمى الأميركية على منح المساعدة والمحفزات الاقتصادية للاطراف. مع الاستعداد للتنازل عن قيادة العملية نفسها.
هكذا يمكن أن ينشأ لدى السلطة الفلسطينية تغيير، الذي هو شرط اساسي لكل اتفاق. من هذه الناحية فان استعداد البيت الابيض لترك المفاهيم الراسخة والسماح للقوى المحلية والاقليمية بأن تتحمل المسؤولية عن عملية السلام، هو مثابة انقلاب في التفكير. والايام ستقول اذا كان هذا الانقلاب سيوفر الشروط المطلوبة لحدوث انطلاقة حقيقية.