واكب تشكيل أو تأسيس الفصائل والحركات الفلسطينية بما في ذلك الأحزاب باختلاف عقائدها وايدولوجيتها وانتماءاتها الفكرية سمات وخصائص مستمدة من تكوينها والظروف والبيئة التي أحاطت بولادتها أو انطلاقتها ومن ثم مباشرتها للعمل. وللحقيقة فهي لم تختلف كثيرا عن سمات وخصائص شقيقاتها العربيات بالدرجة الأولى. ولا يتسع المقال بالطبع للتطرق إليها وتحليلها او حتى مناقشتها لأنها جميعا قد تشكلت أو تأسست بمبادرة من مثقفين ووطنيين غيورين على مستقبل الوطن العربي كما هو متعارف عليه في منتصف القرن الماضي والعديد منها في الربع الأخير منه.

وغالبا ما كانوا من ذوي القدرات والطاقات الفكرية والنظرية والعملية بحكم كونهم الأكثر كفاءة وقدرة على تغيير الواقع المؤلم الذي كان يعصف بالوطن العربي وخاصة فلسطين. وبدون الإسهاب في تاريخ انطلاقة كل تنظيم فالمقالة معنية بالفصائل والحركات والجبهات التي تأسست أو تشكلت بعد عدوان حزيران 1967 بما فيه حزب الشعب (الشيوعي سابقا).

ومن أجل خدمة سياق المقال المحدود الكلمات سنذكر بعض القواسم المشتركة فيما بينها وبالأدق المظاهر التي رافقتها والنتائج التي ترتبت عليها وما زلنا نعاني من آثارها السلبية القاسية جدا على مجمل نضالنا الوطني والتحرري ضد الاحتلال بالدرجة الأولى بما في ذلك مستقبلنا، رغم مرور عقود طويلة على انطلاقتها.

فأول خاصية مشتركة انها جميعا تشكلت بغرض تحرير فلسطين والثانية دعت جميعها إلى ترسيخ مفهوم النضال الثوري والاخذ بنهج الحرب الشعبية الطويلة الأمد وفي المقدمة الكفاح المسلح ضد الاحتلال والثالثة هو مناداتها بمبدأ الديمقراطية وحرية كافة الكوادر في الانتخاب والترشح للهيئات القيادية دون تمييز والرابعة الدعوة الدائمة لعمل المراجعات للاستفادة من التجارب السابقة وتقييم الأداء بشكل دوري والذي لم يتم الا مرة واحدة من قبل فصيل يساري عقب أيلول 1970 تم فيها مراجعة كل الأخطاء التي سادت، بما في ذلك فصل اكثر من عضو من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية والقادة العسكريين وكانت بحق مفخرة لهذا التنظيم كان الأمل معقودا على الاستمرار بانتهاجه وتكريسه ليكون هذا التنظيم بحق فجر جديد في حياة الشعب والثورة والخامسة الإيمان للمبادئ وليس للأشخاص مهما علا شأنهم.

وسادسا أن كل فصيل أو حركة يحتفل سنويا في ذكر استقلاله أو تأسيسه ويستعرض فيه منجزاته الكبيرة أو الضخمة!!. فالبعض يطلق على نفسه بالحركة العملاقة!!! وآخر طرح مقولة بأنه فجر جديد في تاريخ الشعب والثورة وثالث يدعي بأنه مقاومة إسلامية حقيقية وأنه متمسك بتحرير الأرض من البحر إلى النهر علما بأنه فاوض على دولة موقتة لفترة طويلة ورابع يدعي بأنه لن يتنازل عن الثوابت.

وسابع المظاهر المشتركة أن كل الفصائل تدعي حرصها على الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام وضرورة إعلاء المصلحة العامة والاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. وثامنا أن معظم الفصائل قد خاضت تجارب الاندماج والوحدة أو التنسيق فيما بينها لكنها لا تلبث بعد أقل من سنتين على الأكثر تجاهل و/أو نسيان ما تم التوقيع عليه بدون اصدار بيان توضيحي لكوادرها وقبله لشعبها، وكانت اخر مسرحية في هذا الشأن قرار الاندماج الذي بدأ بين حزب سياسي وفصيل صغير أنشق قبل نحو 27 عاما عن تنظيمه الام.

وتاسعا أن الأمناء العامين وأعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية والمجالس الثورية والشورى وأمناء الأقاليم يبقون في مناصبهم حتى يتوفاهم الله أو يحدث تمردا على القيادة أو يحصل انشقاقا وهي الصفة الغالبة في الساحة الفلسطينية. فتنظيم واحد فقط انشق 4 مرات متتالية وآخر حصل فيه تمرد وانشقاقات فرعية أكثر من ثلاث مرات وأخرى انشقت وتقوقعت وانكمشت حول نفسها وهي تخص باقي الفصائل وجميعها باتت صغيرة الحجم وليست ذات تأثير وفعالية على الاطلاق.

وفي حال إجراء الانتخابات الداخلية فتكون شكلية ومرتبة مسبقا ويتم اسقاط من لا يتساوق مع ثلة من القيادة وهذا يشمل كل الفصائل دون استثناء، كما جرى في المؤتمرات الحزبية التي تعقدها الفصائل والحركات.

وعاشرا أن جميع الفصائل توقفت عن الحديث عن الكفاح المسلح بل ولم يعد مطروحا على برنامجها النضالي ولو من باب الاحتياط أو الخطط البديلة، فحتى المشاركة في فعاليات الانتفاضة الحالية توقفت عنه وتحولت إلى جوقة فاشلة متخصصة في إصدار بيانات الاستنكار والشجب على أفعال الاحتلال وممارسته، وتستجدي وتناشد مجلس الامن والأمم المتحدة والدول المعنية بحقوق الانسان للتدخل في لجم عنجهية الاحتلال الإسرائيلي والكثير من هذه القيادات بات مدمنا عن نشر اخباره الشخصية وصوره ونضالاته بما فيها تصريحاته على شبكات التواصل الاجتماعي.

مهزلة المهرجانات والمؤتمرات والمراجعة

وفي كل عام تنظم الفصائل والحركات مهرجانات احتفالية تلقى فيها خطب وكلمات مكررة ومعادة لا تتضمن أي جديد وفوق هذا تكلف التنظيم مبالغ مالية كبيرة بدون فائدة أو جدوى. ولو تم جمع هذه الأموال من كل الفصائل وأنفقت على أسر الشهداء والأسرى لكان أفضل وأنجع؟ لقد أوصلتنا قيادة منظمة التحرير والفصائل والحركات، إلى مأزق حقيقي بسبب إصرارها بالتمترس بمواقعها القيادية وعدم التزحزح عنها تحت أي ظرف. فهل يعقل أن يبقى عضو المكتب السياسي أو اللجنة التنفيذية في موقعه عقودا طويلة، حتى بعد بلوغه العقد التاسع من عمره المديد بحيث يصبح غير قادر على السير منفردا على قدميه أو يعتكف لسبب او لآخر. فهذه الخاصية السيئة المشتركة في نضالنا الوطني آن الأوان أو حان الوقت ليستدل الستارة عنها للأبد وتتوقف كليا؟ فلم تعد مفهومة ولا مقبولة ولا مبررة ولا مستساغة ولا مهضومة.

وهناك نقطة أخرى على درجة عالية من الأهمية هو ما يحدث في المؤتمرات والاجتماعات الداخلية او بين الفصائل فيما بينها وهي أكثر من ان تعد أو تحصى لكن بلا فائدة أو هدف؟ ولأن عمر أحدث وأصغر فصيل لا يقل عن 27 سنة وبعضها تجاوز ال 50 عاما، فإن من المفترض أن يقف كل مؤتمر أمام الأوضاع الحزبية الداخلية لمعرفة تطورها ونموها واهم الإنجازات التي تحققت أو السلبيات التي ظهرت اثناء الممارسة لمعالجتها والوقوف امامها.

وبدون الدخول في التفاصيل الكثيرة والمملة للقارئ فمن المفترض على التنظيم او الفصيل الذي مضى على انطلاقته ثلاثة عقود فأكثر أن يراجع عدد اعضاءه هل زادوا وما هي نسبة الزيادة في كل عام وفي أي القطاعات أيضا.

فلا يمكن لتنظيم تأسس قبل 40 أو 50 عاما أن يتراجع اعضاؤه ومناصروه ويضعف تأثيره على ساحة النضال! هذا يعني ان قيادة هذا التنظيم لم تعد معنية بتوسيعه بقدر حرصها على البقاء في مواقعها مما يؤدي – وهذا فعلا واقع الحال – إلى شلل منظومة التنظيم كلها وانحسار تأثيره بما في ذلك قدرته على تحمل تبعات النضال ضد الاحتلال وفي المقدمة دعم الانتفاضة. فقوة كل الفصائل تقريبا وعلاقتها مع الجماهير الفلسطينية وخاصة سكان المخيمات والقرى محدودة جدا بل وضعيفة. وأتحدى أي تنظيم ان يقول بان أعضاءه واصدقاءه قد تضاعفوا خلال العقدين الأخيرين مثلا! فمعظم الفصائل تواجه معضلة حتى في تجنيد الطلاب باعتبارهم الفئة الأكثر استعدادا وجاهزية للانتماء والالتحاق في العمل السياسي والحزبي.

فكيف تحتفل هذا الفصائل بمرور 40 أو 50 عاما على انطلاقتها وتملأ الشوارع واعمدة الكهرباء بأعلامها وتعقد المهرجانات لحضور الاحتفالات وهي تسجل تراجعا شعبيا وتنظيميا بما في ذلك تأثيرها على الشارع الفلسطيني، وهذا يتضح من خلال نتائج الانتخابات التي تتم سنويا سواء في الجامعات او النقابات.

غالبية الفصائل الفلسطينية وقادتها باتت/باتوا محل تندر قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، فلم يعد لها/لهم نفس الاحترام الذي خطوا فيه قبل سنوات. ومن باب تثبيت ما ذهبنا إليه فقادة الفصائل ذهبوا للحصول على موافقة الرئيس لتنظيم مظاهرة احتجاج ضد الاجتماع الذي تم يوم 15 شباط الجاري بين نتنياهو وترامب.

الا يعكس هذا السلوك عجزا غير عادي لدى هذه القيادات المفلسة التي لا تستحق ان تبقى على رأس هذه التنظيمات يوماً آخر بعد اليوم. فهؤلاء لا يعملون عند الرئيس ولا تحت إمرته؟ فهم ينتمون لأحزابهم اولا! وهذا ما يجب الوقوف امامه طويلا.

الفصائل عزلت وشلت نفسها بنفسها وحان الوقت لوضع كل قياداتها في الاستيداع. فهي لم تعد تصلح لقيادة المرحلة. فعدد غير قليل من الشخوص القيادية بات عبئا على النضال الوطني الفلسطيني ولم يعد باستطاعته المساهمة في استنهاض الحالة الوطنية والثورية لمواجهة الاحتلال والتصدي لمخططاته من مصادرة للأراضي والاستبطان وتهويد القدس. فقد آن لهم الآوان ليستريحوا ويريحوا.